النظم الصحية اليمنية تتهاوى تحت مقصلة أزمة المشتقات النفطية
المجلة الطبية_ غيداء العديني|
توفي نبيل غليس (35 عاما) بعد تدهور صحته بشكل سريع إثر إصابته بجلطة دماغية، كان يمكن تلافيها، في حال تم نقله إلى المستشفى بوقت مبكر، غير أن عائلته عجزت عن توفير وسيلة مواصلات لنقله من محافظة رداع “150 كم جنوب شرق صنعاء” مقر سكنه إلى إحدى مستشفيات العاصمة بسبب أزمة المشتقات النفطية وارتفاع تكلفة المواصلات.
لقد اضطرت عائلة غليس لدفع مائتي ألف ريال يمني (333 دولارا) أجور السيارة التي نقلته إلى صنعاء وهو ضعفي التكلفة السابقة للنقل قبل أزمة المشتقات النفطية، لكن الكثير من الوقت كان قد فات وتدهورت حالته الصحية بشكل كبير ولم يتمكن الأطباء من انقاذه. حسب قولها
يقول الدكتور ياسر عفيف -المدير الطبي لمستشفى يوني ماكس- وهو المشفى الخاص الذي استقبل نبيل غليس شمال العاصمة نهاية حزيران(يونيو) الماضي، أن المريض كان قد تعرض لجلطات عديدة تسببت له بمضاعفات منها التهاب حاد في الصدر.
وبحسب ياسر عفيف، فارق غليس الحياة بعد أربعة أيام من وصوله إلى المستشفى ولم يتمكن الأطباء من انقاذه.. مضيفاً ” كان يجب أن يصلنا قبل أسبوع من يوم نقله إلينا”.
ويؤكد الدكتور ياسر أن تأخُّر وصول الحالات الخطرة إلى المستشفيات واحدة من انعكاسات أزمة المشتقات النفطية على الوضع الصحي، مضيفا في حديثه لـ المجلة الطبية “صعوبة وصول الأطباء والممرضين في الأوقات المحددة وتأخير الخدمات على المرضى خصوصًا الطارئة والعمليات أدى إلى وصول بعض الحالات وهي في وضع يصعب تداركه وأحيانا تموت قبل وصولها إلى المستشفى”.
وحذر عفيف من توقف نشاط المستشفيات بشكل كامل، في حال استمرار الأزمة، متوقعا انخفاض الخدمات الطبية من المستوى الثالث إلى المستوى الأول، وتحول النظام الطبي إلى نظام بسيط مؤقت لا يقدم “حتى 20% ” من الخدمات، حد تعبيره.
وفي هذا السياق يشير تقرير تقييم الصراع في اليمن حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن إنهاء الصراع في اليمن سيزيد من فرص الحصول على الخدمات الصحية مما يخفف من سوء التغذية الشديدة.
وأورد التقرير الصادر عام 2019 في الصفحة 50 أن عدد الوفيات غير المباشرة نتيجة للصراع سينخفض بمقدار 96700 شخص بحلول عام 2022، بينما ستنخفض عدد الوفيات من الاطفال بمقدار 104050 بحلول نفس العام.
مأساة مرضى الكلى
يقول نائب مدير عام مستشفى 48 الدكتور محمد الغشم “لم نعد قادرين على ضبط انتظام جلسات الغسيل لمرضى الكلى بسبب أزمة الوقود” وهذا يتسبب بمضاعفات صحية للمرضى.
وبحسب حديث الغشم لـ المجلة الطبية فقد ساهمت أزمة الوقود في ارتفاع معدل الوفيات من مرضى الكلى لعدم قدرتهم على الوصول إلى المستشفى في الأوقات المحددة نتيجة لانعكاس الأزمة على حركة المواصلات والنقل خاصة من الأرياف إلى المدينة.
وبالمقابل تشهد غرف الغسيل في بعض الأوقات ازدحاما شديدا بالمرضى الخائفين من توقف الوحدات وفقدانهم الخدمة وبالتالي فقدانهم للحياة.
توقف سيارات الإسعاف
مستشفى 48 الحكومي اضطر إلى إيقاف خدمة نقل المرضى بسيارات الاسعاف لذات السبب “أزمة الوقود” وهذا انعكس على صحة المرضى خاصة ممن يتعرضون لحوادث مرورية أو طلق ناري أو أزمات قلبية.
من جانبه أفاد نائب مدير عام مستشفى 48 بأن تأخر وصول المرضى إلى المستشفى “خاصة من الأرياف” يتسبب في مضاعفات خطيرة ما يضطر الأطباء لإدخال البعض إلى غرف العناية المركزة.
تقليص الخدمات
حياة 247 مريضًا مصابًا بالفشل الكلوي معرضة للخطر بعد أن أوشكت أجهزة الغسيل الخاصة بالمستشفى الجمهوري في محافظة حجة على التوقف بسبب أزمة الوقود.
يقول مدير المستشفى الجمهوري بحجة الدكتور عبد الملك جحاف أن الاحتياج الطبيعي للمستشفى من الوقود يصل إلى 45 ألف لتر في الشهر، لكنهم لم يعودوا قادرين على توفير الكمية مؤخرا ” بالكاد نحصل على 30 ألف لتر”، وهذا بحسب جحاف، أدى إلى تقليص عدد العمليات الجراحية وبعض الخدمات الطبية، بالإضافة إلى تقليص عدد ساعات العمل في المختبر وبعض عيادات المستشفى.
وفي حال انعدام الوقود بشكل نهائي عن المستشفى ستصبح حياة 20 مولودًا بالحاضنات، و16 مريضًا بالعناية المركزة تحت التنفس الصناعي معرضة لموت حتمي.
يأتي ذلك في ظل تزايد عدد المرضى بسبب جائحة كورونا وبعض الأوبئة مثل الضنك والمكرفس والملاريا.
25 مليون يمني سيخسرون رعاية صحية
أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور يوسف الحاضري في حديثه لـ المجلة الطبية توقف بعض الأقسام الطبية في الكثير من المستشفيات الحكومية والخاصة بسبب أزمة الوقود في المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء.
وبحسب الحاضري انخفضت نسبة الخدمات التي يقدمها القطاع الطبي الحكومي إلى أقل من 25 % بينما تراجعت في القطاع الخاص إلى 75% باعتباره الأوسع انتشارًا والأكثر استعدادًا من الحكومي، حد قوله.
وحذر الحاضري من وقوع مأساة وصفها بالـ “كبرى” فيما إذا استمرت أزمة الوقود، موضحا أن وزارته ستعلن في الساعات الأولى لنفاد الكمية إغلاق “ما يقارب 5000 مركز ومستوصف حكومي وخاص في جميع مديريات وقرى اليمن مما يفقد أكثر من 25 مليون يمني الخدمات الطبية”.
ومن تبعات أزمة الوقود، انتشار الأمراض الوبائية بسبب توقف عملية الترصد والمكافحة والإحالة والعلاج وسيتم إغلاق محطات تعبئة الأوكسجين وهذا يعني توقف كل أقسام العناية لكل المستشفيات مما سيهدد حياة من يحتاجون إليها وعلى رأسهم مصابي فيروس كورونا (كوفيد19) .
وتوقع الحاضري إغلاق أقسام العمليات وعلى رأسها العمليات الحرجة والمستعجلة والمتمثل في العمليات القيصرية مما يهدد حياة الأم وجنينها، وأيضا عمليات الحوادث والطوارئ وإغلاق 275 حضانة في المستشفيات الحكومية وأضعافها في المستشفيات الخاصة مما يهدد حياة المواليد الجدد الذين يحتاجون لهذه الخدمة.
صعوبة الوصول إلى المستشفيات
“ماذا لو امتلكت جميع المستشفيات المشتقات النفطية المطلوبة وعملت بنسبة 100%”؟ هكذا يتساءل الحاضري في ظل عجز المواطن عن الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية.
فأزمة الوقود لا تكمن في عدم قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات الطبية بالمستوى المطلوب فحسب، بل تلقي بظلالها على جميع مناحي الحياة ومنها عجز المواطنين عن الانتقال إلى المدن للاستطباب في ظل ارتفاع تكاليف النقل بين المحافظات وفي إطار المحافظة الواحدة بنسبة 250%، خاصة وأكثر من نصف السكان يعيشون في الأرياف، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
الطاقة الشمسية لا تحل المشكلة
يدرك المجتمع الدولي أنه لا بدائل للمشتقات النفطية خاصة في تشغيل المؤسسات الطبية وقد عملت وزارة الصحة في صنعاء على إبلاغ الجميع بالوضع الذي تعيشه المستشفيات.
يقول الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة “لقد أبلغنا الأمم المتحدة والدول الصديقة والمنظمات الدولية والمحلية وأطلقنا نداءات استغاثة وبحثنا عن بدائل ولكن في الأخير لا توجد بدائل إلا توفير المشتقات النفطية، حتى الطاقة الشمسية لا يمكن أن تحل المشكلة”.
المصدر : https://alttebiah.net/?p=10210