تعامل الأطباء مع مصابي كورونا.. هل أعاد الثقة؟
المجلة الطبية_ محمد غبسي|
ظل عبد الخالق عبدالإله “38 عاما” على تواصل مستمر مع الأطباء في مستشفى الصريمي بمحافظة عمران (52 كم شمال العاصمة صنعاء) الذي استقبله هو و والدته “75عاما” عند إصابتهما بفيروس كورونا المستجد كوفيد-19 في الـ 12 من شوال الماضي .
يقول عبدالخالق في حديثه لـ لمجلة الطبية ” استمر الأطباء في متابعة وضعنا الصحي أنا و والدتي بعد عودتنا إلى المنزل عبر التلفون يمدونا بالنصائح والارشادات حتى تجاوزنا فترة الخطر” مؤكدا أن اهتمام الأطباء وإدارة المستشفى ساهم في تجاوزهم الأزمة بوقت قياسي وهما الآن يتمتعان بصحة جيدة، حد قوله.
وأضاف عبدالخالق عبدالإله الذي يسكن في مديرية الجنات ” ثبات الأطباء في مقار أعمالهم لمواجهة كورونا كان مفاجئا.. لقد شعرنا بأن اليمن يمتلك أطباء حقيقيين”
الإجراءات التي فرضتها الدول على التنقل في مواجهة جائحة كورونا المستجد كوفيد-19 بالإضافة إلى محدودية الحركة الجوية المفروضة على اليمن سابقا بسبب الحرب لم تترك أمام مئات الآلاف من اليمنيين ممن كانوا يسافرون سنويا للعلاج في الخارج خيارا سوى التداوي على أيدي أطباء يمنيين.
وزارتا الصحة في صنعاء وعدن لا تمتلكان إحصائيات دقيقة بعدد المرضى اليمنيين الذين يسافرون للخارج بغرض العلاج غير إنها تحدد ثلاث دول أساسية يقصدها معظم المرضى ” مصر، الاردن والهند” بسبب اهتزاز ثقة المرضى بالأطباء اليمنيين.
وبحسب إعلان لسفارة اليمن بالقاهرة عام 2014.. يسافر أكثر من 200 ألف يمني كل سنة للعلاج في مصر. ويصرف كل شخص في المتوسط 2000 دولار (1450 يورو).
الجهات الرسمية تدرك ضعف الثقة بين المرضى والأطباء في اليمن وهذا ما دفع وزير الصحة العامة والسكان في حكومة صنعاء الدكتور طه المتوكل للإعلان مطلع العام الجاري بأن 2020 سيكون عام إعادة الثقة بالطبيب اليمني، وقام بعدد من الإجراءات التقييمية للمستشفيات الحكومية والخاصة.
لكن عام إعادة الثقة بالطبيب اليمني شهد حدثا عالميا كانت اليمن إحدى ضحاياه عندما اجتاح فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 جميع المحافظات، وهذا مثل تحديا كبيرا أمام الأطباء واختبارا حقيقيا لتبادل الثقة بين المواطنين والأطباء الذين لم يجدوا سبيلا إلا بمواجهته والبقاء في الخطوط الأمامية.
إجراءات
كان مرافقو المرضى يخفون الأعراض الحقيقية لمرضاهم على لجان الاستقبال في مستشفيات محافظة الضالع جنوب صنعاء خشية أن ترفض استقبالهم في حال كانوا يعانون من أعراض مشابهة لأعراض الإصابة بفيروس كورونا.
حدث ذلك في الأيام الأولى لتفشي الفيروس، حتى وجه المدير الفني لمستشفى النجار في محافظة الضالع الدكتور نعمان الفلاحي باستقبال كل الحالات دون استثناء.
وبحسب الفلاحي استقبلت جميع المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية في المحافظة كافة الحالات المصابة بكورونا رغم الإمكانيات الشحيحة للمستشفى، إذ أن 70% من العاملين الصحيين لم يحصلوا على أي وسيلة وقاية من فيروس كورونا غير الماء والصابون والكمامات المصنوعة من القماش.
وقال الفلاحي في حديثه لـ المجلة الطبية ” لقد استقبلنا الجميع وعند التأكد من إصابة أحدهم بالفيروس، بحسب إمكانياتنا، كنا نحرص على تزويده بالأدوية المعروفة والنصائح مثل العزل وعدم مخالطة الآخرين” مضيفا ” وبعد أن يغادروا المستشفى أقوم بإبلاغ فرق الاستجابة واعطيهم عناوين المرضى”.
تعامل الأطباء والممرضين والعاملين في المستشفيات بهذه الطريقة ساهم بشكل كبير في بناء جسور الثقة بين المواطنين والكادر الطبي، رغم أن التعامل المباشر مع المرضى دون توفر الاحتياطات اللازمة كانت مغامرة، بحسب الفلاحي الذي قال ” لقد كانت مغامرة إنسانية لم أتوقع شخصيا أن أنجو من هذا الوباء، لكنني نجوت”.
مواقف أحدثت تغيير
موقف الأطباء اليمنيين أثناء اجتياح فيروس كورونا للبلد غير بشكل كبير علاقة المواطنين بالأطباء والعاملين في القطاع الصحي كافة إلى الأفضل، بهذه الجملة بدأت الأخصائية الباطنية الدكتورة بسمة الحارث حديثها لـ المجلة الطبية.
وأضافت لقد كان الأطباء في الصفوف الأولى والدرع الحامي للشعب بموقف ثابت، بالرغم من أن النظام الصحي متصدع وهش، وهذا غير النظر العامة إليهم، لترتفع أصوات الشكر والعرفان من قبل المواطنين تقديرا لجهود الأطباء المبذولة في مكافحة الفيروس. على حد تعبيرها.
ولفتت الحارث إلى أن الفيروس التاجي الجديد أحدث تغييرا كبيرا في علاقة المرضى بالأطباء الذين لقبوا بـ “الجيش الأبيض”، مشيرة إلى أن الأطباء في كافة أنحاء العالم استعادوا ثقة الناس بهم لما يقدمون من تضحيات في الخطوط الأمامية في مواجهة “كوفيد-19 19”.
مع تسجيل أول إصابات بكورونا في اليمن تداولت مواقع إخبارية وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن فرار الأطباء والطواقم الصحية في عدد من المحافظات مستغلين بعض حوادث من هذا النوع، خاصة ما حدث في مدينة عدن عندما تم أغلقت مستشفيات حكومية وخاصة، لكنها لم تكن هروبا إنما كانت احتجاجا على عدم حصول الطواقم الصحية على أدوات الحماية والوقاية اللازمة وهذا ما أثبتته الأيام بعد عودة المستشفيات لاستقبال جميع المرضى.
لقد كان الكثير من المواطنين يتوقعون هروب الأطباء، وهو ما نفاه عمر عبدالعزيز الفهد دكتور الأمراض الباطنية في مستشفى الثورة بمحافظة إب بقوله “مع بداية تفشي فيروس كورونا المستجد أحسسنا بنظرات من المرضى وكانت تعني بأنهم يتوقعون منا الهروب من المستشفيات”.
لقد تغيرت النظرة إلى النقيض، فبحسب الدكتور الفهد لمس الأطباء التغير في ثقة المواطنين بهم من خلال التعاملات سواء في المستشفى أو في الشارع أو في الأحياء.
استعادة الثقة
استعادة ثقة المواطنين بالأطباء دفعت الناس إلى استشارة الأطباء في كل مكان يجدونهم فيه يقول الدكتور عمر الفهد “لقد أسعدتنا هذه الثقة وهذا ما جعل الكثير من الأطباء يقدمون الاستشارات وهم في منازلهم “.
ويضيف ” نحن نستقبل الحالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونقدم لهم النصائح والاستشارات اللازمة وبدورهم يغدقون علينا بالشكر والدعاء والتضامن، وهذا خير مثال لتحول العلاقة من سلبية إلى إيجابية” وهذا دفع الأطباء إلى الحرص على القيام بواجبهم رغم غياب الاحتياطات والتي انحصرت في كمامات قماشية لا قيمة لها سوى منع الأطباء من لمس وجوههم.
لقد كان لجائحة كورونا الفضل في استعادة مكان الطبيب عند الناس الذين لم يسبق لهم أن اختبروا الكوادر اليمنية أمام هكذا خطر، لتعود العلاقة إلى مكانها الصحيح حتى مع أقرباء المرضى وكافة شرائح المجتمع.
المصدر : https://alttebiah.net/?p=10620
