fbpx
فلاش3 ديسمبر 2021

يوميات ممرضة يمنية أثناء جائحة كورونا

mohammed alghobasi
2021-06-05T16:51:01+03:00
تشخيصكورونا
24 سبتمبر 2020آخر تحديث : السبت 5 يونيو 2021 - 4:51 مساءً
Ad Space
يوميات ممرضة يمنية أثناء جائحة كورونا
Ad Space
نرمين عداعد

يوميات ممرضة أثناء جائحة كورونا

بدأت قصة كورونا عادية في بداية الأمر، حيث كنا نسمع عن وباء قاتل داهم منطقة في الصين..
ثم تعالت وتيرة الأخبار ، أنباء عن حجر عم مناطق كثيرة في الصين الشعبية، لم ينته الأمر هنا لكنه تفاقم و ازداد سوءً عندما استطاع هذا المخلوق المنتاهي في الصغر أن يعبر خلف الحدود عبر القارات لينتشر إلى جميع الدول كرماد في ريح عاصف.

أنا ممرضة أعمل في مستشفى حكومي، أحب عملي جدا و دائما ما تسعدني إبتسامة مريض و دعوة في آخر اليوم (الله يبارك فيش) كما ينطقها المرضى.

وأن تكون ممرضا يعني أن تعتاد السهر، يعني أن يكون صباحك الساعة الرابعة عصرا، يعني أن تكون قادرا على تحمل الكثير و الكثير، و أن تبدو مبتسما طوال الوقت حتى لو كان داخلك ألف بركان.

خلق الله الرحمة و جسدها على هيئة ممرض..
أن تنقذ حياة شخص فأنت بطل، أما أن تنقذ حياة مائة شخص فأنت ممرض.
لكم أن تتخيلوا ما يلاقيه الممرض من عناء و تعب و سهر كي ينال مريضه قسطا من الراحة.

خلال جائحة كورونا كان الأمر أكثر تعقيدا، كان الوضع أشبه بحرب المجرات، كائنات صغيرة تغزونا فجأة، لم نتوقع هذا الغزو المفاجئ، ليس لدينا إمكانيات و لا إستعداد لكل ذلك.

فجأة وبدون سابق إنذار كان علينا أن نترك منازلنا و عوائلنا لنلتحق بطاقم المدافعين في الجبهة الأمامية ضد العدو.

Ad Space

إقرأ أيضاً.. علاج روسي جديد لكورونا يباع في الصيدليات

لم يكن هنالك الكثير من الوقت كي نفكر أو نختار.. هل نذهب أم لا؟.
لم نستعد جيدا، فقط ذهبنا دون أن نودع منازلنا و اهالينا..
حزم الجميع ما تسنى له أن يحمله، و اكتفيت أنا بعناق أمي وقبلة على جبينها و دعوات كثيرة أخذتها معي..
هناك في مراكز العزل بدا الأمر مخيفا جدا، الحالات تأتي إلينا معظمها كان الموت يحيط بها من كل جانب، لم نمتلك الإمكانيات ووسائل الحماية المتطورة كما في بقية الدول، فبلادنا تعيش مآسي أخرى أهمها الحرب و الحصار و المجاعة و العديد من الأوبئة التي تفتك بنصف الشعب ناهيك عن هذا الوباء.

كان علينا أن نقاتل وأن نخوض جميع هذه المعارك من أجل البقاء!
وصلنا للمرحلة الأسوأ حيث زادت معدلات الحالات المصابة. أغلب الحالات كانت حرجة، الأمر ليس كما يبدوا في الأفلام و المسلسلات التلفزيونية حيث و في نهاية المطاف تتماثل الحالات للشفاء، و تدخل الممرضة إلى حجرة مريضها فتجده مبتسما معبرا لها عن إمتنانه، على العكس تماما أغلب الحالات في بادئ الأمر كانت تنتهي بالوفاة كان شبح الموت مخيما على الجميع. بدت كل الالوان في عيني رمادية شاحبة، الوجوه ، الممرات ، غرف الطوارئ، و كذا غرف العناية حتى وجوه زملائي الممرضين و الأطباء الجميع انهكته المعركة.

إقرأ أيضاً.. سلامة المريض تبدأ من إلتزامه بإجراءات المكافحة

الأمر الذي كان يهون عليّ تعبي بعد نهاية كل مناوبة، هو صوت أمي حبيبتي. ما إن أمسك بهاتفي حتى أجد رسالة من عزيزتي أمي تسأل عن حالي و تخبرني كم أنها مشتاقة لعناقي.. كانت تنهمر من عينيَّ الدمعات و أردد في اعماقي(وأنا كذلك اشتقت إليك يا أمي). اتصل بها:
_ حيا بقلبي
_لش الحياة يا تاج راسي… فقدتش يا أماه.
_و أنا فاقده لش يا بنتي.. انتبهي لنفسش.. أنا فدالش يا نرمين.. و لو أنت بعيدة عني و بتتعبي لكن هذا واجبش..ربي يحفظش من كل شر.
تنهال علي دعواتها المباركة، كنت أحدثها وأنا مغمضة عينيَّ كي أرى وجهها الملائكي في مخيلتي..
بعد دفعة الحب القوية ألقي جسدي المنهك على السرير حتى أنال قسطا من الراحة استعدادا للمعركة القادمة..

أنت مدعو للاشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب

كانت ترادونا فكرة العودة إلى منازلنا.. هل سننجو؟ هل سنعود؟ الموت بسبب كورونا مختلف تماما كان سريعا شاحبا و صلبا..
وصلت الأمور ذروتها في شهر رمضان المبارك.. لم نحس بأي روحانية خلال شهر الإيمان، كان علينا أن نقاتل و بشراسة فأكثر ما كان يحيط بنا هو الموت.. فقط الموت..
كانت هناك طمأنينة خاصة تسكن أعماق قلبي ربما كان سببها دعوات أمي..
يرن هاتفي في أحد الأيام
_ألو
_نرمين كيف أنتِ.. الحقي أمي مريضة قوي
_أيش فيها ..!؟
_حمى و سعال وحلقها بيوجعها
الأحداث بدأت بالتسارع..
تم إحضارها إلى مركز العزل، كنت أتمتم في داخلي ( يا رب يا الله سلم على أمي حبيبتي)
قمنا بعمل الفحص المبدئي.. يا إلهي يبدوا أنها مصابة بهذا الوباء.
حالة أمي تزداد سوءً.. يا إلهي ماذا يمكنني أن أفعله من أجلها
كنت منهارة و كنت أشعر بالحزن عندما أتذكر اني لم أكن بجانبها في المراحل الأولى من مرضها …كيف استطعت يا أمي أن تخفي مرضك عني!؟
الجميع بذل ما بوسعه من أجل إنقاذ حياتها حبيبتي أمي.. كما هو الحال مع جميع المرضى..
لكن لم يستطع أحد منهم إخفاء حقيقة تردي حالتها الصحية
فأنا كنت أقف إلى جانبها طوال الوقت..
الحالات في هذه المرحلة أغلبها تتماثل للشفاء.. كان أملي بالله أن تشفى أمي و أن أعود معها للمنزل..
لقد عدت لمنزلنا في أحد الأيام.. لكني عدت دون أمي.
إنتهت المعركة.. انحسر الوباء.. كان هنالك العديد من الناجين، و الكثير من الضحايا.. و كان هنالك أمي التي لم تعد هنا معنا.

* ممرضة في مستشفى الكويت الجامعي

Ad Space
Ad Space
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Ad Space