مأساة مرضى السكري في وطني
يمر علينا اليوم العالمي للسكري لنتخذ منه نقطة تنبيه أخرى لخطورة اهمال هذا المرض رغم سهولة التعامل معه وتجنب تداعياته.. فالخوض في هذا الموضوع عميق ومهم جداً ومتشعب.. وأنا هنا لن أتحدث عن داء السكر وأسبابه ومسبباته فالكثير من الاطباء قد أبدع وأسهب واستعرض تلك الجوانب.
لكني هنا سأتكلم عما أواجه وألمس في بعض مرضى السكر من تفريط في حق أنفسهم وصحتهم.
إنه لمن المؤسف جداً ما أراه في مرضى السكر.. فبالرغم من أنه داء العصر وأصبح الحد من ضرره ومضاعفاته.. والتحكم به من الامور السهلة وفي متناول الجميع إلا أنه ونتيجة لثقافة متراكمة جعلت السكري غول مفزع لدى البعض.. فبمجرد تشخيص الاصابة بالسكري تنقلب حياة المريض رأسا على عقب، ويعيش في حالة قلق وأحزان ويقضي يومه هموما.
إقرأ أيضاً..ما الفرق بين نوعي مرض السكري الأول والثاني؟
وعند معرفته إصابته بداء السكر يمر بكل مراحل الذهول واللاتصديق محاولا الهروب من الواقع عابثاً بمصداقية الفحوصات.. وهو الأمر الذي ينعكس أحيانا على حالته النفسية لتزداد نسبة السكر ارتفاعا.. في الوقت الذي يجب عليه أن يتعامل مع الأمر كواقع يمكن تلافي اضراره ومضاعفاته بالالتزام بحمية
غذائية.. والانضباط في استخدام الأدوية التي يصفها الطبيب له ولا يهرول بعد من يقول له “اسأل مجرب ولا تسأل طبيب”..أو يستمع لمن يوهمه كذبا أن علاج السكري نوعا من الادمان ومسبباته.
وهناك آخرين أكثر هدوء وواقعية، وبمجرد تشخيص السكر لديه يتقبل الأمر ويستخدم الدواء ويمارس حياته بشكل طبيعي ويعمل كنترول ناجح لضبط ومراقبة السكر
وهنا يجب علينا التنبيه.. فالشخص الأول عادة ما يعاني من مضاعفات متسارعة نتيجة تقصيره وإهماله، ويزيد الطين بلة باللجوء الى استخدام وصفات ليس موصى بها من طبيب مختص.. بل ربما من شخص لا علاقة له بالطب.
قد يهمك..هكذا يؤثر السكري على صحة الفم والأسنان!
بينما الشخص الثاني يتجاوز الصدمة الاولى بسلام ويتمكن من تحجيم مضاعفات السكر والوقاية من تداعياته المؤلمة على كثير من أجهزة الجسم ووظائفه الحيوية.. والحقيقة أن الأمر بشموليته خاضع للسلوك والوعي والثقافة.
ليدرك الجميع أن أجسامنا وصحتنا أمانة، ولها علينا حقوق وقد كرمنا الله تعالى بالعقل لنميز بين الضار والنافع، ونقرر ما يجب وما لا يجب ان نعمله.
كما أن هناك أعذار غير حقيقية كأن يقول المريض بأنه لا يملك ثمن علاج السكر بينما يعطي لقيمة القات أولوية في توفيرها ويبرر لنفسه بأن القات علاج للسكر.
والبعض يبرر عدم التزامه باستخدام العلاج بحجة سكنه في قرية ولا وجود لصيدلية ولا يشتري العلاج عند نفاذ ما كان يستخدمه مباشرة.. بل يؤجل ذلك لأشهر الى حين يزور المدينة، وهكذا وبهذا الاهمال الذي يجسد خلفية تفكير ووعي الكثيرين من المرضى.. وتكون نتيجته بعد فترة إما وصولهم إلى العناية المركزة أو رقود في أقسام جراحة القدم السكرية أو اقسام الباطنية.. وكذلك في اقسام العيون وقد تأثر النظر لديهم..
داء السكر وعلى الرغم من مساوئه ومضاعفاته إلا أن العقاقير الطبية الخاصة به متوفرة.. بالإضافة إلى الالتزام بالحمية الغذائية الصحية لتجنب الانتكاسات والمضاعفات ولكن أين مرضانا منها؟
أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب
ولكم هو مؤسف لي أنا كطبيبة أن أقف عاجزة أمام من يستشيرني ويعود بعد شهرين أو أكثر ويجيب على اسئلتي وأنا أتأمل فحوصاته وأجده لم يستخدم الدواء مخافة أن يدمن عليها او لأي سبب مما ذكرنا.. إنه الإهمال بحق النفس والمحزن أن نرى شباباً بعمر الزهور وقد دخلوا في متاهات داء السكر وأخذ من صحتهم وقوتهم وهم أسرى لأوهام زرعت في رؤوسهم.
في وطني اجتمعت “الأمية” وتدني الدخل الأسري، وغياب التأمين الصحي، وارتفاع سعر الأدوية والفحوصات الطبية.. وأصبح تلقي الخدمة الصحية كاملة من الأشياء الترفية لديه.
ومن هنا أتمنى من كل الجهات المسؤولة والمختصة وكذلك شركات الأدوية بدعم مرضى السكري وتيسير الحصول على كل متطلباتهم وخدماتها الصحية بأيسر السبل.
كما أتمنى توفير مراكز متخصصة ومتاحة وقريبة من الجميع، ليحصل كل فرد على ما يستحقه من رعاية صحية وكذلك برامج توعية واسعة الانتشار.. فصحة المواطن تساوي صحة وطن وبناء مستقبل.
* استشارية الباطنية والسكر