المجلة الطبية

الأمهات يواجهن مخاطر غياب وسائل تنظيم الأسرة في اليمن

-

الأمهات يواجهن مخاطر غياب وسائل تنظيم الأسرة في اليمن

 

المجلة الطبية _نجود مرشد المعمري |

كادت فوزية السالمي – 38عام – أن تفقد حياتها إثر إصابتها بنزيف حاد بعد الحمل للمرة الثالثة عشرة رغم تحذير الأطباء من خطر الاستمرار في الحمل.

كانت السالمي -أم لـ 9 أطفال وتعيش في محافظة إب وسط اليمن- قد توقفت عن الحمل منذ أربعة أعوام، استخدمت خلالها حبوب منع الحمل كانت تحصل عليها مجانا من مركز السادة الصحي في منطقتها الريفية.

تقول لـ المجلة الطبية “كنا نحصل على الحبوب مجانا من المركز الصحي طوال ثلاث سنوات، ومنذ عام ونصف تقريبا أخبرتنا المختصة بأن المركز لن يقدم أي نوع من هذه الحبوب مجددا” مضيفة “عندما سألنا عن السبب قالوا هناك توجيهات بمنع استخدامها”.

لقد كان المركز الصحي هو المصدر الوحيد لتزويد الأمهات في ريف إب بوسائل تنظيم الأسرة وعند توقفه عن تقديمها حملت الكثير من النساء في المنطقة “بعضهن كبيرات في السن وتعرضن لمشاكل صحية” حد قول السالمي.

وفي هذا السياق أكدت أخصائية النساء والولادة -الدكتورة أصيلة الذاهبي- توقف الكثير من الأمهات عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة بعد أن توقفت المستشفيات والمراكز الصحية عن تقديمها لهن مجانا مثل الحبوب المركبة، اللولب، الغرسات، حبوب الرضاعة، وغيرها، لافتة إلى أن النساء في سن الانجاب هن الأكثر إقبالا على استخدام هذه الوسائل.

قد يهمك..الكشف عن عدد النساء اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل في الدول الفقيرة

 الوضع الاقتصادي المتردي للأسرة اليمنية ساهم في توقف الكثير من الأمهات عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة لعدم توفر القدرة المالية التي تمكنهن من الحصول عليها من السوق التجارية، وبحسب الذاهبي، ارتفعت أسعار وسائل تنظيم الأسرة في السوق خلال العام والنصف الماضي بشكل كبير لتمثل عائقا حقيقيا أمام رغبة الأسرة في تنظيم الحمل.

وتضيف في حديثها لـ المجلة الطبية ” حتى اللولب أو الغرسات أصبحت أسعارها وتكاليف تركيبها في المرافق الصحية الخاصة مرتفعة جدا”.

وتُعَدُّ الغرسات -إحدى وسائل منع الحمل- جرعة منخفضة ثابتة من هرمون البروجستيرون، لزيادة مخاط عنق الرحم وتخفيف سمك بطانة الرحم، كما تمنع غرسة منع الحمل الإباضة أيضاً، غير أن أسعارها ارتفعت مؤخرا لتصل تكلفة الغرسة من النوع الجيد 8500 ريال ما يوازي 14 دولارا أمريكيا.

 واقع وسائل تنظيم النسل في اليمن لا يفرق بين مستوى الأسر اقتصاديا واجتماعيا، فالأسر القادرة على شراء وسائل تنظيم الأسرة لم تتمكن من الحصول عليها بسبب عدم توفرها في الأسواق التجارية.

وفيما يتعلق بالأصناف التي ما تزال متوفرة، أفادت بأن هناك كميات تصل إلى بعض المراكز ولكنها شحيحة جدا ولا تفي بالغرض، منها الحبوب الأحادية أو ما تعرف بحبوب الرضاعة.

يأتي ذلك في الوقت الذي كانت نسبة إقبال النساء على استخدام وسائل تنظيم الأسرة قد ارتفعت في السنوات الأولى من الحرب، وتعتقد الذاهبي أن ذلك يعود إلى ارتفاع وعي النساء وتدهور الوضع الاقتصادي ما دفع بالكثير من العائلات إلى تأجيل الإنجاب.

 أسعار غير مناسبة وغياب دائم لبعض الاصناف

جولة سريعة في عدد من الصيدليات بالعاصمة صنعاء تضعك في صورة واضحة عن مدى توفر أصناف حبوب منع الحمل واختلاف أسعارها.

فمن بين أكثر من 11 صنفا كانت متوفرة حتى منتصف عام 2018 بأسعار رخيصة تتراوح معظمها بين 100 و150 ريالا، ما يقارب ربع دولار امريكي، للشريط الواحد وجدنا أن الحصول على نصف هذه الاصناف يحتاج إلى الكثير من البحث بينما اختفت ما لا يقل عن ثلاثة أصناف بشكل نهائي من السوق التجارية.

إقرأ أيضاً..صندوق الأمم المتحدة للسكان يصدر بيان عن تأثيرات كورونا على حياة النساء والصحة الإنجابية

وبعمل مقارنة سريعة بين أسعارها قبل توقف المرافق الحكومية عن صرفها وبعدها نجد أن أسعار بعضها ارتفع بنسبة تجاوزت 1000% حيث تتراوح أسعار الشريط بين “1500 و2500 ريال “ما يقارب أربعة دولارات أمريكية، بينما ارتفع سعر أنواع الأصناف ذات الجودة العالية بمقدار الضعف.

ارتفاع الأسعار لم يمنع كوكب سرور -26 عاما- من الاستمرار بشراء النوع الذي تناسب معها بعد رحلة مع أكثر من وسيلة، فهي تضطر أحيانا إلى توفير ثمن الحبوب على حساب احتياجات أخرى ترى أنها أقل أهمية.

تقول سرور لـ المجلة الطبية ” أنا وزوجي متفقان على تأجيل الإنجاب، وسنعمل أي شيء من أجل ذلك فلسنا مستعدين لاستقبال طفل جديد”.

سرور التي تزوجت منذ ستة أعوام ولديها ثلاثة أطفال، فقدت وظيفتها لأسباب متعلقة بالحمل والولادة ولذلك فهي حريصة على استخدام وسائل تنظيم الأسرة حتى بعد ارتفاع أسعارها، لكنها تخشى من عدم توفرها بشكل كامل من السوق “لقد بدأت أخطط لحياتي من جديد والحمل سيفسد كل شيء”.

أضرار صحية

 

غياب وسائل تنظيم الأسرة يخلف عواقب صحية خطيرة على حياة الأم والطفل قد تصل إلى حد فقدان الحياة، فبحسب أخصائية النساء والولادة الدكتورة أماني علي، يتسبب الحمل المتكرر في إصابة الأم بفقر الدم، وقد تتعرض لنزيف حاد بعد الولادة يعرضها لخطر الوفاة.

وبالإضافة إلى أن الأطباء يضطرون إلى استئصال الرحم إنقاذا لحياة الأم، تقول الاخصائية علي-في تصريح لـ المجلة الطبية- “تكمن الخطورة أيضا باستهلاك المرأة صحياً، إنها تفقد مع كل ولادة جزءا كبيرا من المكونات الأساسية في الجسم مثل مادة الكالسيوم، وغيرها من الفيتامينات، التي غالبا لا يتم تعويضها بشكل كافٍ أثناء الحمل، أو الرضاعة”.

أما فيما يتعلق بانعكاس تتابع الحمل على صحة المواليد، فقد يتعرضون لخطر سوء التغذية، “فهو مولود من أم لم تحصل على ما تحتاجه من أساسيات غذائية أثناء الحمل، أو الرضاعة” حد قول علي.

 

ضغوط نفسية وإهمال الرعاية

ثمة أضرار أخرى تلحق بالأم والوليد والأسرة بشكل عام نتيجة تتابع الحمل خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

يقول الأخصائي النفسي أحمد شاجع: ليست أضرارا صحية جسدية فقط، هناك أضرار صحية نفسية تلحق بالأمهات نتيجة الضغط الذي تفرضه ضرورات الحياة وتراكم واجباتها، بالإضافة إلى العناية بالأطفال وتلبية احتياجاتهم.

وأضاف -لـ المجلة الطبية: اهتمام الأم برعاية الأطفال خاصة إذا كانت تمتلك أكثر من طفل وفي سن متقارب يحتاج إلى مجهود نفسي وعقلي كبير، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك التزامات اخرى تنتظرها ما يضعها تحت ضغط “نفسي عنيف” خاصة الأمهات الصغيرات في السن.

وبَيَّنَ شاجع تمدد الضغط النفسي الناتج عن الحمل المتكرر وزيادة عدد الأطفال في ظل تدني المستوى الاقتصادي للأسرة اليمنية ليصل إلى الآباء الذين لا يستطيعون توفير الحد المقبول من الرعاية الصحية والغذائية لأطفالهم، ما يضعهم تحت ضغط نفسي وقد يتسبب لهم في عدة مشاكل نفسية، “لقد لاحظنا زيادة عدد المرضى النفسيين في الشوارع وهذا نتيجة الضغوط النفسية التي أفرزتها المرحلة”.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، تهدف ممارسات تنظيم الأسرة لضمان الوصول إلى وسائل منع الحمل التي تفضلها النساء والأزواج باعتبارها أمرا ضروريا لتأمين رفاهية المرأة واستقلالها، وتقديم الدعم في الوقت نفسه لصحة المجتمعات وتنميتها.

كما ان تنظيم الأسرة من الأمور الكفيلة بتجنب تقارب الولادات والحمل في التوقيت غير المناسب، وذلك ما يسهم في التقليل من معدلات وفيات الرضّع.

أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب

وسائل التنظيم ضرورة

تطالب أخصائيات النساء والولادة السلطات والمنظمات المعنية برعاية الأمهات والمواليد بضرورة توفير وسائل تنظيم الأسرة ونشر الوعي بأهمية استخدامها حرصا على صحة وسلامة الأمهات والمواليد.

وفي هذا السياق نفت الاخصائية الذاهبي صحة ما يروج له البعض بين الأهالي بأن استخدام وسائل تنظيم الأسرة قد يسبب العقم، أو السرطانات، وغيرها من الأمراض، مؤكدة أنها مجرد شائعات ليس لها أساس من الصحة.

تقول فوزية السالمي “سمعت كثيرا عن أضرار حبوب منع الحمل لكنني كنت سأموت عندما لم اجدها وتوقفت عن استخدامها”.

اخترنا لك:

Exit mobile version