عدم توفر الدواء يقتل أطفال اليمن المصابين بالسرطان
mohammed alghobasi
-
عدم توفر الدواء يقتل أطفال اليمن المصابين بالسرطان
المجلة الطبية_ دعاء المطري |
توفي الطفل شوقي محمود الأبارة -15 عاما- على سفح نقيل سمارة، 175كم جنوبي صنعاء، وهو في طريقه إلى مدينة عدن في رحلة العلاج من سرطان في النخاع الشوكي التي بدأت قبل ثلاثة اعوام لكنها لم تكتمل.
فقد محمود الأبارة راتبه كباقي موظفي الدولة منذ أكثر من أربعة أعوام ولم يعد يمتلك مصدر دخل ثابت، إنه يجمع رزق عائلته من أعمال متقطعة، لكن تكاليف علاج طفل التي كانت تتجاوز أحيانا50 ألف ريال يمني (80 دولارا أمريكيا) “كسرت ظهره” حد وصفه.
يقول الابارة لـ المجلة الطبية- ” خلال أول عامين بعنا كل ما نملك من أجل علاج الطفل، وعندما أعلنوا في نوفمبر الماضي عن إقامة جسر جوي لعلاج المصابين بأمراض مستعصية استبشرنا خيراً، لقد وجد طريقة لتسجيل ابنه شوقي ضمن رحلات الجسر الجوي التي اتفقت القوى المتصارعة محليا وإقليميا على تسييره، لكن الانفراجة لم تكتمل.
توقف الجسر بعد رحلتين من مطار صنعاء الدولي في فبراير 2020 نقلتا 31 مريضا فقط، بينما كان يفترض أن يسافر شوقي في الرحلة الثالثة إلى المملكة الاردنية الهاشمية، فقرر الأبارة علاج ابنه على نفقته الخاصة، غير أن الموت كان بانتظار الطفل وسط الطريق الطويل بين صنعاء ومطار عدن.
على مقعد حديدي في فناء المركز الوطني للأورام، ربما استضاف شوقي الابارة ذات نهار، يجلس الطفل أحمد سالم -6سنوات- بجسد هزيل وعينين شاحبتين، ووجهه شاحب غير أن الابتسامة البريئة لا تكاد تفارق شفتاه بانتظار موعد عرضه على الطبيب المختص.
يحاول سرطان الغدة اللمفاوية منذ عامين أن يفتك بجسده النحيل، لكن أحمد لم يستسلم، وما يزال مستمرا في مقاومته، فأحيانا يخرج إلى الحي لمشاركة أقرانه اللعب والتجول لكنه سرعان ما يعود مجدداً إلى فراش المرض.
كان والده الأربعيني يمسح على ما تبقى من شعر رأسه المتساقط بسبب جرعات العلاج الكيماوي بقلب مفطور ” لقد بذلنا كل ما نملك من أجل علاج أحمد، فرغم أن المركز يقدم خدماته مجانا ونحصل على الأدوية المتوفرة بدون مقابل إلا أن التكاليف فوق طاقتنا” إذ يضطر سالم الذي يعمل مزارعا في محافظة حجة، شمال اليمن، للسفر إلى صنعاء ثلاث مرات من الشهر وفي كل مرة يقيم في العاصمة من يومين إلى ثلاثة أيام، تكلفة الزيارة والإقامة 50 ألف ريال، كحد أدنى.
قصص مشابهة
تَشابُه الهموم يبني علاقات بين الناس، وخلال فترة علاج الطفل أحمد تعرف والده على قصص معاناة كثيرة تشبه إلى حد كبير واقعه يقول -لـ المجلة الطبية- ” الموت القريب محتوم على من يعجز أهاليهم عن توفير نفقات إكمال العلاج، لذا هناك من يبيع ذهب زوجته أو يبيع سيارته أو أرضه، أو أي شيء يمتلكه، ورغم ذلك فأحيانا لا تغطي إلا جزءاً من تكاليف العلاج”.
فناء مركز علاج الأورام شاهدٌ على مئات القصص لأبطال صغار واجهوا السرطان فمنهم من انتصر عليه وقليل خاض حربه الصغيرة حتى آخر نفس، في حين يشكل الوضع الاقتصادي المتردي للسكان أهم العوائق التي تحد من حصول الأطفال على العلاج اللازم، في ظل تراجع قدرة المستشفيات والمراكز الطبية في البلد على تقديم الخدمات بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات.
وكانت وزارة الصحة العامة في صنعاء قد أعلنت منتصف الشهر الماضي أن 15% من المرضى المصابين بالسرطان أطفال من بين 71 ألف إصابة تم رصدها خلال الست السنوات الماضية، بينما ذكر مكتب المنظمة العالمية للصحة في اليمن أن توفير علاج السرطان لـ 30 ألف مصاب بالسرطان ” غير متاح ” من بينهم 12% إطفال لا يستطيع أهاليهم تحمل تكاليف العلاج.
محاولات محدودة
يقول أخصائي الأورام في المركز الوطني للأورام الدكتور نبيل الحكيمي مازلنا بانتظار توفير “متعجل الخط” جهاز إشعاع ثلاثي الأبعاد، موضحا أن توفير هذا الجهاز سيحل أزمة كبيرة، حيث يمتاز هذا الجهاز بانه أكثر دقة في توجيه الإشعاع نحو الخلايا السرطانية ويقلل كمية الإشعاع الموجهة للخلايا الصحية.
وأفاد في حديثه -لـ المجلة الطبية- بأن المركز يسعى باستمرار لتقديم الخدمات “لقد تم مؤخراً فتح قسم لعلاج أورام الأطفال في حين كان غرفة واحدة سابقاً” موضحا أن عددا محدودا من المنظمات تساهم في توفير بعض الأدوية.
وأكد رئيس قسم الأطفال بمركز الأورام الدكتور حمود هديش في حديثه -لـ المجلة الطبية- أن المركز يقدم الادوية المتوفرة مجانا للأطفال المصابين، واستدرك “حتى وإن توفر العلاج فلن يغطي احتياجات كل المرضى نظرا لكثرة أعداد المصابين” لافتا إلى أن الأطفال يحصلون على باقي الخدمات مثل الرقود والفحوصات والأشعة مجانا.
يضطر الأهالي ممن يمتلكون قدرات مالية شراء الأدوية من الصيدليات والمستودعات التجارية، أما من لا يملكون القدرة على شراء الدواء فيعودون إلى ديارهم دون علاج.
وبحسب هديش تختلف تكاليف العلاج من مريض إلى آخر وذلك بحسب نوع المرض ومرحلة الاصابة، بالإضافة إلى التكاليف اخرى إذ ليست قيمة العلاج هي العائق المادي الوحيد أمام أهالي الأطفال المصابين بالسرطان،” أهالي المرضى القادمون من المدن الاخرى أو من الأرياف يحتاجون إلى مصاريف أخرى لتغطية السكن والمواصلات والغذاء” ما يصعب على الكثير الاستمرار في علاج أطفالهم.