المجلة الطبية

الأطفال المصابون بالكلى.. ضحايا الجهات الأربع

-

الطبية/ تحقيق غيداء العديني:

عند ولادة بسمة كان لديها استسقاء دماغي “سوائل في الدماغ” وفتحة في الظهر, وبعد 3 أيام من ولادتها قاموا بإجراء عملية لفتحة الظهر ولم تنجح, ففي اليوم التالي للعملية كان بعض دكاترة قسم المخ والأعصاب يزورونها ويرون أن الفتحة قد فُتِحتْ من جديد بالكامل, وظلَّوا ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر وهم يجارحونها لها, وبعد تركيب جهاز شفط الماء من الرأس المسمَّى بـ”الشَّنْط Shunt ” تحسَّنت حالتها؛ هكذا بدأت والدة بسمة حديثها عن معاناة ابنتها التي لم تنتهِ بعد.
وكأنَّ المرض لم يكتفِ من مهاجمة جسدها الغَضّ الصغير حتى ظهر لها الفشل الكلوي بعد ثلاثة سنوات ونصف, لتبدأ رحلة جديدة من المعاناة..

تواصل والدة بسمة حديثها: “بدأ المرض بحدوث إسهال واستفراغ وتورُّم واصفرار في جسدها, فأسرعنا بها إلى مستشفى الثورة, وبعد الفحوصات أخبرونا أن وظائف الكلى مرتفعة وقد دخلت مرحلة الفشل الكلوي, لكننا لم نقم بالغسيل لأنها تعاني من ضغط في المثانة العصبية وانسداد في الحالب وضغط في أعصاب الظهر والتصاق في الحبل الشوكي والعمود الفقري وأكثر ما تعاني منه في الفشل الكلوي هما الحبل الشوكي والمثانة العصبية, وقبل رمضان كنا نقوم بعمل القسطرة لها على فترات, أما منذ 7 رمضان أصبحت القسطرة دائمة .”

وأضافت:”كُتِب لها الرقود في المستشفى بقسم الكلى ثلاث مرات, أول مرة قبل عامين ونصف لمدة أسبوع, والمرة الثانية كانت قبل ستة أشهر لمدة نصف شهر, لكن بعد خروجها من المستشفى كانت تحدث لها مضاعفات وتورُّم واصفرار في جسدها مجدداً, وعندما نعيدها للمستشفى يقولون بسبب المثانة العصبية, وهذه هي المرة الثالثة لها التي تُرقَّد فيه هنا منذ عشرة أيام, والحمد لله تحسَّنت.”

الطفلة بسمة

من جانبها تروي والدة هارون ،سنة وثمانية اشهر، الذي استعاد قدرته على المشي والجري وبقي شيء من التيبس في القدمين بعد أن كان عاجزا عن المشي بشكل سليم .
تقول والدته : تورمت عيناه في شعبان, ومنذ بداية رمضان بدأ تورُّم بطنه ويديه ورجليه, ما اضطر أسرته الى إسعاف هارون الى مركز صحي في المنطقة لكن دون جدوى, لأنه يحتاج إلى فحص زراعي .
تقول والدته انتظرنا مُجبَرين حتى تنقضي إجازة العيد وأحضرناه إلى مستشفى الثورة قبل أسبوع, وبعد الفحوصات اتضح أنه يعاني من الكلى فكُتِب له الرقود, ولم يُحدَّد موعداً لخروجه بعد, وتضيف حالته تحسَّنت عمًّا كانت عليه قبل مجيئنا.

الطفل هارون

بالرغم من أن في مستشفى الثورة يقدّم خصومات على بعض العلاجات للمرضى، إلا أن الأهالي يشكون من تكاليف الأدوية الباهظة المقرّرة لأبنائهم، والبعض منهم لا يستطيع تحمَّل نفقاتها.

وضعٌ سيئ منذ ما قبل الحرب

تؤكد أخصائية الأطفال بمستشفى الثورة الدكتورة -أماني الحمزي- أن الوضع كان سيئاً قبل الحرب, “لكنه ازداد سوءاً بعدها ” بسبب تبعات الحرب والازمة الاقتصادية وانقطاع المرتبات وتأثر الحالة النفسية للأطفال نتيجة التفجيرات التي حدثت.
تقول الحمزي في حديثها لـ”المجلة الطبية ” هناك حالات كانت قد بدأت في التحسُّن من المتلازمة النفرونية “Nephrotic Syndrome” لكنها عادت من البداية, حدث لها ارتجاع أو انتكاسة بسبب المواد الكيماوية الناتجة عن الحرب فنضطر لعلاجها من جديد.

وأضافت: بعض الحالات تصل الى المستشفى متأخرة بسبب عجز الأهالي عن ايصالهم الى هنا في الوقت المناسب ويأتون في المراحل المتأخرة والتي لا يمكننا علاجها, “والكارثة الأخرى انعدام بعض العلاجات”, منها العلاجات الكيماوية التي يستخدمونها لعلاج المتلازمة النفرونية أو من يقومون بزراعة الكلى.

وأردفت الحمزي: كنا نأخذ عينات من بعض الحالات قبل الحرب ونقوم بإرسالها الى الخارج لفحصها, لكن حالياً لا يمكننا فعل ذلك بعد اغلاق المطار.
وتتضاعف معاناة الأطفال المرضى من يحتاجون الى السفر بعد ان وقف الوضع الاقتصادي المتدهور حائلا أمام النجاة، انهم لا يملكون مصاريف السفر والعلاج في الخارج ومن يمتلك القدرة المالية يواجه صعوبة ومعاناة في الطريق إلى المحافظات الأخرى التي مطاراتها مفتوحة.

في سياق متصل قال الدكتور -واثق القرشي- رئيس مؤسسة الشفقة لرعاية مرضى الفشل الكلوي والسرطان إن محافظات الحديدة والمحويت وحجة هي أكثر المناطق التي يأتي منها الأطفال المرضى بالفشل الكلوي.
وقال رئيس مؤسسة الشفقة التي تأسست قبل عشر سنوات, واستفاد من خدماتها حتى اليوم أكثر من 62 ألف مريض ومريضة بالفشل الكلوي والسرطان، منهم أكثر من 10 آلاف طفل, ان المؤسسة تعطي الأولوية للمرضى القادمين من المناطق النائية والبعيدة من خارج صنعاء بصفة أولى لأن هؤلاء يجدون صعوبة في التغذية والدواء والفحوصات والمواصلات والمصاريف, “يجّب علينا أن نتعاون مع هذه الفئة من جميع المحافظات”. ونساعد المحتاجين منهم بمصاريف السفر في القدوم إلى هنا أو العودة إلى مناطقهم بعد اكمال العلاج.”

فيما ذكر استشاري طب الأطفال ورئيس الجمعية الخيرية لرعاية أطفال الفشل الكلوي الدكتور -طه النائب- ان نشاط الجمعية توقف منذ 2015 إلى 2018 بسبب الحرب والقصف, لأن عمل الجمعية “خيري ويعتمد على التبرعات” التي كانت تاتي من المتبرعين بالإضافة الى الصناديق الصغيرة في بعض المولات رغم أنها قليلة وبعضها “تكسرت بسبب القصف العنيف الذي تعرّضت له الأحياء الموجودة فيها تلك المولات.

وأفاد الدكتور طه قائلا : استأنفنا نشاط الجمعية في 2018, وبدأنا بإعطاء المرضى من ذوي الدخل المحدود قيمة الأدوية او نقوم نحن بشرائها , ونطمح لجعل العلاج مجانياً خاصة لمرضى الفشل الكلوي, وتوفير سكن لهم, لكن للأسف الشديد ميزانية الجمعية لا تسمح بذلك.”
و نوّه الدكتور واثق القرشي إلى أنه يتم تحويل المرضى إلى المؤسسة من أربعة مستشفيات حكومية هي الثورة والجمهوري والعسكري وضلاع, مشيرا الى أن متوسط عدد المرضى المتناوبين على السرير الواحد خلال السنة خمسة مرضى, بعضهم يمكث شهراً والبعض الآخر أكثر, أي ما يعادل 750 مريضاً خلال السنة.
وتابع: “نحن نقدِّم للمستفيدين خدمات صحيّة من دواء وفحوصات طبيّة وعمليات ووسائل نقل من السكن إلى مراكز علاج الفشل الكلوي أو السرطان, ونوفر لهم الرعاية الصحيّة في السكن كالمجارحة والأدوية المهدئة والمتابعة للعلاجات المقررة من قبل الأطباء, وخدمات اجتماعيّة تشمل السكن والتغذية اليومية, وتقديم المواد الغذائية بصفة دوريّة للأسر الفقيرة ما بين شهر إلى ستة أشهر”.

مشفى وحيد لعلاج كلى الأطفال

لا توجد إحصائيات رسميّة مسجّلة لدى مستشفى الثورة أو قسم الأطفال فيه بسبب الحرب بحسب الدكتورة -أماني الحمزي-، التي أوضحت أن المرضى الذين يتردّدون على عيادة كلى الأطفال بالمستشفى ما بين 15 إلى 30 في اليوم الواحد, وخلال الأسبوع الواحد قد يتم إحالة من 20 إلى 30 حالة الى قسم الرقود الصغير من حيث المساحة “أربع غرف تحتوي على 24 سريراً”.
وبينما لا يتسع قسم طوارئ الأطفال إلا لـ 12 سريراً واستشاري وحيد “الدكتور طه النائب”, يكون عدد مرضى الكلى في طوارئ الأطفال أحيانا ما يقارب 80 % من إجمالي عدد المرضى, لأنه المستشفى الوحيد في كل الجمهورية الذي يستقبل حالات كلى الأطفال, لذا غالبا ما يحدث بعض الاشكال في قسم الأطفال ,حد قول الحمزي، سواء مع الممرضين أو الأطباء فهم يرون أن كل القسم أصبح لمرضى الكلى, ولا يوجد قسم واسع يشمل جميع المرضى الأطفال, وأغلب الحالات يتم تحويلها إلى الثورة من المستشفيات الأخرى.

مشاكل بلا حلول

وتؤكد الدكتورة الحمزي على كِبَر حجم معاناة المرضى في مركز غسيل الكلى بالمستشفى, والتي تتمثل في ضُعف استقبالهم للأطفال من أجل الغسيل الكلوي, وهناك تعنُّت من قِبَلهم في كثير من الأحيان يؤدي إلى احتكاكات ومشاكل شديدة مع المرضى أو الأطباء, بسبب أن المركز بالكاد يتسع للكبار على حد قولهم, وبالنسبة للأطفال فالتعامل معهم صعب جداً عند إجراء الغسيل, فالجهاز يحتاج إلى ضبط وضغط معينَين, في حين أن ضغط الأطفال منخفض, وهناك أطفال كثيرون قد يموتون هنا بسبب أن ضغطهم ينخفض.

ولفتت الحمزي إلى أن الإدارة لم تجد حلاً, ولم تخصِّص لهم أجهزة حتى لا تحدث مثل هذه الأمور, بحيث عندما تصل حالة طارئة يرسلونها مباشرة, بدلاً من الانتظار ليوم أو يومين حتى تتدهور الحالة, وقد تموت قبل أن تذهب, وإذا لم تمت واستقبلوها لا يوجد تمريض متخصِّص بالأطفال يشرف على الجهاز, ويعرف كيف يقوم بضبط ضغط الطفل إذا دخل في حالة تشنج أو فقَد وعيه.

وأضافت: “حين أقمنا المؤتمر الطبي الثاني لمرضى الفشل الكلوي في شهر مارس وعَدَنا وزير الصحة بإعطائنا مبنى كاملا خاصا بمرضى كلى الأطفال وأدوية وأجهزة غسيل, لكن لا نعلم متى سيتم ذلك, والدكتور طه النائب يحاول التواصل دائماً مع الوزارة ولا يوجد أي تجاوب.”

مراكز صحيَّة عفا عليها الزمن

وأكد الدكتور طه النائب على أن تأخر علاج مرضى الكلى يأتي نتيجة تأخر اكتشاف الحصوات والتهابات المسالك البولية, والعيوب الخَلْقية غير المكتشفة, والتي لا تُكتَشف إلا بعد حدوث الفشل الكلوي, بسبب قلة الوعي والإمكانيات, فالمراكز الصحية الحكومية المعروفة منذ سنين هي نفسها لم تتغير أو تتطور, وهي مجرد اسم وسور ومبنى فقط, ولا يوجد أدنى معيار للرعاية الصحية في بلادنا.
وقال “بعض أهالي المرضى يتصلون بي, فيخبرني أحدهم أنه لا يملك المال لشراء إبرة الكالسيوم لولده, وأحدهم يخبرني أن ابنه تعرّض للتشّنج وليس لديه المال لإحضاره إليّ. مشيراً إلى أن مريض الكلى في اليمن يعاني, وتطول مدة مرضه حتى يتعب هو وأهله والطبيب والمجتمع والدولة,”.
مضيفا “قد يموت مريض الفشل الكلوي أمامك وأنت تقف عاجزاً, وهناك حالات كثيرة تموت في الريف وحتى وسط أمانة العاصمة”

الحرب ضاعفت المأساة

وعدّد الدكتور القرشي الصعوبات التي تواجههم متمثّلة في قلّة الدعم وكثرة المحتاجين المتردّدين على المؤسسة, وقلّة الإمكانيّات الماديّة التي تُعين المريض في توفير العلاج والمصاريف أثناء بقائه في أمانة العاصمة, وحاجة بعض الحالات إلى عمليّات، وحالات أخرى إلى السفر للخارج ولا يمكنها ذلك، إما بسبب عدم توفر المال لدى بعض الأسر أو بسبب إغلاق المطارات لمن يريد السفر.

من جانبه أكد الدكتور -النائب- “أن الحرب أثّرت بشكل أكبر على الوضع الصحي, وبسبب الحصار المفروض لا تصل إلينا الأدوية والمحاليل وقد تصل بعض الأدوية عن طريق المنظمات, وإذا وصلت فهي كلها أدوية هندية ليست أصلية ولا قيمة لها, أو يجلبون لنا مواد منتهية”!

Exit mobile version