المجلة الطبية

التوحد.. مرض تجهله الأسر والجهات الصحية في اليمن

-

التوحد.. مرض تجهله الأسر والجهات الصحية في اليمن

المجلة الطبية- محمد غبسي|

الطفلة عبير -“12 عاما” من محافظة ذمار- كانت تعاني من حالة توحد خفيف، وفي نفس الوقت تتميز بذكاء غير طبيعي خاصة في التعامل مع الإلكترونيات، غير أن حالتها ازدادت سوءاً وتعاني اليوم من انتكاسة كبيرة نتيجة عدم إلحاقها بأي مركز تأهيل في سن مبكرة، وأصبحت تتصرف بعدوانية وتعزل نفسها عن عائلتها وتتجنب الاحتكاك بالأطفال الآخرين.

يشعر والدها -عبدالله جابر- بالحسرة لأنه لم ينتبه لخطورة المرض على صحة ابنته إلا بعد فوات الأوان، فمراكز التأهيل لم تعد تستطيع أن تقدم لها شيئاً. 

ويقول بندم -في حديثه لـ المجلة الطبية- “أصبحت ابنتني أسيرة سلوكيات عدوانية، لا يمر يوم دون أن أشعر بالتقصير تجاهها”، لكنه لم يستسلم وهو يحاول حاليا تعويضها بتدريبات مهنية منزلية لتنمية قدراتها الحسية بناء على نصائح الأطباء والمختصين”.

2 - المجلة الطبية
طفل يقف أمام طاولة ألعاب في مركز اليمن للتوحد_ صنعاء

أما الطفل علي اليمني “7 أعوام” فأصيب منذ نعومة أظافرة بمرض التوحد الخفيف مع تشتت في الانتباه وهي حالة تعرف طبياً بـ اضطراب طيف التوحد “ADHD” وهذا ما أكده الأطباء لأسرته. 

كان الطفل علي محظوظاً لأنه التحق في سن الخامسة بمركز اليمن للتوحد في العاصمة صنعاء قبل أن يتجاوز سن الخامسة، وحصل على الدعم اللازم، بدأ بالكلام وتغيرت لديه سلوكيات كثيرة.

وبعد عامين من التأهيل في المركز تحسنت حالته وتمكن من الالتحاق بمدرسة عادية “روضة” ويستعد للانتقال إلى الصف الأول الابتدائي.

قد يهمك..زراعة الكلى في اليمن بالأرقام

 تتشابه كثيراً أعراض مرض التوحد وتبدأ في معظم الحالات من سن مبكرة، فالطفل نصر الحبابي “6 أعوام” هو الآخر يعاني من نفس الحالة المرضية التي عانى منها “اليمني” والتحق بنفس المركز وحصل على تأهيل وتدريب مكّنه من النطق والكلام، وتلقى تعليم ما قبل الأكاديمي وهي “مرحلة إمساك القلم وتهجئة الحروف قبل وجود المواد التعليمية كالقرآن والرياضيات والعلوم”.

وفي العادة، يعاني بعض الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد صعوبة التعلم، وبعضهم لديه علامات أقل من الذكاء المعتاد. يتراوح معدل ذكاء الأطفال الآخرون الذين يعانون هذا الاضطراب من طبيعي إلى مرتفع — حيث يتعلمون بسرعة، إلا أن لديهم مشكلة في التواصل وتطبيق ما يعرفونه في الحياة اليومية والتكيف مع المواقف الاجتماعية. بحسب الأطباء.

ووفقا للتقارير الطبية الصادرة عن المركز -والتي حصلت عليها المجلة الطبية من مركز التأهيل- “يتمتع الطفلان (علي ونصر) بقدرات عالية من الإدراك، وقد تحسنت حالتهما نتيجة وعي أسرتيهما اللتين أوصلتاهما للمركز ومكنتاهما من الحصول على التدخل المبكر”.

صورة لعدد من الأطفال أثناء تلقيهم التأهيل في مركز اليمن للتوحد_ صنعاء

في السياق ذاته، تؤكد المدير التنفيذي للمؤسسة اليمنية للتربية الخاصة والتوحد -الدكتورة أحلام محمد الرياشي- أن سرعة إلحاق الأطفال بالمراكز والمؤسسات الخاصة تمنحهم فرصة كبيرة للتأهيل وتغيير السلوك والسيطرة على أعراض المرض والحد منها بشكل كبير جداً، وذلك لما لبرامج تعديل السلوك والتأهيل الخاصة من تأثير إيجابي عليهم.. إضافة لدور الأطباء الفاعل في تأهيل الأطفال عن طريق أدوية الشحنات والتركيز.

وأكدت الرياشي أن هناك نسبة من الأهالي لا يزالون يجهلون هذا المرض، إضافة لبعض العادات والتقاليد التي تشعرهم بـ “الخزي والعيب” وغيرها من المؤثرات المجتمعية الخاطئة التي يشار إليها طبياً بـ “الوصمة المجتمعية” التي تمنعهم من إلحاق أطفالهم بمراكز التأهيل، بالرغم من ارتفاع وعي المجتمع اليمني بشأن مرض التوحد واكتشاف أعراضه مبكراً خلال السنوات الماضية.. حسب قولها.

ويقتصر دور المراكز على التأهيل السلوكي وأدوية مرضى التوحد يشرف عليها أطباء الأطفال وأطباء المخ والأعصاب، حيث تقوم المؤسسة بعمل تدريب وتأهيل الأمهات لفترة معينة ومن ثم تستمر متابعة الحالات كل ثلاثة أشهر نظرا لعدم قدرة الأهالي على الاستقرار في صنعاء لفترات طويلة. وفقا للرياشي.

المؤسسة التي افتتحت في 2005 ويعمل تحتها مركز اليمن للتوحد، وعملت ضمن صندوق رعاية المعاقين حتى عام 2017، تدرب حاليا 45 حالة مسجلة لديها “أسرها مقيمة في العاصمة صنعاء”، إضافة لـتدريب وتأهيل 225 أسرة من خارج المؤسسة، والحالات تأتي إلى المؤسسة من عدة محافظات مثل “ذمار، المكلا، شبوة، عمران، الضالع، الحديدة، تعز، إب”.. وتعطي المؤسسة لكل أسرة خطة تربوية فردية خاصة بها.

تقلصت خدمات المؤسسة بسبب غياب الدعم والجهات الراعية وتوقف المشاريع، -بحسب الدكتورة الرياشي- التي أوضحت بقولها “كان لدينا مركزان أحدهما للشباب والآخر للأطفال، والآن نعمل فقط في مركز الأطفال ونعتمد على باصين فقط بدلا من ستة باصات قبل الحرب، ونعجز اليوم عن توفير بدل مواصلات لأهالي المرضى”.

وعن عدد مرضى التوحد في اليمن تقول الدكتورة الرياشي لا توجد احصائيات في اليمن بسبب غياب الجهات والمراكز المعنية برصد المرضى، مضيفة “إذا كانت نسبة مرضى التوحد في دول متقدمة مثل أمريكا هي واحد من كل ثلاثة أطفال فمن الطبيعي أن يكون عدد الحالات في الدول النامية وبينها اليمن أضعاف هذه الأرقام، والمؤسف غياب المراكز في كثير من المحافظات مثل ذمار وعمران”.

إقرأ أيضاً..مرض الفقراء “السل” ينتشر في هذه المناطق اليمنية!

ويوضح أخصائي جراحة المخ والأعصاب الدكتور أحمد صالح الجرادي أن الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من أعراض متشابهة ومؤكدة تتلخص في ثلاثة مجالات تطورية اساسية، هي “المهارات الاجتماعية، واللغة، السلوك”.

ووفقاً للدكتور الجرادي، فإن أعراض التوحد قد تظهر في سن الرضاعة لدى أغلب الأطفال، كما قد يعيش آخرون بصورة طبيعية خلال الأشهر والسنوات الأولى من حياتهم لكنهم سيصلون إلى مرحلة يصبحون فيها منغلقين على أنفسهم ويفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها سابقاً وقد ترافق هذه الأعراض الشخص طوال حياته. 

أما تشخيص مرض التوحد فأوضح الدكتور الجرادي أنه يعتمد على إدراك وملاحظة الوالدين مبكرا للتغيرات التي تطرأ على سلوك الطفل وسرعة عرضه على الطبيب المختص الذي بدوره يقوم بتقييم حالته، وقد يخضع لعدة فحوصات واختبارات تهدف لتقييم قدراته الكلامية واللغوية وفحص بعض الجوانب النفسية ومتابعة تطوره السلوكي واللغوي.

وبحسب حديث الدكتور الجرادي للمجلة الطبية يمكن اكتشاف اضطراب طيف التوحد في عمر 18 شهراً أو أقل، وتكون الأعراض أكثر وضوحا بعمر العامين، خصوصا إذا تم عرض الطفل على أخصائي متمرس.
غير أن معظم الحالات لا يتم الانتباه لها من قبل الأهالي إما بسبب عدم إدراكهم بوجود مشكلة أو بسبب عدم تقديرهم لخطورة المشكلة وقد لا يعرض الطفل على طبيب مختص إلا بعد وصوله إلى سن الدراسة ما يؤدي إلى ضعف استجابتهم للعلاج.

أخصائي جراحة المخ والأعصاب د. أحمد صالح الجرادي

ووفقا لما نشر موقع “صوت إنسان” في 2020، فقد لفتت عبير يوسف -التي ترأس جمعية أطفال عدن للتوحد- إلى أن أطفال التوحد في الريف أو المناطق النائية يشكلون عبئاً مضاعفاً على الأسر والبيئات الفقيرة، نتيجة الوضع الاقتصادي والمادي للأسر، وغياب الرعاية والتأهيل، مؤكدة على أهمية وجود توعية مبكرة منذ فترة الحمل والولادة ومن ثم مرحلة الطفولة للحد من هذه الحالات.

وبمناسبة اليوم العالمي للتوحد -الذي يصادف الـ 2 من ابريل كل عام- تواصلت المجلة الطبية بعدد من المسؤولين الصحيين في الجهات الرسمية بحثاً عن معلومات بشأن مرض التوحد أو برامج أو أنشطة، غير أننا تفاجأنا بعدم وجود أي قسم في الوزارة يهتم ويتولى التوعية بهذا المرض الذي قد يعتمد أكثر من غيره على التوعية فقط.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية مرض طيف التوحد بأنه مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ. ويتناول مصطلح “طيف التوحد” حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة آسبرغر، وتتميز هذه الاضطرابات بمواجهة الفرد صعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه، ومحدودية وتكرار تخزين الاهتمامات والأنشطة التي لديه.

وبحسب توصيات نشرتها المنظمة عبر موقعها الإلكتروني يمكن لوالدي الطفل المصاب بالتوحد أن يساعدان في تزويد الطفل بالعلاجات النفسية والسلوكية، وتوفير بيئات رعاية وتحفيز خلال نموه.

 واعتبرت المنظمة أن الوالدين يؤديان دوراً أساسياً في توفير الدعم اللازم لطفلهما ويساعدان في ضمان إتاحة الخدمات الصحية والتعليمية له.

وأفادت المنظمة بأن البيانات الوبائية المتاحة تشير إلى عدم توفر بيّنات تثبت وجود صلة بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والإصابة باضطرابات طيف التوحد.

أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب

Exit mobile version