أسعد عطاء
” إراقة الدماء, الحقن بالزئبق والزرنيخ، الكي أو البتر وغيرها من الطرق الشائعة التي كان يعتمدها الأطباء لعلاج حالات العدوى البكتيرية قبل ظهور أول مضاد حيوي في تاريخ البشرية والذي بعده تغيرت الكثير من المفاهيم الطبية وقلت الوفيات بصورة متزايدة نتيجة العدوى البكتيرية ‟
ماهي المضادات الحيوية وتاريخ اكتشاف أول مضاد حيوي؟
المضادات الحيوية هي أدوية تستعمل للوقاية من عدوى الالتهابات البكتيرية إما بقتلها أو تثبيط نموها.. كما تعرف بالتضاد الحيوي Antiobiosis “ضد الحياة” وقد صاغ هذا المصطلح عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي فيوليمين كـاسم وصفي لهذه الظاهرة التي أظهرتها العقاقير.
وصف المضاد الحيوي لأول مرة عام 1877 للبكتيريا العصية المسببة للجمرة الخبيثة من قبل لويس باستور وربورت كوخ. إلا أنه مر وقت طويل حتى أتى الكسندر فليمنج عام 1928 ليكتشف عن طريق الصدفة أول مضاد حيوي والذي عرف بالبنسلين الذي لاحظ إنتاجه من أنواع من الأعفان.. والذي كان بداية الأمل المشرق للقضاء على الأمراض الميكروبية وبداية عصر جديد في تاريخ البشرية.
مقاومة المضادات الحيوية
نتيجة الاستخدام العشوائي أو الخاطئ للمضادات الحيوية فإنها تحدث تغيرات وراثية للميكروبات مما يتسبب ذلك في مقاومتها للمضادات الحيوية.. ويعرف هذا النوع من الميكروبات بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية (Antimicrobial resistant ) AMR. وبالتالي يصبح من الصعب مع مرور الزمن علاج الالتهابات والاستجابة للأدوية مما يزيد من خطورة انتشار الامراض وبالتالي ازدياد ملحوظ في أعداد الوفيات.
لماذا يجب علينا أن نحافظ على المضادات الحيوية؟
يقول الدكتور / خالد حميضة (رئيس قسم العقاقير الطبية – جامعة القلمون الخاصة – سوريا): المضادات الحيوية هي السلاح المتوفر لدينا للقضاء على البكتيريا الممرضة واستخدامها بطريقة عشوائية وعدم ترشيد استهلاكها يؤدي بالمجتمع والعالم إلى عواقب خطيرة وهو ظهور سُلالات من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.. وبظهور هذه السُلالات المقاومة نكون قد فقدنا أهم سلاح في مواجهه هذه البكتيريا وعدنا إلى عصر ما قبل المضادات الحيوية. وقد نصل الى مرحلة يكون فيها القضاء على البكتيريا الممرضة أصعب من القضاء على السرطان.
فيما يقول الدكتور كارل ناثان -أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة، كلية طب وايل كورنيل امريكا-: يؤدي الإفراط في استخدام المضادات الحيوية إلى تسريع فقدان فائدتها من خلال تسريع انتشار المقاومة لتلك المضادات من السلالات الجديدة المقاومة لها.
الدكتور سليم المياح -عميد كلية طب الأسنان – الجامعة الحديثة للعلوم والتكنولوجيا- الصومال، يتحدث قائلاً : إنه من الملاحظ في عدد من البلدان العربية استمرار أطباء الأسنان بوصف المضادات الحيوية بشكل مبالغ فيه سواء لالتهاب اللثة أو التهاب عصب الأسنان دون التأكد من الحاجة اللازمة لذلك.. وبحكم أن أكثر المعالجات السنية مقرونة بالألم فذلك يسبب اكتساب البكتيريا مقاومة لتلك المضادات, وأنه في السنوات القادمة سيكون من الصعب ايجاد مضاد فعال لمثل هذه الانواع من الالتهابات الميكروبية.. وقد لاحظت بعض تلك الحالات اثناء عملي في عيادات الأسنان.
التحذيرات من فقداننا للمضادات الحيوية
في الاجتماع الافتراضي الذي عقدته منظمة الصحة العالمية العام الماضي، على هامش الأسبوع العالمي للميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية.. حذر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، إلى أن “الأمراض المقاومة للأدوية تتسبب في وفاة ما لا يقل عن 700 ألف شخص سنويًّا.. وقد يصل هذا العدد إلى 10 ملايين بحلول عام 2050 ‟.
وأضاف أنه: “ما يثير القلق الصلة بين تغير المناخ ومقاومة مضادات الميكروبات، إذ تؤدي عوامل مثل ارتفاع درجات الحرارة.. وتغير النظم البيئية، والتأثيرات المناخية الاجتماعية والاقتصادية إلى خلق الظروف الملائمة للطفرات الميكروبية وزيادة المقاومة”.
وفي العام الماضي حذّرت منظمة الصحة العالمية، ” إن المقاومة المتنامية للمضادات الحيوية لا تقل خطورة عن جائحة فيروس كورونا (المسبّب لمرض كوفيد-19).. وتهدد بإطاحة التقدم الطبي المُحرز على مدى قرن ‟
ووصف تيدروس أدهانوم غيبريسوس مدير منظمة الصحة العالمية القضية بأنها” واحدة من أكبر التهديدات الصحية في زماننا ‟.
قد يهمك..باحثان يمنيان يسلطان الضوء على تقنية “كريسبر” ودورها في مكافحة العدوى الفيروسة
يضيف الدكتور كارل ناثان في هذا الجانب: يواجه الأطباء والصيادلة مشكلة صعبة إذا لم يكن لديهم أدوات التشخيص لتحديد من يحتاج إلى المضادات الحيوية بسرعة واولئك الذين ليسوا بحاجة لها. وبالتالي يجب حل المشكلة على المستوى المجتمعي.. وكذا على المستوى الدولي بما في ذلك الحكومات وشركات الأدوية وشركات التكنولوجيا الحيوية والمؤسسات الأكاديمية والجمعيات المهنية.
جائحة كوفيد-19 والمضادات الحيوية
لوحظ خلال الفترة الحالية ازدياد ملحوظ في استهلاك المضادات الحيوية، بل وصرفها بصورة عشوائية.. وذلك كإجراء احترازي للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا SARS-CoV-2، بل ازداد الوضع سوءا وظهور أطباء وسائل التواصل الاجتماعي!!
مع أن غالبيتهم غير متخصصين في أي مجال طبي، حيث يصفون العديد من الأدوية التي تساهم في تجنب الإصابة بفيروس كورونا على حد كلامهم أو تجارب البعض منهم بعد إصابتهم بفيروس كورونا، وأهم تلك الأدوية هي المضادات الحيوية.. مما زاد اعتقاد الكثير أن المضادات الحيوية تساهم في تخفيف الأعراض الناتجة عن الإصابة بالفيروس أو الوقاية منه. ولكن الحقيقة أن المضادات الحيوية ستكون ضارة على من يتعاطاها بدون الحاجة لها.. والتي لا بد أن تُقر من قبل الطبيب المعالج والذي يعتمد في ذلك على الفحص الاكلينكي ونتائج الفحوصات المخبرية.
وما يزيد الوضع سوءا هو عدم اكتراث البعض بخطورة أخذ المضادات الحيوية لتجنب الإصابة بالفيروس.. ومن تلك المخاطرـ قتل الميكروبات الطبيعية “النافعة” في الجسم والتي لها دور في العديد من الوظائف الحيوية، اكتساب الميكروبات الضارة مناعة ضد هذه المضادات.. إضافة إلى ذلك يسبب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية التأثير على جهاز المناعة، مما ينتج في الأخير جسم مُنهك لا يستطيع ان يقاوم أي عدوى ومنها عدوى فيروس كورونا.
من جانب آخر تعالت أصوات الكثير من المتخصصين بالتحذير من استخدام المضادات الحيوية إلا بوصفة طبية مقرة من الطبيب المعالج.. وبالتالي فالمضادات الحيوية لا تقي أو تمنع العدوى الفيروسية، والمضادات الحيوية ليست مخصصة للقضاء على الإصابات الفيروسية.
وهنا لا بد أن نتساءل” ما الذي سيحدث إذا استمر استهلاك المضادات الحيوية مع الازدياد الملحوظ في أعداد الإصابات بفيروس كورونا ‟. فهل نصل إلى حد تكون فيها الإصابات البكتيرية أكثر فتكاً بالبشر.
وفي هذا الجانب تحدث الدكتور كارل ناثان: إنه لا يمكن للمضادات الحيوية أن تمنع الإصابة بمرض كوفيد-19.. لأن مرض كوفيد-19 ناجم عن فيروس والمضادات الحيوية تعمل فقط على البكتيريا.
إقرأ أيضاً..زراعة الكلى في اليمن.. آلام باهضة الثمن
بينما تحدث الدكتور / خالد حميضة، في هذا الجانب: المضادات الحيوية ليست لها أي فعالية في علاج الفيروسات.. وهناك للأسف إساءة استخدام المضادات الحيوية بشكل كبير خلال جائحة كورونا وخاصة المضاد الحيوي المعروف أزيثرومايسين.. رغم عدم وجود دراسات تثبت فعاليته في العلاج. لهذا لا ننصح باستخدام المضادات الحيوية بشكل عشوائي ويجب ان يقتصر قرار استخدام المضاد الحيوي على الطبيب المعالج وحسب الحالة.
تعتبر المضادات الحيوية أهم ثروة للبشر حيث ساهمت إلى حد كبير في تقليل الوفيات ومقاومة الكثير من الأمراض الناتجة عن العدوى الميكروبية.. لذا فإن الحفاظ عليها يعد أمرا في غاية الأهمية ويجب أخذه على محمل الجد. وبالتالي يجب تعاون الجميع لمنع فقدانها، مما يتسبب في عودة البشرية إلى ما قبل اكتشاف المضادات الحيوية.. مما يجعل أبسط الالتهابات أكثر خطوة مما نعانيه اليوم من الأمراض السرطانية والفيروسية معاً.
أخيراً العديد من الأبحاث والتقارير الدولية تفيد إلى أنه يجب تقنين استخدام المضادات الحيوية.. بل ويجب على الحكومات سن قوانين تُجرم وتعاقب الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية ابتداء من الطبيب المعالج وحتى المريض.. حتى لا نصل إلى مرحلة لا نجد فيها دواء يعالج أبسط أنواع العدوى البكتيرية.. ونفقد أهم أسلحتنا للوقاية من العدوى البكتيرية، فهل نعي ذلك قبل فوات الأوان!.
أنُتج هذا التقرير من خلال ورشة عمل عن الصحافة العلمية وفي إطار مشروع “الصحافة والعلوم”.. وهو مشروع لمعهد جوته، بدعم من وزارة الخارجية الالمانية.
أسعد محمد عطاء
*Researcher in Biotechnology and Genetic Engineering
المراجع
- Brinkac, L., Voorhies, A., Gomez, A. and Nelson, K.E., 2017. The threat of antimicrobial resistance on the human microbiome. Microbial ecology, 74(4), pp.1001-1008.
- Nathan, C., 2020. Resisting antimicrobial resistance. Nature Reviews Microbiology, 18(5), pp.259-260
- Getahun, H., Smith, I., Trivedi, K., Paulin, S. and Balkhy, H.H., 2020. Tackling antimicrobial resistance in the COVID-19 pandemic. Bulletin of the World Health Organization, 98(7), p.442.