المجلة الطبية

مدخن في البيت.. كيف يؤثر على صحة الأسرة؟

-

مدخن في البيت.. كيف يؤثر على صحة الأسرة؟

المجلة الطبية _ محمد غبسي |

يدخن الأربعيني مختار عبد القوي، علبة إلى علبة ونصف من السجائر في اليوم الواحد، خاصة عندما يكون مناوباً حيث تمتد ساعات العمل في الشركة “قطاع خاص” التي يعمل لصالحها إلى 12 ساعة متواصلة في اليوم.

لكنه اضطر مؤخرا الى التوقف عن التدخين في المنزل بشكل نهائي بعد أن ساهم دخان السجائر في تفاقم حالة ْ زوجته المرضية حيث تعاني مرض حساسية الصدر.

كان الشعور بالذنب يكسو ملامحه وهو يتحدث لـ المجلة الطبية “عندما يتضرر أحد أفراد أسرتك من التدخين تدرك حجم المعاناة التي تتسبب بها لهم، فزوجتك وأطفالك أمانة لديك والحفاظ على صحتهم مسؤولية كبيرة تحتم عليك إعادة التفكير في التدخين”.

وبينما أدرك عبد القوي خطورة التدخين السلبي على أفراد أسرته رغم أنه لم يقلع بعد عن التدخين، لا يعترف زوج الأربعينية مرام المخلافي، بالخطر الذي يشكله على أفراد أسرته من خلال التدخين في المنزل.

تقول المخلافي بحزن “التصقت رائحة السجائر بكل أرجاء المنزل .. في الملابس والأثاث وحتى الجدران” ورغم أنها تشعر بالخجل عند استقبال الضيوف من رائحة المنزل إلا أن أكثر ما يؤرقها هو صحة أطفالها الثلاثة وصحتها خاصة وقد أصبحت رائحة التبغ تسبب لها حساسية الصدر.

لقد حاولت مرارا من خلال الحوار إقناع زوجها بترك التدخين “على الأقل في المنزل” حفاظا على سلامة الأطفال، لكنه لم يعرها أدنى اهتمام، حد قولها لـ المجلة الطبية.

ليست الأضرار الصحية فقط هي النتيجة السلبية التي لحقت بأسرتها بسبب تدخين زوجها السجائر بشراهة، حيث يستهلك علبتين في اليوم، وهذا ما ساهم في تدني الوضع الاقتصادي -الصعب أصلا- لأسرة المخلافي التي  تشكو تراكم الديون في ظل عدم وجود مصدر دخل يكفي لتوفير متطلبات الأسرة الأساسية.

قد يهمك..الصحة العالمية تعتبر كورونا سبباً للإقلاع عن التدخين

ربما يحتاج زوج المخلافي لنوع من الصدمة حتى يستوعب حجم الخطر الصحي والاقتصادي الذي يشكله على عائلته كتلك التي حدثت للخمسيني عبدالله قائد الذي لم تكن السيجارة تكاد تفارق فمه حتى لمح ابنه هلال ،17عاما، يقلده ويدخن السجائر خفية عنه.

 يقول قائد -لـ المجلة الطبية- “لقد كانت الصدمة كبيرة إلى درجة جعلتني اتخذ قرارا حاسما بالإقلاع عن التدخين بشكل نهائي” بعد أن كان يعتقد أن السجائر تمده بالنشاط في عمله بمهنة النجارة مستبعدا أن يكتسب ابنه هذه العادة.

لم يوجه قائد اللوم الى ابنه أو يوبخه أو حتى ينصحه بترك التدخين، لقد فكر بحل عملي أقوى تأثيرا عندما جلب فحوصات وكشافات توضح المشاكل الصحية التي أصابت قلب صديقه نتيجة لإدمانه على السجائر وجعل جميع أفراد أسرته يطلعون عليها.

كاريكاتير خاص عن تأثير التدخين السلبي على صحة الأسرة

وهكذا أنقذ قائد نفسه وابنه وباقي أفراد أسرته،غير المدخنين، من أضرار التبغ, فبحسب أخصائي الوبائيات والصحة العامة الدكتور محمد الجرادي ، يتسبب دخان التبغ غير المباشر-التدخين السلبي- بإصابة البالغين بأمراض قلبية وعائية وأمراض تنفسية خطيرة، بما في ذلك مرض القلب التاجي وسرطان الرئة.

وأكد -في حديثه لـ المجلة الطبية- أن الأخطار التي يواجهها الرضع والأطفال الذين يتعرضون إلى دخان التبغ، تبدأ خلال الحمل إذ قد يؤدي إلى انخفاض وزن، بالإضافة إلى احتمالية إصابة الرضّع بمتلازمة موت الرضيع الفجائي.

ووفقا لـ الجرادي, قد يؤدي التبغ غير المباشر إلى الإصابة بعدوى (التهابات) الطفولة المختلفة، مثل التهابات الأذن الوسطى والتهاب القصبات، بالإضافة إلى النتائج السلبية على صحتهم التنفسية وتطور الرئتين لديهم بشكل عام “إنه يقلل من وظيفة الرئة وسعتها لدى الأطفال”.

ليس ذلك فحسب، بل يمتد خطر التبغ غير المباشر على الأطفال ليؤثر سلبا على تطورهم الجسدي والعقلي ، ومستوى الذكاء وحتى السلوك، وقد يكون سببا لإصابة الأطفال بالربو، حد قول الجرادي، منوها بأن تدخين الوالدين أو أحدهما قد يكون سببا في أن يصبح أطفالهم مدمنين.

وفي سياق متصل يؤكد أخصائي طب الأطفال الدكتور سعيد عبده أن التبغ غير المباشر -التدخين السلبي- قد يعرض الطفل لنوبة حادة من الربو تشكل خطرا على حياته، وعلى الدماغ وذلك لزيادة النيكوتين في الدماغ، كما يؤثر على البالغين ويسبب أمراض القلب وسرطان الرئة، ويخفض من نسبة خصوبة الرجال.

وأوضح -في تصريح خاص لـ المجلة الطبية- أن التدخين السلبي هو استنشاق دخان السجائر لاإراديا بعد التدخين من قبل المدخنين والذي يؤثر على الأطفال والمراهقين الذين هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض متعددة، لافتا إلى المخاطر المستقبلية للتدخين في الأماكن المغلقة، خاصة على الدماغ بسبب زيادة مادة النيكوتين.

إقرأ أيضاً..أفضل الطرق للإقلاع عن التدخين في عام 2021

 ولحماية أفراد الأسرة وخاصة الأم والأطفال, نصح الجرادي وعبده بضرورة الإقلاع عن التدخين، وفي أسوأ الأحوال، ضرورة تجنب التدخين في المنزل والأماكن المغلقة، وكذلك تجنيب الأطفال أماكن التدخين.

وحول الطرق والوسائل التي يمكن أن تساعد المدمنين الراغبين في الإقلاع عن التدخين تقول أخصائية التغذية الدكتورة دنيا المتوكل أن هناك أنشطة وسلوكيات يمكن أن يتبعها المدخن لتساعده على التخلص من هذه العادة، مثل الابتعاد عن الأماكن التي ارتبط بقاؤه فيها بالتدخين وتجنب البقاء لأوقات طويلة مع المدخنين.

وأضافت -في حديث سابق مع المجلة الطبية- بعض النصائح كممارسة الرياضة، واستخدام العلكة وتناول بعض الفواكه مثل البروكلين (نبات من فصيلة القرنبيط) أو ما يطلق عليه في اليمن “الزهرة” وهي نبات يحتوي على مستويات عالية من فيتامينات (B5 وB وC), موضحة أن بعضها يحتوي على فيتامين يحمي الرئتين من السموم.

وبحسب المتوكل فإن البرتقال والزنجبيل والتوت البري والليمون والجزر والرمان من الفواكه والخضروات التي تزود الجسم بالفيتامينات التي تساعد على تخلصه من تبعات إدمان التدخين، بالإضافة إلى تناول السبانخ الغنية بحمض الفوليك الذي يساهم في مكافحة أعراض انسحاب النيكوتين من الدم.

مدير عام البرنامج الوطني لمكافحة التدخين السابق الدكتور محمد الخولاني، أوضح أن نسبة المدخنين في اليمن 27.7% ذكور في 2003 انخفضت إلى 20.7% في 2013، في حين انخفض عدد النساء المدخنات في 2013 إلى 6% بعد أن كانت 10.3% في 2003م، وفقاً لنتائج المسح الديموغرافي اليمني.

 وفي ظل عدم توفر إحصائيات بعدد الأطفال اليمنيين المدخنين لا يوجد في اليمن قانون يجرم بيع السجائر للأطفال وهذا ما ساهم في انتشار التدخين بينهم، وتعتبر اليمن من أكثر الدول استهلاكا للسجائر وبحسب منظمة الصحة العالمية تحتل اليمن المرتبة الثانية عربيا بعد تونس من حيث أعداد المدخنين.

وتفيد دراسة أعدها البرنامج الوطني لمكافحة التدخين في اليمن بوجود 3.4 ملايين مدخن على مستوى مختلف محافظات الجمهورية. وتشير الدراسة إلى أنّ 1.14 في المائة من التلاميذ في مدارس التعليم الأساسي في اليمن (ما بين 13 و15 عاماً) يدخنون أحد أنواع التبغ، فيما 40 في المائة يتعرضون للتدخين السلبي (غير المباشر).

وعالميا ينضم كل يوم ما يقدر بين 82000 و99000 يافع إلى ما يقرب من مليار و250 ألف مدخن في العالم ، معظمهم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات ويُقيم أغلبيتهم في البلدان منخفضة أو متوسطة الدخل. بحسب الصحة العالمية، التي اعتبرت أن التدخين مصدر قلق عالمي على صحة الأطفال”.

 ووفقا لمسح مدرسي عالمي مركز أجري في 137 بلداً باستخدام طرائق معيّارية لاختيار العينة وانتقاء المدارس والصفوف وتجهيز المعطيات، خلصت نتائج المسح الذي نشرتها الصحة العالمية في موقعها الإلكتروني إلى أن ما يقرب من نصف الأطفال الذين لم يدخنوا قط تعرضوا لدخان التبغ غير المباشر “هواءً ملوثاً” داخل المنزل وبنسبة (46.8%) وخارجه بنسبة (47.8%).

أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب

Exit mobile version