المجلة الطبية

لماذا نسمح للأمهات بالموت?!

-

الطبية / معين النجري:

“انها الفتاة الثالثة تموت هذا اليوم” إجابة ممرضة في مستشفى الثورة عن سؤال المحرر عن جثة فتاة في مقتبل العمر كان أهلها يبكونها بحرقة وهم ينقلون جثتها الى سيارة تويوتا قديمة، بينما كانت احدى النساء تجلس في مقعدها الأمامي تحتضن طفلا تبادل هو ووالدته المواقع.

الممرضة التي كانت تشعر بأسى كبير تحول الى عصبية قالت ان وفاة الفتاة ناتج عن نزيف حاد استبق الولادة بساعات وعجز الأطباء عن انقاذ حياة الأم “لقد تأخروا في اسعافها” وأضافت هناك أسباب مختلفة لوفاة ثلاث فتيات اليوم اثناء الولادة او بعدها.

يحاول الأطباء في قسم الولادة تقديم كل الخدمات الطبية التي تحتاجها الأمهات لكن ضعف الإمكانيات يخذلهم دائما،  كتدهور الأجهزة وتسرب الكادر وضعف الميزانية التشغيلية وهذا ما فسر ارتفاع نسبة وفاة الأمهات الى ضعف ما كانت عليه قبل عام 2015،بحسب احصائيات صادرة عن المستشفى.

يستقبل مستشفى الثورة وهو اكبر مشفى في اليمن العشرات من حالات الولادة في اليوم الواحد.

تعيد الدكتورة رجاء السنفاني أسباب ارتفاع وفاة الأمهات اثناء الحمل والولادة الى عدة أسباب ,أهمها التأخر في إيصال الحوامل الى المستشفيات في الوقت المناسب, وحمل صغيرات السن قبل ان يكون تكوينها الجسماني ،خاصة منطقة الحوض قد اكتمل واصبح مستعدا للحمل ,بالإضافة الى إصرار بعض الأمهات على الحمل بعد تحذير الأطباء من خطورة أي حمل جديد على حياتهن، لكنها استدركت “غير ان معظم النساء اللائي يمتن هن من صغار السن”.

وقالت الدكتورة السنفاني ،المتخصصة في النساء والولادة، في حديثها لـ”المجلة الطبية” نحن نتحدث عن الأمهات اللائي يصلن أخيرا إلى المستشفى او الى العيادات بينما هناك “أضعاف مضاعفة” من النساء لا يتم اسعافهن ابدا وبالتالي يمتن في بيوتهن دون ان يدري بهن احد.

وأضافت ان عدم حصول هؤلاء النساء على الخدمات الطبية يعود إما لعدم قدرة الأسرة على دفع تكاليف المستشفيات او لصعوبة نقل النساء من مناطق نائية الى المدن.

في اليمن.. تموت امرأة من بين كل 260 أثناء الحمل أو الولادة، إذ تحدث ثلاث ولادات فقط من بين كل عشر في المرافق الصحية.

ارقام صادمة

قالت المديرة التنفيذية للمنظمة اليونيسف هنريتا فور ان “جلب الحياة إلى العالم في اليمن يمكن أن يتحول في كثير من الأحيان إلى مأساة لعائلات بأكملها”.

 جاء ذلك كتعليق منها على تزايد عدد وفيات الأمهات والمواليد في اليمن خلال الفترة الماضية حيث أعلنت المنظمة ” أن امرأة وستة مواليد يموتون كل ساعتين في اليمن بسبب المضاعفات أثناء الحمل أو الولادة، بعد عقود من تراجع التنمية جراء الحرب على مدى خمس سنوات التي أضعفت الخدمات العامة الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية للأمهات والرضع، التي “أضحت على شفا الانهيار التام”.

و وصفت هنريتا فور عدد الوفيات بأنها “ارقام صادمة”  وكانت المنظمة قد أصدرت بيانا منتصف الشهر نقل عن تقرير الأمومة والأبوة في ظل الصراع في اليمن، الصادر عن اليونيسف، اشار إلى أن معدل وفيات الأمهات ارتفع بشكل حاد منذ تصاعد النزاع، من خمس وفيات للأمهات في اليوم عام 2013 إلى 12 وفاة بين الأمهات يوميا عام 2018. وتموت امرأة من بين كل 260 أثناء الحمل أو الولادة،.

وبحسب البيان فان ثلاث ولادات فقط من بين كل عشر تتم في المرافق الصحية. كما يموت طفل واحد من بين 37 مولودا في الشهر الأول من الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، تنجب واحدة من بين كل 15 فتاة مراهقة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما.

وفي هذا السياق شددت  الدكتورة أفراح العريقي ،تخصص نساء وولادة، في مستشفى الثورة العام على ضرورة الاهتمام بالمرأة بعد الولادة “يجب ان تخضع لرعاية صحية جيدة واهتمام كاف من الاسرة” وأضافت الكثير من الأمهات يفقدن حياتهن في الشهر الأول بعد الولادة بسبب الإهمال او عدم تدارك المضاعفات واحيانا سوء التغذية.

وأكدت العريقي في حديثها لـ”المجلة الطبية” ان عددا غير قليل من المواليد يموتون بعد وفاة الأمهات في الأشهر الأولى من حياتهم “وفي الغالب يموتون لنفس سبب وفاة الأم” مطالبة الأسر واولياء الأمور بضرورة التفكير جيدا قبل اتخاذ القرار بالإنجاب لأنهم يعرضون حياة أشخاص للخطر ،حد قولها.

وارجعت الدكتورة افراح أسباب تضاعف اعداد الوفيات بين النساء والمواليد الى غياب الرعاية الصحية وتدهور قدرة المستشفيات والمراكز الصحية على تقديم الخدمات بالشكل المطلوب وذلك انعكاس للوضع العام الذي يعيشه اليمن منذ خمسة أعوام، بالإضافة الى تدهور الوضع المعيشي للمجتمع والذي ساهم بقدر كبير في تفاقم الوضع خاصة للأمهات والمواليد والأطفال بشكل عام.

وهذا ما اكدت عليه المديرة التنفيذية  لليونيسف عندما قالت في الذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل “الرعاية السابقة للولادة وحضور مقدمي الرعاية الصحية الجيدة عند الولادة أمران ضروريان لبقاء الأمهات والأطفال على قيد الحياة”

في السياق ذاته ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن 1.1 مليون امرأة حامل ومرضعة بحاجة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد والوخيم، مؤكدة على أن “الحصول على خدمات صحية جيدة قبل الولادة وبعدها هو مفتاح بقاء حديثي الولادة والأمهات على قيد الحياة”.

وقالت اليونيسف ان الخدمات الصحية أصبحت غير كافية، عوضا على عدم القدرة على الوصول إلى تلك الخدمات إضافة الى ان تكاليف النقل غير ميسرة، ما يجعل التوجه إلى مقدمي الخدمات الصحية الملاذ الأخير للنساء والأطفال، خاصة في المناطق النائية والريفية وتلك المتأثرة بالحرب.

آباء صغار

“أصدقائي الاثني عشر اصبحوا آباء” بعد عام واحد من الزواج لم يعد يستطيع وفيق الصايدي الحديث مع اصدقائه دون التطرق الى المشاكل التي جلبها مواليدهم الصغار وما يعانونه من اجل توفير ابسط متطلبات الرعاية الصحية للأطفال وأمهاتهم.

ويستغرب وفيق الذي يعمل في صيانة الموبايلات من عدم اتعاظ الشباب القادمين على الزواج من اصدقائهم الذين سبقوهم الى حياة الأسرة الجديدة “لست ضد الزواج ولكنني اعتقد ان الانجاب في هذه الظروف مجازفة غير محسوبة” وفي حديثه لـ”المجلة الطبية” سرد الصايدي عددا من قصص معاناة أصدقائه خاصة بعد الانجاب، وكيف أصبحت حياتهم “بائسة” بعد ان تحملوا مهام توفير الرعاية خاصة الصحية للأم ووليدها في ظل هذه الظروف الاقتصادية والصحية المتردية ،حد تعبيره.

في ذات الصعيد استغرب الباحث الاجتماعي محمد الكهالي 41 عاما من اندفاع الشباب للزواج “في كل أسبوع احصل على اكثر من دعوة لحضور حفل زواج” وقال لا استطيع إيجاد تفسير مقنع لهذه الحالة غير ان هناك حالة لا وعي عند الكثير من الأسر التي توافق او تدفع بأبنائها الى الزواج في ظل هذه الظروف.

وأضاف لـ”المجلة الطبية” :انا لا ارفض فكرة الزواج بحد ذاتها ولكني ادرك جيدا انه سرعان ما سيثمر مولود جديد في ظل تدهور الوضع الصحي والإنساني وانتشار الامراض وسوء التغذية في ظل عجز الكثير من الأسر عن توفير أي من هذه الخدمات.

“نحن نساهم في زيادة عدد الضحايا” هذا ما استطيع قوله، وأضاف الباحث الاجتماعي من غير المعقول ان اتسبب في وجود انسان جديد في ظل عجزي عن توفير ابسط الخدمات لنفسي او للموجودين من قبل الحرب.

ودعا الشباب والقادمين على الزواج الى تأجيل الإنجاب حفاظا على صحة النساء البدنية والنفسية وتجنب تحمل مشاق توفير خدمات صحية في بلد يعاني من الحرب وتقول تقارير المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال ان اكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن لا تعمل بسبب نقص عدد الموظفين أو شح الإمدادات أو عدم القدرة على تغطية التكاليف التشغيلية أو محدودية الوصول إليها، في حين تعاني المرافق العاملة من نقص حاد في الأدوية والمعدات والموظفين، مما يعرض الأرواح للخطر.

المنظمات ذاتها مثل اليونيسف والصحة العالمية حذرت من انهيار وشيك للمنظومة الصحية في اليمن ما لم تصل الأطراف المتصارعة الى حل يضمن إيقاف الحرب وتطبيع الحياة ومن ثم استعادة المرافق الصحية لقدرتها وامكانياتها.

Exit mobile version