المجلة الطبية

ليست كل الجروح ظاهرة .. تجارب مؤلمة أورثت اليمنيين أزمات نفسية مزمنة

-

تقرير: عبدالملك أبو الغيث 

 

يعاني اليمنيون، بما فيهم الأطفال المراهقون، من أزمات نفسية مزمنة، بسبب أحداث الحروب، المستمرة منذ سبع سنوات، والتي خلفت، وما زالت، أزمات حادة اقتصادية وصحية، بالإضافة إلى تجارب مؤلمة على المستويات الفردية والجماعية، وفق دراسة محلية حديثة أعدها مركز “العربية السعيدة للدراسات”.

ما ذكرته الدراسة، أكده وزير الصحة العامة والسكان في صنعاء، الدكتور طه المتوكل، يوم الأحد الماضي، خلال فعالية نظمها مستشفى الأمل للطب النفسي، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، عندما قال إن “الملايين من اليمنيين مصابون باضطرابات نفسية، وإن الأزمات والحرب المستمرة خلفت أمراضا نفسية لا تُعد ولا تُحصى على رأسها الاكتئاب والصدمات النفسية والخوف والذعر”.

وطالب المتوكل “الاستشاريين النفسيين بالتدخل في التوعية للتخفيف على المواطنين من وطأة حالات الاكتئاب وتجاوز الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الشعب اليمني”، موضحاً أن “مهمة الإخصائيين النفسيين تتلخص في بث الطمأنينة والأمل وتوعية المجتمع بكيفية امتصاص الصدمات النفسية و تقديمها كخدمة إنسانية”.

 

ولتخفيف معاناة اليمنيين يجد الدكتور المتوكل، منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والمنظمات التي تعمل معها, أحد أبرز الحلول, إذ دعاها  إلى تقديم المساعدات اللازمة في مجال الصحة النفسية وكذا الاحتياجات الإنسانية والأساسية كصرف رواتب الموظفين وفتح مطار صنعاء وتوفير الغذاء والدواء كونها مطالب إنسانية بحتة”.

وزارة الصحة بصنعاء وفي ذات الفعالية، شددت على لسان مديرة البرنامج الوطني للصحة النفسية ، الدكتورة جميلة الحيفي،  على ضرورة “التواصل بين الأطباء و الاستشاريين ” قبل أن تتابع ” التنسيق  مهم في مثل هذه الظروف خاصة مع تزايد أعداد المرضى النفسيين”.

وبحسب مديرة برنامج الصحة النفسية بوزارة الصحة الدكتورة جميلة الحيفي؛ فإن ما يقارب 75% من المرضى النفسيين في اليمن لا يتلقون العلاج إطلاقاً “وفقاً لآخر مسح نفذه البرنامج”، مشيرة -في حديثها- إلى أن أغلب المرضى من النساء، ومع هذا لا يحصلن على الرعاية الطبية اللازمة، حد قولها.

وتعمل  وزارة الصحة في الوقت الراهن  على استصدار قانون الطب النفسي الذي سيحفظ -في حال صدوره- حقوق الأطباء والمرضى والمهنة, بحسب الدكتورة الحيفي. مشيرة إلى أن الوزارة في طور توفير الأجهزة الطبية الحديثة وأدوات التشخيص للأطباء النفسيين التي سيتم توزيعها ضمن استراتيجية الطب النفسي الذي تعمل عليه الوزارة” مؤكدة أن ” إخراجه إلى حيز التنفيذ سيتم قريباً”.

 

وبالعودة إلى الدراسة التي نشرت في شهر يوليو/ تموز الماضي، عن “اضطرابات كرب ما بعد الحرب لدى الأطفال اليافعين في اليمن، المخاطر وفرص التعافي”، يعاني الكثير من الأشخاص، على المستويات الفردية، من أزمات نفسية تزداد احتمالات تطورها إلى اضطرابات نفسية وعقلية دائمة عند تعرض المصابين بها لصدمات نفسية أخرى قاسية.

وأشارت الدراسة إلى أنه ونتيجة لذلك تظل “معدلات مشاكل الصحة النفسية في اليمن أعلى بكثير منها في البلدان الأخرى التي تشهد نزاعات، فقد أدت الحرب والفيضانات والأوبئة والفقر ونقص المياه إلى تدمير أنظمة الرعاية الصحية والتعليم، علاوةً على افتقار العاملين في المجال الصحي، لتحسين أدائهم في الإدارة الطارئة للمشاكل الطبية الحادة”.

وأكدت أن الوضع في مجال الصحة النفسية يزداد سوءاً “إذ يقل الطلب على هذا النوع من الخدمات الصحية، رغم تزايد أعداد المصابين بأزمات نفسية، لعوامل ثقافية ترتبط بوصمة العار المقترنة بالإصابة بمرض نفسي، لذا يتم إهمال عدد كبير من الأطفال الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية من قبل أسرهم، وفي بعض الأحيان يتم التخلي عنهم”.

وبحسب الدراسة ” لم يفض الازدياد في الاحتياج للدعم النفسي لتطوير آلية وطنية للدعم النفسي والاجتماعي، كما هو متوقع في مثل هذه الحالات، بل على النقيض من ذلك؛ بعد أن تصل محاولات أسرة المصاب باضطرابات الصحة النفسية إلى اليأس من شفائه يتم، في معظم الحالات، إهماله أو إبعاده وتركه يرحل إلى منطقة أو مدينة أخرى، حيث يُترك فيها شبه عارٍ، يأكل من مكبات النفايات أو أيدي المحسنين، وكثيراً ما يُترك جائعاً”.

وانتقدت الدراسة خطط الرعاية الصحية الوطنية على المستوى الرسمي في اليمن، لأنها “تتجنب الاعتراف بالرعاية الصحية النفسية على أنها ضرورية، وما يزال هذا المجال يفتقر إلى تمويل الصحة العقلية والموارد والقوى العاملة. كما يواجه مقدمو الخدمات النفسية والاجتماعية نقص الكادر المؤهل والمتخصص، ونقص الموارد المالية، والصراع السياسي، وضعف الوعي المجتمعي”.

عالمياً، ذكرت منظمة الصحة العالمية، أن نحو 280 مليون شخص (3.8%) يعانون من الاكتئاب، في حين تشير التقديرات إلى أن 5.0% من البالغين يعانون من الاكتئاب، بينما 5.7% من الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة مصابون بالاكتئاب.

ويعاني 1 من كل 5 أطفال ومراهقين في العالم من اضطراب عقلي، فيما تصاب النساء بالاكتئاب أكثر من الرجال، ويؤدي الاكتئاب في أسوأ حالاته إلى الانتحار، حيث ينتحر سنويا أكثر من 700 ألف شخص, وفقا لآخر إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة في سبتمبر 2021.

 

وتشكل الاضطرابات النفسية والعصبية 10% من العبء العالمي للمرض، و30% من عبء الأمراض غير المميتة، وفقاً لعدد من الحقائق التي أوردتها منظمة الصحة العالمية في تقريرها الخاص بالعام الجاري 2021 والذي نشرته بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف يوم العاشر من  أكتوبر/ تشرين الأول، من كل عام.

وأوضحت المنظمة الأممية أنه “رغم وجود علاجات فعالة للاضطرابات النفسية، فإن أكثر من 75% من الأشخاص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لا يتلقون أيا منها”.

 

* أُنجزت هذه المادة في إطار حملة “تحدث.. ليست كل الجروح ظاهرة” التي أطلقتها المجلة الطبية للتوعية بأهمية الصحة النفسية ، وبدعم من شركة  “سبأ فارما للصناعات الدوائية”.

Exit mobile version