المجلة الطبية

أطفال اليمن.. حياة وأحلام تحطمت قبل الأوان

-

تقرير: عبدالملك الجرموزي _ المجلة الطبية

آذت الحرب المستمرة منذ سبع سنوات أطفال اليمن، وألحقت بصحتهم ودراستهم وحياتهم بشكل عام أضراراً جسيمة.. وأجبرتهم على أن يعيشوا طفولة بائسة تظهر بوضوح في وجوههم.

نفسياً، أكدت دراسة علمية محلية إصابة معظم الأطفال في اليمن باضطرابات ما بعد الصدمة ومشاكل نفسية أخرى نتيجة لعدة عوامل منها الحرب، وما رافقها من عنف في الواقع وعبر وسائل الإعلام المختلفة.

الدراسة الصادرة عن مركز “العربية السعيدة للدراسات” في شهر يوليو/تموز الماضي، تحت عنوان “اضطرابات كرب ما بعد الحرب لدى الأطفال اليافعين في اليمن.. المخاطر وفرص التعافي”، ناقشت  العوامل التي تؤدي إلى تطوير الأطفال المراهقين”10- 19 عاما” لاضطرابات ما بعد الصدمة إلى مستويات حرجة يصعب عندها التعافي واستعادة التوازن النفسي والتكيف مع المحيط الاجتماعي، من خلال الدراسة المعمقة لنماذج من الأطفال اليافعين.

أكدت الدراسة التي نفذها الباحث في المركز، الدكتور عبدالكريم غانم، أن” الانهيار الاقتصادي وارتفاع أسعار الغذاء، وما نجم عنه من عنف وتفكك أسري، أدى إلى خلق المزيد من الصدمات النفسية للأطفال اليافعين”، منوهة بأن” الإصابة باضطراب نفسي في ظل بيئة غير داعمة للمصاب يعزز قابليته لتطوير اضطرابات عقلية أخرى، وصولاً إلى ظهور جميع الاضطرابات النفسية”.

لقد رافقت الحرب في اليمن تجارب مؤلمة، وصدمات نفسية حادة، جعلت هذا البلد الأعلى في معدل مشاكل الصحة النفسية على مستوى بلدان الشرق الأوسط الأخرى التي تشهد نزاعات وحروب، وفقاً للدراسة.

وقالت “على الرغم من أن المعاناة من الحرب وتداعياتها الإنسانية طالت اليمنيين بمختلف فئاتهم، إلا أن التداعيات النفسية لهذه الكارثة كانت، في معظمها، من نصيب الأطفال، فمعظمهم يعانون من اضطراب كرب ما بعد صدمة الحرب”.

وأكدت أن من “شأن تداعيات هذه الاضطرابات التي بلغت مستويات خطير، أن تترك تأثيرات وخيمة لدى المصابين الذين يمرون حالياً بمرحلة المراهقة، بما تمثله من تجربة فريدة في تكوين الفرد، بعد أن وصلت أعراض أزمات الصحة النفسية إلى مستويات يصعب معها تحقيق التعافي النفسي لدى الأطفال اليافعين في اليمن”.

و خلال السنة الأولى من الحرب، ونتيجة لتعرض العاصمة صنعاء لغارات جوية عدة مرات في اليوم أصبحت الضوضاء العالية وأصوات الطائرات مرعبة للأطفال في المدينة، ومع استمرار النزاع، بدأ الأطفال اليمنيون في إظهار سلوك غير عادي، مثل التبول اللاإرادي، ومحاولة عزل أنفسهم، وتدهور مستوياتهم الدراسية، حيث يتم التعبير عن الاضطراب النفسي من خلال أعراض سلوكية، كعدم القدرة على أداء الوظائف المعتادة، بحسب الدراسة.

وقد بينت الدراسة أن “اضطرابات ما بعد الصدمة يمكن أن تظهر لدى الطفل خلال الأشهر الثلاثة الأولى ويمكن أن تتأخر، كما يمكن أن تظهر لديه قبل سن التاسعة، أعراض التبول اللاإرادي والرغبة في الإمساك بالأم أو الأب أو الجلوس الملامس لأحد الوالدين والإصرار على النوم بجواره، ويمكن أن يُعَبِّر الأطفال عن الحدث الصادم من خلال رسوماتهم أو ألعابهم”.

وأشارت إلى أن” الأطفال اليافعين المصابين بهذا النوع من الاضطرابات ، من بيئات اجتماعية هشة، تعجز عن حمايتهم واستعادة استقرارهم المعيشي، مرشحون أكثر من غيرها لتطوير اضطرابات كرب ما بعد الصدمة إلى اضطرابات نفسية دائمة”.

و حذرت الدراسة من أن ” الأشخاص المصابين باضطرابات كرب ما بعد الصدمة هم أكثر عرضة من غيرهم لاستقطاب الجماعات التي تمارس العنف”.

ولا يمكن التعرف على حجم الأذى الذي لحق بأطفال اليمن خلال سنوات الحرب، إلا من خلال إحصائيات دقيقة وموثوقة، حيث أكدت منظمة اليونيسف في تقرير لها صدر يوم الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2018، أن أكثر من 6,700 طفل يمني قُتلوا أو أُصيبوا بجراح بالغة. اجبر حوالي 1.5  مليون طفل على النزوح، العديد منهم يعيشون حياة بعيدة كل البعد عن الطفولة.

وهنالك 7 ملايين طفل يخلدون للنوم كل ليلة وهم جياع، وفي كل يوم يواجه 400 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد، ويتعرضون لخطر الموت في أي لحظة، فيما لا يذهب أكثر من مليوني طفل إلى المدرسة، أما الذين يذهبون إلى المدرسة فيواجهون تعليما ذات جودة متدنية داخل غرف صفية مكتظة، وفقاً لليونيسف.

إحصائيات تظهر بوضوح كم يعاني أطفال اليمن من جراح نفسية وجسدية وخيمة وعميقة، وبحسب اليونيسف فإن “وراء كل هذه الأرقام هناك أطفالا لهم أسماء ووجوه وعائلات وأصدقاء وقصص، ولهم أحلام تحطمت وحياة قطعت قبل أوانها“.

وتقول منظمة الصحة العالمية، إن” نصف المشاكل النفسية تبدأ إجمالاً في سن الرابعة عشرة، ولكن معظم هذه الحالات لا يُكشف عنها ولا تُعالج”.

وأوضحت أن “فترة المراهقة والسنوات الأولى من سن الرشد هما مرحلتان عمريتان يطرأ فيهما العديد من التغييرات على حياة الفرد، من قبيل تغيير المدرسة وترك المنزل واستهلال الدراسة في الجامعة أو مزاولة عمل جديد، وهي أوقات مثيرة بالنسبة إلى الكثيرين، ولكنها يمكن أن تكون أيضا أوقاتا عصيبة يشوبها التوتر والتوجّس، ويمكن أن تسفر هذه المشاعر عن الإصابة باعتلال نفسي”.

 

أُنجزت هذه المادة في إطار حملة “تحدث.. ليست كل الجروح ظاهرة”، التي أطلقتها “المجلة الطبية” للتوعية بأهمية الصحة النفسية، وبدعم من شركة “سبأ فارما للصناعات الدوائية”.

Exit mobile version