ـ الشعوذة تدمر صحة المجتمع بخلطات تحتوي على أدوية نفسية
ـ سرير واحد لكل مائتي ألف مريض نفسي
اليمن سيشهد انفجاراً هائلا في السنوات القادمة بالأمراض النفسية بسبب الحرب الدائرة منذ سبع سنوات, وفي ظل معاناة أكثر من 5 ملايين يمني من نوع أو أكثر من الاضطرابات النفسية، وهو ما يتوقعه ويحذر منه استشاري الأمراض النفسية الدكتور عمرو الخرساني.
وأكد الخرساني أن 80% من اليمنيين الذين يعانون اضطرابات نفسية هم من فئة الشباب، واستغرب من تجاهل وزارة الصحة لما أسماها بـ “دكاكين الدجل والشعوذة” التي تنتشر في عموم اليمن دون حسيب أو رقيب.
وفي حوار مع (المجلة الطبية) تحدث الدكتور الخرساني عن واقع الصحة النفسية في اليمن ودور الجهات الرسمية والمجتمعية في التوعية -التي باتت حاجة ماسة لإنقاذ المجتمع- من المعالجين الشعبيين “المشعوذين”.
خاص_ الطبية|
عوامل تفاقم الخطر
أرجع استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور عمرو الخرساني تزايد أعداد المصابين بالاضطرابات النفسية في اليمن إلى حالة الفقر التي وقع الشعب تحت تأثيرها خلال العشر سنوات الأخيرة بما فيها من صراعات وحروب مدمرة.
وأشار إلى تقديرات صدرت سابقاً عن الأمم المتحدة أكدت أن نسبة اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر وصلت إلى٤٥% في عام ٢٠١٤م، وهي النسبة التي ارتفعت إلى 80% بعد الحرب التي بدأت في مارس 2015 حيث أصبحت اليمن أفقر دولة على وجه الأرض، ما يعني أن غالبية اليمنيين يكافحون بشكل يومي من أجل البقاء فقط.
وأكد الخرساني أن ظروف الحرب أفرزت واقعاً جديداً أكثر مأساوية, ورفعت نتائجها أعداد اليمنيين المصابين بالاضطرابات النفسية “سلوكية ووجدانية”، وضاعفت معدل جرائم العنف خاصة “القائم على النوع الاجتماعي”، كما رفعت من معدلات زواج الأطفال بسبب ظاهرة النزوح والهجرة الداخلية.
وفي الحوار الذي أجرته معه (المجلة الطبية) أكد الدكتور الخرساني أن عدد اليمنيين الذين يعانون من نوع أو أكثر من الاضطرابات النفسية يتجاوز 5 ملايين مواطن، وأن 80% منهم فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 30 عاما وهي الفئة التي يعتمد عليها أي مجتمع في الإنتاج.
وتوقع الدكتور الخرساني أن تشهد اليمن ارتفاعاً رهيباً في أعداد المرضى النفسيين وبنسبة قد تفوق المستويات المسجلة في كل دول العالم.
وبالرغم من الأرقام المرعبة لفت الخرساني إلى مشكلة خطيرة تتمثل بعدم اعتراف المريض بمرضه والامتناع عن الذهاب إلى العيادات المتخصصة بعلاج الأمراض النفسية، لافتاً إلى أنه وفي حال ذهب إلى العيادة فإنه يستعجل الشفاء ولا يحتمل فترة العلاج التي تتراوح ما بين أسبوعين إلى ثلاثة بسبب تأخير تأثير الأدوية حيث أن بعض الحالات تحتاج إلى سنوات من العلاج قد تمتد أحياناً مدى الحياة.
ندرة الأخصائيين وتناقض مكاتب الصحة
وأضاف الدكتور الخرساني بقوله “تعاني الصحة النفسية في اليمن من مشاكل عدة، أبرزها ندرة المستشفيات والعيادات والمراكز المتخصصة بعلاج الاضطرابات النفسية، وهناك سرير واحد فقط لكل 200 ألف مريض نفسي بحسب تقرير صادر عن وزارة الصحة في 2020” مشيراً إلى أن مستشفى الثورة العام في صنعاء هو الوحيد في اليمن الذي يوفر أسرة رقود للمرضى النفسيين وبسعة عشرين سريرا فقط.
قد يهمك ..لقاح كورونا يتجاوز الإشاعات ويحظى بثقة كبار السن في اليمن
واعتبر الخرساني عدم تشجيع وزارة الصحة عبر مكاتبها في المديريات -على الاستثمار في مجال الصحة النفسية- أمراً غريباً، مؤكداً أن الوزارة لا تقوم بواجبها لتشجيع أطباء العموم على التخصص في الطب النفسي بالرغم من أنها أوضحت في التقرير الذي أصدرته العام الماضي أن اليمن لا تملك سوى طبيب نفسي فقط لكل 27٠ ألف نسمة، في حين أن النسبة المطلوبة عالميا هي طبيب نفسي لكل 10 آلاف نسمة.
وأضاف “في مقابل ندرة المستشفيات والمراكز المتخصصة وامتناع المرضى عن الذهاب إليها يلاحظ أن “دكاكين الدجل والشعوذة” والعلاج بالقرآن تكتظ يومياً بالمرضى النفسيين، ونادراً ما يعود المريض للعيادات المتخصصة بعد حصولهم على نصائح من أولئك المعالجين الشعبيين”.
واستغرب الخرساني من تناقض مكاتب الصحة التي تنشغل بتفتيش المستشفيات والعيادات المتخصصة بالصحة النفسية بحثاً عن تراخيص وتجاهلها الدائم لـ “دكاكين الدجل والشعوذة” التي تنتشر في عموم اليمن بشكل كبير وتعمل بدون رقيب أو حسيب من أي جهة كانت.
وأوضح أن تلك المراكز الشعبية تقدم لمرضاها خلطات تحتوي على أدوية خاصة بالاضطرابات النفسية وهو أمر خطير يهدد صحة المجتمع, كون تلك الأدوية لا يجب وصفها سوى من قبل طبيب نفسي وفقاً لحالة المرض.
وعن تأثير الوصمة المجتمعية, أشار الخرساني إلى أن ضررها يكون كبيرا إذا كان الشخص المصاب أنثى بعكس الذكر الذي تؤثر عليه بشكل أقل، وذلك لأن الأسرة التي لديها فتاة أو امرأة مصابة تحاول إخفاءها عن الأنظار خشية ردود فعل تعتقد بأنها ستأتي مسيئة في حقهم.
يضيف الخرساني “نحن بحاجة ماسة لزيادة حجم التوعية الحكومية والمجتمعية, وتوسيع إدراك كل مواطن ومواطنة يمنية بأهمية الذهاب إلى العيادات المتخصصة بالطب النفسي, والحد من الوصمة المجتمعية التي تمنعهم من ذلك، وعدم تركهم فريسة سهلة للمعالجين الشعبيين”.
أسباب بيولوجية اجتماعية ونفسية
وشدد على أن التوعية تبدأ بمعرفة أسباب وأنواع الاضطراب النفسي التي لخصها كأسباب رئيسية بـ بيولوجية “تاريخ الاضطرابات النفسية في الأسرة، وتعاطي المواد المخدرة والمنبهات، وإصابات الدماغ”، واجتماعية مثل “النوع، الطبقة، العرق، الأسرة”، ونفسية مثل “ضغوط الحياة، التوتر النفسي، عيوب الشخصية، السكن في مناطق الحروب”، لافتاً إلى أن الأسباب الرئيسية تنتج أسبابا أخرى لدى كبار السن والأطفال مثل “الخرف , الهذيان, فقدان الذاكرة، اضطرابات طيف التوحد , متلازمة فرط الحركة وقلة الانتباه، اضطرابات طيف الفصام والاضطرابات المتعلقة بالذهان، اضطرابات ثنائية القطب، الاكتئاب، القلق، اضطرابات الشخصية، اضطرابات النوم، اضطرابات الأكل، اضطرابات جنسية” وغيرها.
إقرأ أيضاً.. دور الأسرة تجاه الأنثى المصابة باضطراب نفسي
وقدم الخرساني نصائح هامة للتعامل مع المريض النفسي أهمها “تحديد نوع المرض النفسي والمرحلة التي وصل إليها المرض، ومن ثم استشارة طبيب متخصص لتحديد ضرورة تواجد المريض داخل المستشفى من عدمه، ومراجعة الطبيب النفسي في كلّ الحالات لتقديم الدواء المناسب للمريض، وتقديم الدواء باستمرار وانتظام من قبل المشرف الشخصي على حالته، وعدم الإهمال في المتابعة الدورية ، فالإخلال بمواعيد الدواء يُسبّب تداعياً في حالة المريض”.
كما أوصى بتقديم التغذية المناسبة والصحيّة للمريض، ومنعه من تناول الأغذية المضرّة كالقات والمشروبات الغازية، ومتابعة حالته بشكل مستمر، “لأن نوع الدواء يختلف في كل مرحلة”، إضافة لعدم المبالغة في عقاب المريض في حال تسبّبه بالمشاكل، فيجب التعامل معه برقّة ولطف واحترام؛ فالتعامل بقسوة، أو وصفه بـ (المجنون) قد يزيد حالته الصحية سوءًا.
أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب
المصدر : https://alttebiah.net/?p=17542