المجلة الطبية

الجراح علي معوض: تحصيل المال ليس أهم من رعاية المرضى

-

الجراح علي معوض: تحصيل المال ليس أهم من رعاية المرضى

الطبيةجميل مفرح|

أوقف مسلحون سيارته وأجبروه على مغادرتها في طريق صحراوي بعيد، وبعد التحدث إليهم، عرف الدكتور علي معوض جابر أنهم يحتجزون سيارته على ذمة قضية لا علاقة لها بنشاطه الطبي.

غير أن اليمني مهما صرف من السنوات خارج بلده يظل محتفظا بالشخصية التي نحتتها ظروف وجغرافيا بلده في سنوات النشأة والشباب لتجعله يرفض الاستسلام بسهولة.

لم يكن موقف الجراح معوض، وأخيه المصاحب له، جيداً في منطقة لا يعرف فيها أحداً، لكنه ظل يفاوض المسلحين بحثا عن حل.

قد يهمك .. المكفوفون .. منسيّون على هامش الوجع

كان عقله الباطن يستدعي صوراً متفرقة من مسيرته.. شاب وحقيبة صغيرة على مقعد خشبي في مطار صنعاء نهاية الثمانينيات، بانتظار الصعود إلى الطائرة لأول مرة.. مقاعد الجامعة في موسكو، وسنوات الماجستير في العراق.. مشاهد حصوله على الدكتوراه من جامعة قومل في روسيا البيضاء 2010م، كل ذلك يدخل في مقارنة بالمشهد الذي يعيشه في تلك الصحراء، وفجأة ينقطع شلال ذكرياته بسؤال يوجه إليه من قبل أحد المواطنين من أبناء المنطقة: هل أنت الطبيب الذي يعمل في المستشفى الجمهوري..؟

الدكتور علي جابر وبرفقته زملاء البكالوريوس أثناء تخرجهم في روسيا الاتحادية عام 1995

نعم .. لقد كان هو بالفعل الطبيب الذي أجرى ذات يوم عملية جراحية لزوجة هذا الشخص الذي يقف في تلك اللحظة الحرجة أمامه.. إنه هو، لم يكن يمتلك حينها تكاليف العملية، ومع ذلك أجريت العملية لزوجته.. وكما يُعرَف اليمنيون بأنهم لا ينسون ثاراتهم، فإنهم أيضا لا يتناسون المعروف ولا أهله.. وهاهو ذلك المواطن يستضيف في منزله الدكتور معوض وأخاه ويتكفل بإطلاق سراح سيارتهما.. المسلحون الآخرون أيضا أبوا إلا أن يرافقوا الدكتور وأخاه بعد ضيافتهم لهما وإيصالهما إلى منزلهما في محافظة  صعدة، شمال اليمن، قرية المجمعة، بمديرية باقم التي ولد ونشأ فيها الدكتور علي معوض جابر.

رحلة امتدت لـ34 عاماً من الدراسات والعمل الطبي والجراحي وما تزال حياة  استشاري الجراحة العامة الدكتور علي معوض جابر، مليئة بالأحداث والتجارب.. (المجلة الطبية) وقفت معه في محطات كثيرة مهنية وشخصية ومجتمعية، غير أن الجراحة العامة حازت على أكبر مساحة في حديثه هنا، باعتبارها شكلت وتشكل معادلاً موضوعياً لحياة هذا الطبيب المثابر..

تخصصات

الجراحة العامة تخصص يركز على جراحة الجهاز الهضمي، ابتداء من المريء وانتهاء بالمستقيم.. بالإضافة إلى جراحة الغدد والأورام وجراحة الثدي.. هكذا يصفها الدكتور علي معوض  استشاري الجراحة العامة، الذي التقته (الطبية).

ويضيف الدكتور معوض أن تخصصات الجراحة العامة تتمثل في جراحة الغدد وجراحة الأورام وجراحة الجهاز الهضمي.

خبرات ماهرة

وبثقة مطلقة يؤكد الدكتور معوض على أن الجراحين اليمنيين من أمهر الخبرات والأيادي على مستوى المنطقة العربية.. ولكن ما ينقصهم هو توفر الإمكانيات للعمل وتفعيل العمل الجماعي بشكل أقوى تحت مظلة واحدة ومرجعية واحدة..

الدكتور علي جابر أثناء دراسته الماجستير في العراق عام 2003

كما أن أهم ما ينقص بلادنا في مجال الجراحة هو توفير المراكز الأكثر تطوراً، والتي تعطي فرصة للطبيب الجراح كي يمارس مهنته في الجراحات النوعية والصعبة والدقيقة، على سبيل المثال التشوهات الخلقية وجراحة الأورام في مراحلها المبكرة حيث يمكن للجراح التدخل في وقت مبكر، وهذ يحصل في حال التشخيص الدقيق والمبكر.

مواقف لا تنسى

سرعة النتائج وتعافي المريض من خلال العمل الجراحي هما أبرز ما شدا الدكتور علي إلى هذا التخصص، على الرغم من كثرة الحالات الصعبة والمعقدة التي واجهها على صعيد حياته المهنية في هذا المجال.. ومن تلك المواقف والحالات ما انطبع لصعوبته في ذاكرته، كما يشير، ولم يستطع نسيانه ومن ذلك حالة واجهها في بداية عمله، حصل عندها  انفجار في الزائدة الدودية، وحالة أخرى كانت عبارة عن ورم في الغدة الدرقية، وحالات أخرى واجهها أثناء الحروب السابقة في محافظة صعدة حيث كان رئيسا لقسم الجراحة العامة في المستشفى الجمهوري  في فترة الحروب الست السابقة في المحافظة..

يقول: حينها كانت تأتي حالات كثيرة تحتاج إلى تدخل جراحي.. وكنا للأسف نضطر كثيراً إلى بتر وإزالة بعض الأعضاء.

إقرأ أيضاً .. الصحة العالمية تسمح باستخدام عقار جديد لعلاج كورونا

وكما أن حياة المبدعين والمتميزين خصوصا في هذه المهنة لا تخلو من هذه المواقف الصعبة، فإنها تكون أيضاً مشبعة بالمواقف الملهمة، وفي هذا السياق يورد الدكتور معوض موقفاً ملهماً في حياته وهو يسرد من ذكرياته حادثة إيقافه في نقطة التقطع القبلية، والتي ذكرناها بداية في التمهيد لهذا اللقاء.

خوف البدايات

عن الخوف وسيطرته على الطبيب الجراح وهو يشق أبدان المرضى، يقول الدكتور علي أن الخوف يتواجد في بداية مشوار المهنة، لكنه سرعان ما يتلاشى لأسباب وعلى مراحل، أهمها المعرفة الحقيقية للتشريح وكذلك حب المهنة، ثم تأتي في الدرجة الثانية عملية الاستمرار والممارسة في المجال نفسه التي تكسب المهارة والتعود، ثم يأتي بعد ذلك عامل توفير الإمكانيات والتسهيلات الجيدة التي تساعد كثيراً على إنجاح العمل.

للحياة قيم

القيم الإنسانية الطبية التي يؤمن بها الدكتور علي معوض ويعمل عليها، يصفها بأنها تتمثل في المقام الأول في حسن التعامل مع المريض وتوفير الخدمة له, بغض النظر عن وضعه المادي، أي لا يجوز بأي حال من الأحوال اعتبار المادة عائقاً أمام القيام بالواجب المهني والإنساني.. وعن أهم قواعد الحياة لديه يستحضر الدكتور قول الإمام علي كرم الله وجهه: أفضل الأعمال انتظار الفرج من الله عز وجل, والصبر على قدر البلاء.

الدكتور معوض يدير حالياً مستشفاه الخاص (مستشفى الدكتور علي معوض جابر) بمدينة صعدة وهو مستشفى يقدم خدمات عديدة ضمن أقسامه التي تتمثل في: قسم الطوارئ العامة والحوادث، قسم الجراحة العامة، قسم أمراض الباطنة والأطفال، قسم العناية المركزة والحضانات، قسم أمراض وجراحة العيون، قسم الأنف والأذن والحنجرة، قسم جراحة المخ والأعصاب، قسم العظام والمفاصل، بالإضافة إلى أقسام الرقود والعزل وأقسام الأشعة بمختلف شعبها بما في ذلك أشعة الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية والأشعة السينية الرقمية وكذلك السونار والإيكو الخاصة بالقلب.. ويشير الدكتور إلى أن أهم ما ينقص هذا المستشفى هو قسم جراحة القلب والأوعية الدموية.

الجراحة الأولى

الانطلاقة الأولى للنجاح والحصاد العلمي والمهني للدكتور علي معوض بدأت منذ مرحلة مبكرة أثبت فيها تميزه وإصراره على الإنجاز.. وكأي يمني في زمنه مرت طفولته، لولا ما اقترنت به تلك الطفولة بشكل خاص، من مسئولية وجدية مبكرتين، جعلتا له ميزته وخصوصيته كشخصية جادة وطموحة تبحث لنفسها عن مكانها المناسب في مصاف المجتهدين والمتميزين.. ليصل بامتياز إلى الجامعة ويحصل على منحة دراسية خارجية في روسيا الاتحادية ليحصل على شهادة البكالوريوس عام 1995م من جامعة فولقاقراد ثم حصل على الماجستير من مدينة صدام الطبية العراقية للاختصاصات الطبية في العام 2003م بينما حصل على الدكتوراه من جامعة قومل الحكومية التابعة لروسيا البيضاء عام 2010م، مضيفا إلى رصيده الحياتي والعلمي منجزاً كبيراً متمثلا في درجة الدكتوراه.. ثم ليجد نفسه بعد ذلك في أول طريق الجد والحصاد وهو يجري عمليته الجراحية الأولى عام 2001م في العراق، وقد كانت، كما يتذكر، لامرأة حصل لها انفجار في المبيض الأيمن وتسبب في تقيح البطن كاملا..

الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب

Exit mobile version