المجلة الطبية

معيارية التشخيص خارج المعيارية !!

-
د. عبدالحميد الصهيبي *

أن تختلف نتيجة فحص ما من فترة لأخرى فذلك وارد .. إما لحدوث تغيرات طرأت على الحالة المرضية ناحية التحسن أو التدهور .. فهذا متوقع خصوصاً إذا ما ترافقت بعوامل مؤثرة كالعلاج أو الإهمال لفترة كافية من وقت إجراء الفحص الأول، وقد تتباين النتائج بين الفحص الأول والتالي نتيجة الأخطاء الطبية والتي تنجم عن عدة عوامل أهمها تقنية إجراء الفحص، والعامل البشري أو لأسباب تتعلق بالمحاليل وجودتها بما في ذلك جودة تصنيعها، صلاحيتها، أساليب نقلها وتخزينها.

ولكن وتحت عشرات الخطوط نضعها لطرق باب الخدمات التشخيصية، وأهمية أن تخضع للمعيارية وضمان الجودة في فضل حالة من التشكيك أصابتني وأنا أقابل شخصياً حالتين لا تتفقان مع أبجديات المعيارية.

قد يهمك .. أخصائي جراحة العظام والمفاصل الدكتور باسم المقطري يفسر لـ”الطبية” أسباب حدوث آلام الركبة

وغني عن القول الإشارة إلى أن وجود المستويات المعيارية لنتائج أي فحص تعتبر من الأدوات المساعدة للطبيب للتعرف على مؤشرات أولية عن التشخيص المرضي للحالة والتي تبنى عليها القرارات التالية سواء في التشخيص أو العلاج.. ومن البديهي الإشارة إلى أن تلك القياسات تُعدُّ من الثوابت التي لا تتغير إلا نتيجة أبحاث أو دراسات مرجعية لمدارس الطب المتخصصة والمعنية وأنها لم ولن تكون في يوم من الأيام قابلة للتعديل أو التحوير أو التبديل وفقاً لرغبة أخصائي المختبر.. أو حتى إدارة المرفق الصحي أو المستشفى أو غيره.

وهنا أضع علامة التعجب الاستنكاري والاستفهامي لأسباب حدوث الحالتين اللتين واجهتهما، واللتان تستدعيان الاهتمام الجاد بهذا المكون الهام في المنظومة الصحية.

والخطأ الذي أود الإشارة إليه.. ذو دلالة خطيرة حول جودة الخدمات الصحية وأساليب إدارتها إذ أنه أكبر عمقاً من خطأ تقني نتيجة العامل البشري، أو الأخطاء التي قد تنجم عن سلسلة الإمداد والتخزين والنقل السالف ذكرها، والمصيبة أنني هنا أتحدث عن مرفق طبي تشخيصي يأتي في مقدمة المرافق التي حققت ثقة عالية في أوساط الكوادر الطبية والمرضى على السواء، وهو كذلك الحال بالنسبة للمرفق الآخر والذي يمثل أحد الصروح الطبية الشامخة في تقديم خدمات الرعاية والعلاج وإجراء العمليات الجراحية العامة والتخصصية، وهو ما يزيد من أهمية إيلاء هذا الوضع بمزيد من القراءة والتقييم والتفكير الجاد في إخضاع كافة المرافق لتطبيق معيارية موحدة تجنب مثل تلك التناقضات، والتي قد تتسبب في قرارات كارثية.

وفي المختبر المشار إليه أعلاه ..قمت بإجراء فحص معدّل السكر التراكمي لمقارنة النتيجه لفحص سابق قمت بإجرائه قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الفحص الجديد، طبعا نتيجة الفحص كانت أفضل.. كنتيجة للفحص ذاته ولكنها بالمقارنة إلى الثوابت المعيارية (normal ranges) لم تتفق مع الوضع الجديد.. ليس ذلك فحسب بل إن اللافت بالنسبة لي هو التغير الحادث في تلك المعدلات بين الفحص الجديد والقديم.. والذي دفعني لأشد العجب!!

وحالة أخرى لم يمر عليها سوى أيام قليلة حيث تم إجراء فحص هرموني لابني الأصغر .. وفي إطار القراءة بالمقارنة للفحص السابق الذي قمنا بإجرائه قبل ذلك بشهر؛ تبين أن نتيجة الفحص الجديد للهرمون أظهر مستوى أعلى من الفحص السابق (تحسّن) في الوقت الذي لم تكن هناك أية  تدخلات علاجية .. والمفاجأة الصاعقة هي التغيير للثوابت المعيارية والتي زادت عن الأرقام المذكورة في الفحص السابق ..وبمقارنة النتيجة بالمعايير الجديدة تكون نتيجة الفحص متجهة نحو (التدهور)، في ظل عدم وجود عوامل تؤدي إلى تفاقم الحالة .. وهنا مكمن المشكلة وأساس الخطر.

إقرأ أيضاً.. الجراح علي معوض: تحصيل المال ليس أهم من رعاية المرضى

فكيف للطبيب أن يقتنع بنتيجة الفحص طالما أن الأرقام لا تتفق مع الثوابت والمعايير فما بالنا بالنتائج القابلة للتغيير، ببساطة فإن ما أود قوله؛ أن معيارية التشخيص بحاجة إلى معيارية وهي التي نراها غائبة وفي أغلب الأحيان منسية، ما يستدعي العمل الجاد في هذا المكون الأساسي والمهم من أجل حماية المرضى وضمان حصولهم على الخدمات العلاجية الملائمة بدلا من مزيد من الأضرار والمضاعفات للمرضى من خلال وصف أدوية لا تتناسب مع حالاتهم المرضية.. والله من وراء القصد.

وقفة تعجب !!

كان القرار بالنسبة للحالة الأولى قرار شخصي لي كطبيب يقوم بتقييم الحالة وفقاً للمعالجة القائمة ولكن القرار بالنسبة للحالة الثانية تم وفقاً لرأي طبيب الأطفال المتخصص .. وأخطر ما في الأمر أن الطبيب استند إلى الأرقام المعيارية المعدلة واتخذ القرار ببدء العلاج الهرموني !! وبرغم أني أقدّر واحترم قرار الطبيب أياً كان، ولكنه من وجهة نظري ووفقاً لما أشرت؛ إليه قرار عجيب يعتمد على نتيجة فحص غريب!!

 

  خبير وطني في مكافحة الإيدز والأمراض المعدية

Exit mobile version