المجلة الطبية

حتى لا يتحول الدواء إلى سم

-
د. عبد الحميد الصهيبي *

إن لم يكن وصف الدواء، صرفه، إرشادات استخدامه، أوقات تناوله وكميته وفترة تناوله فضلا عن ما سبق ذلك من عمليات تسعى لضمان جودته وتخزينه ونقله وعرضه بشكل سليم (فإن الدواء خطر) وقد يفتك بصحة الإنسان أكثر من فتك الأمراض التي وجدت الأدوية من أجل علاجها.

حول هذا الموضوع نسلط الضوء ومن عدة زوايا نتناول الدواء كسم كان لزاما علينا أن نتجرعه .. والبداية مع رمز الدواء وأماكن بيعه “الصيدليات” ومن ينسى ذلك الثعبان الذي يلتف على عصا وكأس.

لا أحد بالتأكيد ينساه من الأجيال الماضية، ولكن ما بات واضحا أن الأجيال القادمة لن تراه أساسا حتى تتذكره لأن الدواء للأسف الشديد تحول إلى سلع تباع ويتنافس تجارها على بيعها بكافة الطرق والأساليب بعيدا عن الحرص الذي ينبغي أن يترافق مع عمليات صرفها، كونها سماً وفي نفس الوقت قد يكون في تناولها الشفاء.

قد يهمك .. السرطان أحمال ثقيلة

حيث من اللافت أن اغلب الصيدليات اليوم انتهجت سياسة التضليل والإخفاء لماهية الدواء، فتم استبدال الثعبان بشعارات جذابة كالورود والأغصان لتعطي للناظر إيحاءً بحمالها وجمال ما فيها.

ومن المفيد التذكير بماهية الشعار القديم الذي ارتبط كثيرا بالصيدليات والمراكز الطبية وإلى عهد قريب.

فالثعبان يرمز للتجديد، حيث أنه  يقوم بتغيير جلده ليحصل على جلد جديد موسميا، و اسم الأفعى يأتي من اسم البروتينات التي لها مفعول الشفاء إذا أُخذت عن طريق الفم ولكنها مميتة ولها مفعول مسمم إن دخلت إلى مجرى الدماء بشكل مباشر، وهنا تكمن أهمية الموضوع إذ أن الدواء قد يكون سماً إن لم يستخدم بالشكل الصحيح.

فضلا عن ذلك فإن الثعبان يرمز إلى المعرفة، فكان الثعبان هو الرمز الذي اتخذه علم الطب والصيدلة، وهو تأكيد على أهمية العلم والمعرفة قبل وصف أو صرف الدواء لأن في غياب تلك المعرفة يتحول الدواء من وسيلة للشفاء إلى عنصر يحمل السم ويصنع الموت.

ومن المؤسف أن نجد الدواء في بلادنا سلعة تباع وتشترى دون التزام بالإجراءات والضوابط التي  تنظم عملية تصنيعها ، استيرادها ، نقلها وتخزينها ومن ثم صرفها.

ولست هنا في موقف الإنكار لأهمية الدواء ولكني أشدد على أن الدواء في بلادنا يمثل مشكلة أكثر من كونه حلاً للمشاكل الصحية.

ولاشك أن الإهمال والاستهتار أكثر مسببات الأخطاء التي ترافق الدواء واستخدامه في بلادنا.

ومن الصور التي تحكي عن نفسها بيع أدوية المضاد الحيوي في كثير من الصيدليات بالحبة، وهو دليل على خلل كبير يستدعي الإشارة والبحث في ما هو أشد قتامة من تلك الكارثة.

نعم فهي بالتأكيد كارثة، كون بيع أدوية المضادات الحيوية بشكل عشوائي واستخدامها بشكل خاطئ أو لفترات غير كافيه يعزز مقاومة البكتيريا لها ويسهم في إبطال مفعولها في أوساط المجتمع بشكل عام.

وبلا شك أن هذه الممارسة تحمل في طياتها مؤشرات ذات دلالة حول ما هو أسوأ ..إذ أن الذي يقوم باختراق جزء من قواعد الانضباط لن يتورع في اختراق القواعد الأخرى.

وتثبت التجارب أن من يقوم ببيع الدواء يركز جل اهتمامه حول البيع بغض النظر عن مطابقة ما يتم صرفه لما تم وصفه أم لا، ومن المؤسف أن تتكرر عملية اكتشاف صرف أدوية مختلفة عمّا كُتب في وصفة الطبيب.

إقرأ أيضاً .. أخصائي جراحة عظام ومفاصل يحذر من تجاهل آلام القدم والكاحل

ومن المحزن أن يتم ذلك عمدا، برغم معرفة العامل في الصيدلية وخصوصا إذا ما كان المريض من البسطاء، فلا يهتم العامل لمطابقة الدواء وإن تساءل المريض بشأن ذلك تكون الإجابة بنبرة حادة تؤكد ذلك، وقليل من المرضى يكتشف أن ذلك التأكيد كان منافيا للحقيقة.

هذا طبعا على افتراض أن العامل استطاع فك شفرة الكتابة على الوصفة التي قام بتسجيلها الطبيب، والتي في كثير من الأحيان تكون ناجمة عن الاستعجال في الكتابة وعدم إعطاء الوقت الكافي لكتابة الوصفة التي ينجم عن التساهل فيها انتشار أشد للداء بدلا من حصول الشفاء.

والأشد إيلاما أن تسمع عن أطباء يعمدون للكتابة بأسلوب لا يفهمه إلا متخصصون يتم التنسيق معهم والاتفاق معهم على نسب معينة يتم تسليمها للطبيب بشكل يومي، وتتسع في هذا المجال أشكال التجارة القذرة في بيع السموم لمن يبحث عن الدواء وممن يفترض أن يكونوا ملائكة للرحمة، فيتحولون بفعل المال إلى فراعنة للعذاب.

لم أتوقع أن يطول الحديث، ولكني وجدت ذلك واقعا مما يستدعي مقالا يتمم لما بدأناه ، وعن الدواء يتجدد اللقاء في عدد قادم، والى ذلك الحين نستودعكم الله والى اللقاء.

• خبير وطني في مكافحة الإيدز والأمراض المعدية

Exit mobile version