د. عصام محمد مهيوب *
تحت قيادة وزارة الصحة العامة ممثلة بمعالي وزير الصحة العامة وقطاع الرعاية الصحية الأولية والإدارة العامة لمكافحة الأمراض والترصد الوبائي يعتبر البرنامج الوطني لمكافحة السل هو المسؤول الأول عن الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بمكافحة السل في اليمن، ويعمل من خلال ثلاثة مستويات رئيسية وهي المستوى المركزي والذي يتمثل في إدارة البرنامج الوطني لمكافحة السل ومستوى المحافظات ومستوى المديريات.
تقوم هذه المستويات بتقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية في عموم محافظات الجمهورية والتي تتوزع على أربعة مراكز إقليمية رئيسية لمكافحة السل في كل من عدن والحديدة وتعز بالإضافة إلى مركز السل في البرنامج الوطني في صنعاء وحاليا بسبب الوضع السياسي لليمن يعتبر المركز الرئيسي في محافظة عدن منفصلا إداريا.
قد يهمك .. خطة علاجية صارمة تُعيد “أمل” للحياة
وفي هذه المراكز يتم تقديم خدمات التشخيص بواسطة فحص البصاق المباشر والفحص الزراعي، والفحص بواسطة أجهزة الـ “جين اكسبرت”، ومعالجة مرضى السل المقاوم للأدوية وتقديم العلاج لمرضى السل والسل المقاوم للأدوية مجاناً.
كما يوجد في كل محافظة من محافظات الجمهورية مركز لتشخيص وعلاج السل تحت إدارة منسق السل ومشرف مختبر وأطباء، ومراكز السل في المحافظات تتبع إدارة البرنامج الوطني من الناحية الفنية وتتبع إداريا مكاتب الصحة في المحافظات.
وتقدم خدمات رعاية مرضى السل في 333 مديرية منها 270 تقدم خدمات تشخيصية وتعمل تحت إشراف منسق السل بالمديرية ومشرف مختبر وجميع العاملين في هذه المراكز مدربون ومؤهلون لتقديم خدمات رعاية مرضى السل وجميع هذه المراكز تعمل في إطار شبكة الرعاية الصحية الأولية ويتواجد فيها علاج السل مجانا.
ولمكافحة هذا المرض والقضاء عليه تقوم وزارة الصحة من خلال البرنامج الوطني لمكافحة السل بجهود متواصلة وجادة ستساهم إلى حد كبير في خفض معدلات انتشار المرض والوفيات الناتجة عنه والوقاية منه بالشراكة والتعاون مع المانحين الدوليين والمنظمات الدولية وأخص بالذكر الصندوق العالمي لمكافحة السل والإيدز والملاريا كداعم مالي ومنظمة الصحة العالمية كداعم فني.
ولا يزال السل في اليمن يمثل إحدى المشكلات الصحية والاجتماعية حيث قدرت منظمة الصحة العالمية أن 14000 شخص يصابون بالسل سنويا وبمعدل حدوث 49 حالة سل جديدة لكل 100.000 من السكان. كما قدرت منظمة الصحة العالمية أن معدل الوفيات من مرض السل في اليمن يقدر ب 7 وفيات لكل 100.000 من السكان وتُصنَّف اليمن بأنَّها من الدول ذات معدّل الإصابة المتوسط بهذا المرض.
وبحسب إحصائيات البرنامج الوطني لمكافحة السل للعام 2021 فقد بلغ عدد الحالات المكتشفة 9387 حالة سل منها تقريبا 63% سل رئوي و37% سل خارج الرئة حيث أن نسبة ما يقارب 70% من إجمالي الحالات المكتشفة في العام 2021 تم اكتشافها في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية وهي أمانة العاصمة 15% تليها حجة بنسبة 13% والحديدة بنسبة 12% وتم اكتشاف 11% من محافظة إب و10 % من محافظة عدن ونسبة 9 % من حالات السل تم اكتشافها في محافظة تعز وبلغ معدل نجاح المعالجة 88%، وحوالي 2000 وفاة تحدث سنويا بسبب مرض السل.
وفي العام 2020 بلغت عدد الحالات المبلغة في معظم المحافظات 8903 حيث كانت الأقل في السنوات الثلاث الماضية وذلك بسبب جائحة كرونا الذي يتشابه بالأعراض مع مرض السل وتأثرت به جميع دول العالم وبلغ إجمالي الانخفاض في عدد الحالات حوالي 1381 حالة مقارنة بالعام 2019 وبنسبة 12% تقريبا، بينما ارتفع عدد الحالات المبلغة في 2021 بنسبة 5% مقارنة بالعام 2020 وتم معالجة جميع حالات السل المكتشفة وبلغ معدل نجاح المعالجة 88 % للحالات المكتشفة في العام 2020.
من الناحية العمرية فقد كانت الإصابة بالسل والأكثر انتشارا في الفئة العمرية بين 15-44 عاما وهي الفئة العمرية المنتجة والشابة في اليمن، علاوةً على ذلك فان السل ينتشر في الذكور أكثر من الإناث بحسب بيانات البرنامج للعام 2021.
وأما بالنسبة لحالات السل المقاوم للأدوية والذي يعتبر الخطر المحدق والتحدي الأكبر فان نسبة حدوثه في اليمن ما زالت منخفضة مقارنة ببعض الدول حيث يقدر معدل انتشار السل المقاوم للأدوية المتعددة بنسبة 1.4% لحالات السل الجديدة و14.4 % بين مرضى السل الذين عولجوا سابقا أو انقطعوا عن مواصلة علاج السل العادي. وقد تم اكتشاف 390 حالة سل مقاوم للأدوية المتعددة حتى نهاية العام 2021.
– الخدمات التشخيصية المخبرية:
تهدف الخطة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السل (2017-2021) إلى التحديد المبكر لحالات السل المفترضة، والتشخيص الفوري للسل باستخدام اختبارات تشخيصية حساسة والوصول إلى تشخيص دقيق بما في ذلك حالات السل المقاوم للأدوية، لذا عمل البرنامج على توسيع شبكة مختبرات السل لتوفير وصول أفضل إلى خدمات تشخيصية مضمونة الجودة.
حيث يتم تقديم الخدمات مجانًا للمرضى المصابين بمرض السل أو المرضى المحالين من المستشفيات ومن مرافق الصحة العامة أو القطاع الخاص. كذلك يتم عمل فحص ضبط الجودة لهذه المختبرات في المختبر المرجعي للبرنامج وبواسطة مشرفي المختبرات في المحافظات، والفحوصات التي تعمل في المختبرات التابعة لبرنامج السل هي:
1- الفحص المجهري المباشر للبصاق: يتوفر في 270 مختبرا لفحص السل ومنتشرة في جميع المحافظات وفي معظم المديريات وبنسبة 87% من مديريات اليمن وقد تم خلال الثلاث السنوات الماضية فحص 89750 من الحالات المفترض أو المشتبه إصابتها بالسل.
2- الفحص الجزيئي لتشخيص السل: تم إدخال تقنية جديدة لتشخيص السل وهي الفحص الجزيئي للسل بواسطة جهاز الجين اكسبرت حيث تم توفير عدد 10 أجهزة للمحافظات الرئيسية (امانة العاصمة – عدن – المكلا– حجة – إب – ذمار – الحديدة) وتعتبر هذه التقنية أحدث وأدق وسائل تشخيص السل عالميا وتستخدم أيضا لكشف المقاومة العلاجية للريفامبيسين، وبلغ عدد المستفيدين من هذه الخدمة التشخيصية الدقيقة والحديثة في السنوات الثلاث الماضية 8085 مريضا من بينها 3046 حالة سل تم تشخيصها باستخدام هذه التقنية بعد أن كانت هذه الحالات مشكوكا في إصابتها بالسل.
3- الفحص الزراعي للبصاق والعينات الأخرى: قام البرنامج في السنوات الماضية بتأسيس 4 مختبرات مزارع لعينات السل ولكن بسبب تدمير مركز الدرن في تعز فإن المختبر الوحيد الذي يعمل حاليا هو المختبر المرجعي بصنعاء. وخلال الأعوام 3 الماضية تم عمل مزارع لعدد 2447 حالة كانت منها 32 حالة سل مقاوم للأدوية المتعددة و53 حالة مقاومة للريفامبيسين وتم البدء بعلاج الحالات المقاومة للعلاج بأدوية الخط الثاني.
– التحري والكشف عن حالات السل في أوساط الفئات الأكثر عرضة:
يزداد خطر انتشار السل في المجموعات الأكثر عرضة للإصابة بسبب ضعف المناعة والازدحام وعدم توفر وسائل وإجراءات مكافحة العدوى في هذه الأماكن وخصوصا مخيمات اللاجئتين والنازحين وفي الإصلاحيات وقد تمت زيارة الفريق الطبي المتنقل التابع لبرنامج السل إلى هذه الأماكن حيث بلغ عدد الزيارات التي نفذها الفريق الطبي 34 زيارة خلال الفترة 2019-2021 وشملت 88 موقعا (45 مخيما للنازحين و15 مخيما للمهمشين و17 إصلاحية مركزية، ومخيم واحد للاجئين ومدرسة واحدة للأيتام) وقد بلغ عدد المستهدفين بهذه الزيارات 130338 شخصا و351 قياديا مجتمعيا بالإضافة إلى 120 عاملا صحيا مجتمعيا وتم إجراء الكشف لعدد 1279 شخصا مفترض إصابتهم بالسل من بينها تم اكتشاف 105 حالات ايجابية وتم وضعها تحت العلاج في وحدات السل القريبة منها.
– التحديات والصعوبات التي تواجه البرنامج:
رغم التقدم بمكافحة السل في اليمن خلال السنوات الماضية وتخفيض معدل الحدوث السنوي للسل من 120 حالة لكل 100 ألف نسمة من السكان إلى 49 حالة لكل 100000 نسمة من السكان، إلا أن البرنامج ما يزال يواجه تحديا في تغطية جميع حالات السل المقدر حدوثها في اليمن حيث يقدر أن 30 % من حالات السل لا تزال مفقودة ولا يتم علاجها تحت إشراف البرنامج الوطني لمكافحة السل ومن التحديات أيضا قلة الدعم المقدم من المانحين والذي لا يفي بتنفيذ جميع الأنشطة المتعلقة بمكافحة مرض السل والوقاية منه وكذلك فرض سياسات نقدية تؤدي إلى تأخير تنفيذ أنشطة البرنامج، بالإضافة إلى عدم توفر موازنات حكومية لفروع البرنامج في المحافظات ومحدودية الدعم الحكومي المقدم للبرنامج لتسيير أعماله اليومية واعتماد برنامج السل في اليمن على الدعم الأجنبي المقدم من المانح الوحيد الصندوق العالمي لمكافحة السل والإيدز والملاريا وبنسبة أكثر من 90% وهذا يهدد استمرارية البرنامج فيما لو توقف الدعم الخارجي، ويواجه البرنامج مشكلة أخرى تتمثل في عزوف وتسرب بعض العاملين المدربين في مجال مكافحة السل في جميع المستويات بسبب عدم توفر الدعم والحوافز التشجيعية وعدم صرف بدل عدوى كونهم يعملون مع مرض معدٍ.
والتحدي الأكبر والممتد لأكثر من سبع سنوات مضت هو الحرب والحصار الجائر الذي أثر على جميع البرامج الصحية في بلادنا.
إقرأ أيضاً .. وحدة مكافحة السل تنقذ عُرس فتاة في اللحظة الأخيرة
– نبذة عن الخطة المستقبلية للبرنامج الوطني لمكافحة السل:
إن أبرز خطط البرنامج للفترة المقبلة تتركز على رفع عدد الحالات المكتشفة وتقوية شبكة المختبرات وتعزيز نظام المتابعة والتقييم ودعم المرضى والعاملين بالإضافة إلى تعزيز الوقاية من مرض السل وذلك من خلال ما يلي:
– التوسع في خدمات التشخيص الجزيئي للسل والسل المقاوم للأدوية بتوزيع أجهزة الجين اكسبرت على جميع المحافظات.
– تعزيز التحري والكشف عن المصابين أو المشتبه إصابتهم بالسل في الفئات الأكثر عرضة مثل المخالطين والنازحين واللاجئين وفي السجون.
– إنشاء نظام معلومات الكتروني للتسجيل والتبليغ يربط جميع المحافظات بالمركز الرئيسي.
– تقديم مقترحات لتوفير دعم غذائي لمرضى السل وللعاملين في مجال السل لبعض المنظمات الدولية العاملة في اليمن – استمرار دعم مرضى السل المقاوم للأدوية بالسلال الغذائية.
– تحسين مكافحة العدوى في المرافق التابعة للبرنامج وزيادة أنشطة التوعية الصحية بمكافحة العدوى.
– تنفيذ الأنشطة الاعتيادية للبرنامج.
وختاما لهذا المقال أتقدم بالشكر والامتنان لقيادة وزارة الصحة العامة ممثلة بمعالي وزير الصحة العامة وسيادة الأخ وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الصحية الأولية وللأخ العزيز مدير عام مكافحة الأمراض والترصد لدعمهم ومساندتهم كافة الجهود لمكافحة السل في اليمن.
كما أشكر زملائي منسقي السل ومشرفي مختبرات السل والعاملين في مجال مكافحة السل في المحافظات والمديريات لدورهم الكبير ولجهودهم المتواصلة لمكافحة السل، والشكر لكل من ساهم بمكافحة السل في اليمن.
* مدير البرنامج الوطني لمكافحة السل
كُتب هذا المقال ضمن الحملة التي أطلقتها المجلة الطبية، تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة السل 2022، بالشراكة مع البرنامج الوطني لمكافحة السل والمركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بصنعاء ومنظمة الهجرة الدولية ومنصة (عوافي).