سقطت العشرينية كاذية سالم (اسم مستعار) فجأة في تنور الغاز أثناء طباخة الفطائر والخبز بعد أن باغتتها نوبة صرع لتصاب بحروق كثيرة طالت معظم جسدها.
لم يكن أحد بالجوار، فقط والدتها –التي روت القصة للمجلة الطبية– كانت عند باب المنزل في أحد أرياف محافظة شبوة شرق اليمن، منشغلة بتقديم الطعام للأغنام عندما تناهى إلى مسمعها صوت دربكة بدلا عن صوت كاذية التي كانت تسأل عن موعد قدوم إخوانها من الوادي.
تقول والدة كاذية –التي ترافق المريضة في مركز الحروق بالمستشفى الجمهوري بصنعاء منذ أكثر من شهر للعلاج–“كانت النار تشتعل بجسد ابنتي ونصفها منغمس داخل التنور“ استذكار تلك اللحظة يفتح بوابة الدموع في عيني الأم ويجبرها البكاء على التوقف عن الحديث للحظات.
لقد سارعت لإطفاء النار التي اشتعلت في ملابس وشعر وذراعي كاذية وهي تصرخ مستغيثة بمن يصله صوتها لمساعدتها في إخراج الفتاة وإسعافها إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي، حد وصفها.
أصيبت كاذية بجروح غائرة وحروقمن الدرجة الأولى والثانية ،بحسب التقرير الطبي، واضطر الأطباء لإزالة مساحات من جلدها وأجزاء من اللحم في الذراعين والأكتاف والرقبة بعد أن أتلفتها النار بشكل يصعب علاجها.
لم تكن المرة الأولى التي تسقط فيها كاذية نتيجة نوبة الصرع، إنها تعاني من مرض الصرع منذ كانت في الخامسة من العمر، بسبب شحنات كهربائية زائدة في الدماغ ،وفقا لوالدتها، التي أكدت أن ابنتها كانت تتلقي العلاج وتمارس حياتها بشكل طبيعي ، ولكن نتيجة عدم الانتظام في العلاج مؤخرا أصبحت النوبات تعاودها من وقت لآخر.
ورغم أن طبيبها المعالج في شبوة سبق وأن حذر العائلة من ترك كاذية بمفردها، أو السماح لها بالمرور من حافة أو مكان شاهق، أو البقاء بجوار أشياء حادة، بحسب والدتها، إلا أن تحسنها أثناء الانتظام على الدواء طمأن عائلتها، ولم يتنبهوا لعدم التزامها مؤخرا في استخدام الدواء حتى وقعت الحادثة.
وبينما كانت الأم تتحدث للمحرر قطع صوت كاذية الحوار وهي تسأل عن الوقت، لقد فقدت حاسة النظر بسبب الحريق الذي ألحق أضرارا بالغة في عينيها وأتلف غضاريف الأذنين وجزءا كبيرا من الأنف وفروة رأسها وذراعيها.
كاذية مجرد حالة ضمن آلاف اليمنيين المصابين بمرض الصرع والذين نشاهدهم بشكل مستمر وهم يتساقطون في الشوارع إثر نوبات الصرع المفاجئة، وغالبا ما يصابون بالتشنجات وقضم اللسان ، فيتدخل المارة لتثبيت أجسادهم على الأرض حتى لا يصيبون أنفسهم أو الآخرين بأي أذى.
وفي هذا السياق يشير بعض أخصائيي المخ والأعصاب إلى تزايد أعداد مرضى الصرع من وقت لآخر، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي وما خلفته الحرب من أوضاع غير طبيعية، مشيرا إلى أن افتقار الكثير من المراكز الصحية والمستشفيات في معظم المحافظات لأطباء متخصصين في هذا المجال ضاعف معاناتهم، إذ يضطر أهالي بعض المرضى لنقلهم إلى المدن الرئيسية لتلقي العلاج.
ووفقاً للأخصائيين،فحتى المؤسسة اليمنية لعلاج مرض الصرع لم تقم بأي شيء أو تساند هؤلاء المرضى ومساعدتهم في محنتهم المرضية.
وكما يؤكد أطباء المخ والأعصاب وأمراض الصرع أن معاناة مرضى الصرع تتضاعف في المناطق الريفية والنائية باليمن، نتيجة عدم توفّر مراكز وعيادات متخصصة لعلاج الأمراض العصبية هناك، الأمر الذي يدفعهم إلى الانتقال إلى صنعاء أو مركز المحافظات الرئيسيةفي ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة.
وأفادوا بأن الكثير من أهالي المرضى لا يستطيعون مواجهة نفقات العلاج وتكاليف السفر والتنقلات من مدينة إلى أخرى مما يضطر المرضى للتعايش الخطر مع المرض دون علاج وملاقاة مصير كاذية أو حوادث مشابهة.