تحقيق/ غيداء العديني
تشبَّثتْ «ختام» ذات العامين ونصف بوالدتها واختبأتْ خلفها حينما رأتني اقْتَرِبُ منهما لتحدِّثَني والدتها عن مرض ختام، ظناً منها أنني إحدى الممرضات التي تقوم بضرب الإبر لها باستمرار، ابتعدتُ قليلاً لتشعر بالأمان ولتتمكَّن والدتها من الحديث، والتي روتْ أن البداية كانت عندما ظهر ورم في رأسها عندما كان عمرها لا يتجاوز العام والتسعة أشهر ورغم أنهم سارعوا بإجراء الفحوصات اللأزمة في محل اقامتها بمدينة الحديدة إلا أنه لم يكتشفوا كنه الورم..
أتوا بها إلى صنعاء وأجروا لها الفحوصات اللازمة، وتم تشخيص المرض قبل 6 أشهر من الآن حيث اتضح أنه ورم سرطاني، واستدعى الأمر إجراء عملية لوضع جهاز في رأسها لأن السوائل تصعد إليه والجهاز يمنع ذلك، وسيظل هذا الجهاز حتى تتحسَّن حالتها وقد يظل طيلة حياتها، ثم بعد شهرين من تشخيص الورم قاموا بإجراء عملية استئصال له، والآن تستخدم الجرع الكيماوية كل 21 يوماً، وعلاجها المقرر مكلف للغاية.
«لؤي»- 6 سنوات -من ذمار أيضاً يعاني من ورم كما أخبرتنا عمته، بدأ بظهور حبة في الفخذ حين كان بعمر العامين وقاموا بإجراء فحوصاتٍ له في ذمار واعطائه مرهماً لاستخدامه، لكن الحبة ظلّت تكبر وبعد 5 أشهر أتوا به إلى صنعاء، وتم أخذ عينة لفحصها لكن الورم استمر بالانتشار ما اضطرهم لإجراء عملية استئصال للورم وكان يعتقد الأطباء بأن لؤي ربما لن يعاود المشي مجدداً، لكن مرَّ كل شيء على خير ما يرام، وقاموا بعمل جرعاتٍ كيماوية وإشعاع بمستشفى خاص بما يقارب الـ450 ألفاً، ، وعاد لؤي إلى صنعاء للمراجعة لدى المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان قُبِيل يومٍ من لقائنا معه، وقيل أن حالته في تحسُّن ولكن لا بد من العودة بين الحين والآخر للاطمئنان التام على صحته.
ختام ولؤي – ضمن مئات الأطفال المصابين بمرضى السرطان المسجَّلين لدى المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، حيث أن الأطفال الذين قدَّمت لهم المؤسسة خدمات الرعاية الصحية بلغ عددهم 500 طفل، وفقاً للدكتور ماجد جابر أخصائي إدارة التسجيل والإحصاء بالمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، بينما الإحصائية للمصابين تُعدُّ أكبر من هذا الرقم كما يقول الدكتور جابر.
السرطان .. العوامل والوقاية
اكد أخصائي أورام الأطفال بالمركز الوطني لعلاج الأورام الدكتور أنور الرجوي أن العديد من أورام الأطفال تظهر في وقت مبكر جداً من حياة الطفل، ومع أن نشوء بعض هذه الأورام يُعدُّ كنتيجة للتهيؤ والاستعداد الوراثي أو العائلي، حسب التعبير الشائع، (وإن كانت الإصابة ليست بالضرورة حتمية، وإنما يزيد الاستعداد الوراثي من احتمال العُرضة لها)، إلا أن الأسباب وراء معظم أورام الأطفال تظل مجهولة تماماً.»
موضحاُ أنه رغم التلوث الإشعاعي والتعرض للإشعاع سواءً النووي أو غيره، إضافة إلى حوادث التلوث بالنفايات السامة، جميعها تساهم في زيادة احتمالات ومعدلات حدوثها، إلا أنه وخلافاً لأورام الكبار، لا يمكن إيجاد علاقة بينها وبين عوامل الخطورة الناجمة عن أسلوب الحياة والعادات الصحية السيئة مثل التدخين أو تعاطي الكحوليات والمخدِّرات، أو التغذية غير الصحية أو الخمول ، ناهيك عن عوامل الخطورة الناجمة عن ظروف العمل مثل التعرض المستمر للكيماويات السامة، أو العمل قرب المجالات الكهرومغناطيسية عالية التوتر أو غيرها.
ونوّه إلى أن الوقاية من السرطان ممكنة عن طريق الاهتمام بتناول الغذاء الصحي، وأخذ اللقاحات، وممارسة الرياضة، والفحص الدوري، وتجنُّب زواج الأقارب، والتدخين السلبي، والبدانة، والتعرُّض للشمس لفتراتٍ طويلة، بالإضافة الى الكشف المبكر عنه.
التكاليف الباهظة للعلاج
تكلفة علاج مرض السرطان باهظة للغاية وتختلف باختلاف نوع السرطان ومدة العلاج ،يقول رئيس صندوق مكافحة السرطان بالمستشفى الجمهوري الدكتور عبد السلام المداني أن هناك مرضى يحتاجون لأكثر من 25 جلسة بالعلاج الإشعاعي بما يزيد عن 500 ألف، والبعض بحاجة لعلاج بالكيماوي بأكثر من مليون ريال حيث أن الجرعات شهرية.
يؤيد ذلك الدكتور ماجد جابر بقوله: معظم العلاجات مكلفة يصل بعضها إلى 300 ألف للعلاج الواحد والمريض يحتاج لعدة جلسات، وهناك علاج اسمه(HERCEPTI 440mg) تكلفته 450 ألف ريال، وأكثر العلاجات التي يتم صرفها للأطفال ضمن العلاج الكيماوي هي (MP6) و (VINBLASTINE) و FLUOROUACIL))، وإبرة المناعة (NEUPOGEN) فعند العلاج الكيماوي تهبط المناعة وهذا العلاج يعمل على رفع المناعة.
مضيفاً أن تكلفة العلاج للمريض الواحد تقارب الـ150 ألفاً تتوزع على الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي، والأطفال يحتاجون بجانب الرنين إلى تخدير، لا تشمل العلاج بالإشعاع والعلاج الكيميائي.
وتقدِّم المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان المساعدة للمرضى حسب إمكانياتها في قيمة العلاج بنسبة 30% من قيمته إذا كان العلاج الكيماوي متوفراً في المستشفى الجمهوري، وإذا لم يكن موجوداً في المستشفى الجمهوري تقوم المؤسسة بتوفيره، إلى جانب توزيع سلة غذائية شهرياً.
وتشير الأرقام في الإحصائيات الجديدة التي حصلت عليها (المجلة الطبية) من إدارة العلاقات العامة قسم الإعلام والتثقيف الصحي بالمركز الوطني للأورام في المستشفى الجمهوري إلى أن إجمالي عدد حالات المصابين بالسرطان المسجلين في المركز خلال عام 2016 وصل إلى 4829 حالة، منها 2238 ذكور و 2611 إناث، وهو أكبر من إجمالي عدد الحالات في 2017 الذي بلغ 4793 حالة، منها 2255 ذكور و 2538 إناث، فيما شهد عام 2018 ارتفاعاً في عدد الحالات إذ وصل الإجمالي إلى 5923 حالة، منها 2418 ذكور و 2911 إناث. ويُلاحظ من هذه الإحصائيات أن عدد إصابات الإناث أكثر من الذكور.
أكثر الأنواع شيوعاً
وألمح الدكتور انور الرجوي إلى أن هناك العديد من أنواع السرطان لدى الأطفال مثل أورام الدماغ، والأورام الليمفاوية عدا هودجكن، والورم الجذعي العصبي، وسرطان البلعوم الأنفي، والورم الأرومي الكبدي، ومرض هودجكن، وورم خلايا العظم النسيجي، وورم العضلي المخطط، وورم ويلمز، وورم أرومة الشبكية، وسرطان الدم.
مضيفاً أن سرطانات الأطفال الثلاثة الأكثر شيوعاً في اليمن هي سرطان الدم (اللوكيميا)، وسرطان الغدد الليمفاوية، وسرطان الدماغ والجهاز العصبي المركزي، ويختلف عن سرطان الكبار في أن سرطان الأطفال يحدث غالباً فجأة، ولا تسبقه أعراض مبكِّرة، ومعدّل الشفاء فيه مرتفع مشروطاً بمدى توفر الرعاية الصحية.
عوائق كبيرة وظروف صعبة
الصعوبات هي الشيء المشترك الذي يواجه المركز والمؤسسة والصندوق، ما يؤدي إلى تضاؤل في تحقيق الطموحات المراد تحقيقها، ويخبرنا الدكتور ماجد جابر حول ذلك بقوله: «العراقيل التي نواجهها كبيرة جداً، منها قلة الإمكانيات وعدم وجود دعم، وأنه لا يوجد من ينظر إلى هذه الفئة بعين الاهتمام والرعاية، ولهذا يوجد بعض القصور.
بينما يحدِّثني الدكتور: أتى ولي أمر مريض لطلب حقنة المناعة، لكن الدكتور عجز عن توفيرها وقال «نقوم بتوفير 100 حقنة من هذا النوع ومع الأسف لقد نفذت الكمية «.
من جهته يصف الدكتور الرجوي الظروف الراهنة بالصعبة والحزينة للغاية، وبسببها يعاني مريض السرطان وتتبعها العواقب، ولكن مركز الأورام ما زال يقدِّم هذه الخدمة الإنسانية بشكل مقبول، من توفير للأدوية والاستمرار بتقديم الخدمات رغم الظروف الصعبة.
بدوره يؤكد الدكتور المداني أن هناك الكثير من المعوقات تتمثّل في عدم استجابة بعض الشركات والجهات لدعم الصندوق بما ينص عليه القانون، على الرغم من تنفيذ إحدى الشركات للقانون بدون جدال، وتطبيق أخرى لبعض نصوصه، إلا أن الاتصالات تساعد بشكل أكبر في التمويل، وعدم الاستجابة للدعم يشكّل صعوبة في تحقيق ما يُطمَح إليه، مضيفاً: «أن مرضى السرطان ومرضى الفشل الكلوي كانوا مهمَلين، ونشعر أن علينا مسئولية كبيرة تجاههم، خاصة عندما نرى كثرة الازدحام والحالات.»
واستطرد: «ربما قلة الدعم المالي يعوقنا قليلاً لكن إن شاء الله سنتجاوز ذلك، وأتمنى أن تكون زيارتكم القادمة بإذن الله بعد 3 أو 6 أشهر وقد قمنا بشيء آخر، ويكون المبنى المجاور قد أنشئ تماماً.»
صندوق مكافحة السرطان
افتتح صندوق مكافحة السرطان بالمستشفى الجمهوري بداية الشهر الجاري قسم الأطفال في المركز الوطني لعلاج الأورام، لتخفيف الضغط على المركز الذي يستقبل جميع المرضى من كل الأعمار ورغم وجود بعض الإشكاليات في المركز، فان هناك تنسيقاً مع الصندوق من أجل تجاوزها.
وبحسب رئيس صندوق مكافحة السرطان الدكتور عبد السلام المداني «يعمل الصندوق مع المركز على مشروع إقامة مؤتمر طبي، حتى يكون الأطباء على إطلاع بكل ما هو جديد، ويتفاعلوا مع ما يحدث في العالم من ناحية الوصفات الطبية أو البروتوكولات أو غيرها.
وتابع الدكتور المداني: «نحن في صدد استكمال المبنى المجاور «الوسائل التشخيصية»، وتوسيع مركز علاج اللوكيميا ببناء دورٍ ثانٍ، ولدينا آمال مستقبلية بخصوص إنهاء مبنى «المركز الشامل للأورام في الجرداء»، إذ يحتاج إلى أكثر من 800 مليون، وقمنا بتأجيله ريثما نبدأ بالأشياء البسيطة التي يمكن إنجازها، وتقدِّم خدمات ملموسة للناس في الوقت الراهن.»
وأضاف: «أنشأنا وحدة التثقيف والتوعية وسوف نبدأ ببث رسائل تلفزيونية وتوزيع بروشورات على المدارس، كما قمنا بصرف مكافآت للعاملين في مركز اللوكيميا بمستشفى الكويت حتى تستمر الخدمة بالنسبة للأطفال، لافتاً إلى أن هناك خطة لتكوين شراكة مع الإخوة في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان لرفع معاناة المرضى بالنسبة لاحتياجهم من الأدوية أو العلاج الإشعاعي، وتم اقتراح مشروع إنشاء صيدلية للمؤسسة بجانب المركز، بحيث يتحمّل كل من المؤسسة والمركز والصندوق جزءاً، بشكل متكامل.