fbpx
فلاش3 ديسمبر 2021

يوميات متطوعة في القطاع الصحي

mohammed alghobasi
2022-12-07T18:04:06+03:00
تشخيص
5 ديسمبر 2022آخر تحديث : الأربعاء 7 ديسمبر 2022 - 6:04 مساءً
Ad Space
يوميات متطوعة في القطاع الصحي
Ad Space
علياء رضوان شمسان

يوميات متطوعة في القطاع الصحي

في الصباح الباكر من يوم السبت الموافق 9يونيو 2018 توجهت مع والدي إلى مستشفى حكومي قريب من منزلنا، للعمل كمتطوعة لتقديم ما يمكنني للمساعدة في الرعاية الصحية للمرضى (لم يكن لدي حقًا أي خبرة تطوعية سابقة لأقدمها، لكني قبل ذلك التاريخ كنت قد أكملت عدة دورات في الإسعافات الأولية في حالات الطوارئ، إضافة لنسبة من الاطلاع عبر الانترنت حول أهم أعمال المتطوعين والواجبات التي يجب الالتزام بها) كنت سعيدة للغاية، فمنذ الليلة السابقة وأنا أتخيل نفسي في جلسة توجيهية لتدريب المتطوعين، وأرتدي البالطو الخاص بالمتطوعين، وحول عنقي بطاقة هوية تحمل صورتي موضح عليها عملي كمتطوعة.

قدمت طلباً إلى مدير المستشفى، رحب بنا لكنه صدمنا بقوله لا وجود لأي برنامج ينظم عمل التطوع في المستشفى، ثم أردف بالقول أنه سوف يتواصل بنا في حال الاحتياج، لحظتها شعرت بخيبة أمل كبيرة، فمن الغريب جدا عدم الاهتمام بالبرامج التطوعية وخصوصا في قطاع الرعاية الصحية، ثم أدركت أن معظم المؤسسات ليس لديها آليات وأنظمة خاصة بالعمل التطوعي وكأنه أمر لا حاجة له، وهذا خطأ فادح من تلك الجهات، ويجب على الحكومة سرعة الالتفات إليه ومعالجته.

انتظرت لأسبوع، ولم أجد أي رد، لكني لم استسلم، عدنا مرة أخرى إلى المستشفى، وقابلنا المدير، وشرحت له موقفي واهتمامي الشديد بالتطوع في المستشفى، ورغبتي القوية بتقديم أقصى طاقتي في المساعدة، واستعدادي لتقديم مستوى الالتزام المطلوب، وكل الأسباب الأخرى وقدمت له شهادات حضور دورات الإسعافات الأولية، بعد ذلك أبدى موافقته وحولني الى المدير الفني الذي أحالني إلى قسم الاستقبال في المستشفى.

قد يهمك..الصحة العالمية: ذوو الإعاقة أكثر فئات المجتمع عرضة للوفاة

طوال الأسبوع الأول جلست في مكتب الاستقبال، لم أفعل شيئا هناك، ولم أتمكن حتى من تحية الناس، كنت اعتقد أنني سألقى تدريبا وبرنامجا محددا لما يجب عليَّ القيام به، وأنني سأجد المزيد من التفاعل مع الأطباء، غير أني لم أجد أي شيء مما توقعته، فكانت أيامي الأولى في التطوع مملة للغاية، وتساءلت كثيرا عن الهدف من بقائي هناك؟ لدرجة أنني قلت في نفسي يبدو أنهم لا يحتاجونني، رغم أن المستشفى مزدحم جدا بالمرضى والجرحى، كنت أشعر بالارتباك والانزعاج، الأمر الذي يحول، للأسف، يومك الجيد الى يوم سيئ.

تحدثت إلى المدير الفني في المستشفى وشرحت له الأمر، لم يتفاعل معي على الإطلاق، وهذا الموقف السلبي جعلني أفكر في موقفي والجدوى من استمراري، ولم استطع البقاء بتلك السلبية، وبعد جلسة تأمل تغلب الشغف على القلق، وأدركت بسرعة أنني بحاجة لأخذ زمام المبادرة، وأن أبحث بنفسي على دور إيجابي، فقلت لنفسي، إذا كنت أرغب حقا في الوصول إلى النقطة التي يمكنني فيها مساعدة الناس كطبيبة مستقبلية، فيجب عليَّ من الآن تحمل كل الأجزاء الصعبة والمملة كي أتمكن من الوصول إلى هدفي، ودوري مهما كان صغيرا سيمكنني من رؤية الصورة الأكبر، كانت الرغبة في مساعدة المرضى مهمة، لكن حب الطب هو الذي مكنني من تحمل الأجزاء الصعبة من العمل التطوعي.

قررت أن أعمل بجد، وأتحمل المصاعب، لأن ذلك سيختبر حقا مدى اهتمامي بالطب، ومدى استعدادي لتحمل مثل هذه المهام طوال سنوات حياتي، وحافظت على المنظور الصحيح في كل ما أفعله، قررت أن أفعل كل ما يمكنني بحذر وثقة وبشكل صحيح، فأنا أعرف ما يلزم لتحويل الحلم إلى واقع وفي النهاية إلى حقيقة واقعية.

بداية الأسبوع الثاني تركت مكتب الاستقبال وشرعت بسؤال الممرضات “كيف يمكنني المساعدة؟”، بعضهن طلبن مني المساعدة في تنظيف غرف الفحص أو تسليم عينات المختبر أو المساعدة في نقل المريضات، ثم طلب مني أحد الأطباء مساعدة المرضى في قسم الرقود، وكان هذا الجزء الأكثر إثارة لي.

في الأيام التالية، على مدى شهرين ونصف، التزمت بحضور 4 ساعات يومياً بانتظام، وتمكنت من الاستمتاع بتجربة التطوع أكثر، كنت أخدم المرضى والممرضات والأطباء بطرق مباشرة وغير مباشرة، وأحيانا أتجول في المستشفى فقط لأقول مرحبا لكل شخص أقابله، فأنا أحب لقاء الناس بشكل عشوائي، وأقترب بسهولة منهم، وأتحدث إلى الجميع وأتعلم منهم، كل شيء عندي هو تجربة تعليمية، لقد وجدت أن مجاملة غير متوقعة يمكن أن تغير يوم شخص ما إلى الأفضل، وأن المحادثة العشوائية يمكن أن تجدد نشاط أي شخص وخاصة في مركز صحي أغلب من فيه متعبون وبحاجة حقيقية للمساعدة ولو بكلمة.

Ad Space

في المستشفى معظم الأيام تكون الأخبار مأساوية والإصابات جسيمة، العديد من الحالات تكون صادمة ووحشية ومثيرة للمشاعر بشكل متناقض، الكثير من الجرحى والمرضى والأسر القلقة، اسمع البعض يتألمون بشدة، والبعض يتألمون بصمت، كنت أنظر عميقا في أعين الجميع، وأراقب حركاتهم بدقة لأتمكن من فهم مشاعرهم، وكنت أتألم لمعاناتهم، وأدعو الله دائما أن يخفف ألمهم وأتمنى أن يتعافوا قريبا، تلك المشاهدات اليومية للمرضى والجرحى، جعلتني أدرك الآثار البشعة التي يمكن أن تحدثها الحروب والأمراض على الناس والمجتمع.

اقرأ أيضاً..صنعاء تحذر من خطر قد يودي بحياة أكثر من 40 ألف مواطن

لقد أصبحت أكثر صبرا وتفهما ورحمة، وحرصت أن أجعل المريض يشعر بالراحة، من خلال تقديم نفسي وإخباره أن وجودي هو لخدمته، ومن خلال تشجيع المريض على التحدث، والاستماع إليه، والإحساس بمشاعره الحقيقية، وملاحظة تعبيرات وجهه، تمكنت من جعل الكثير من المرضى يشعرون بالراحة والطمأنينة.

أدركت أهمية ما أقوم به وأن بإمكاني مساعدة الجرحى والمرضى بطريقة أو بأخرى، فقضيت بعض الوقت في التحدث معهم، والتعرف على حياتهم وإصابتهم ومرضهم، وأقدم لهم ما استطيع من الدعم ولو كان ذلك بكلمة طيبة، أو بتقديم بطانية دافئة أو وجبة طعام أو شربة ماء، وحتى من خلال مشاهدة التلفزيون معهم ولو لدقيقة واحدة فقط، حتى أن إيماءاتي الصامتة كانت تحمل لهم رسالة تعاطف وتشجيع، كل ذلك عزز فهمي لكيفية تأثير التواصل البصري والإيماءات الصغيرة بشكل كبير، وكيف يمكن لأعمال الخدمة الصغيرة والبسيطة أن تلعب دورا مهدئا ومفيدا خلال الأوقات الصعبة والمرهقة لبعض المرضى الذين لديهم مجموعة مختلفة من الاحتياجات.

في المستشفى رأيت الطاقم الطبي يعتنون بالمرضى في أكثر أوقات حياتهم هشاشة ورعباً، عندها أدركت أن الطب أكبر بكثير من مجرد مهنة أو وظيفة، هناك الكثير من العاملين في فريق الرعاية الصحية، وكل فرد في الفريق يلعب دورا مهما، وكلهم يؤدون عملهم بكفاءة مع إظهار التعاطف والاهتمام والرحمة لكل شخص يخدمونه رغم الضغط الكبير عليهم في سنوات الحرب، ومنهم تعلمت كيفية الحفاظ على هدوئي ورباطة جأشي، وبرزت قدرتي في التعامل مع المواقف الصعبة والمتوترة، وكيفية التعامل مع المضايقات الصغيرة، لقد استغرق الأمر بعض الوقت لأصبح جيدة حقا في التعامل مع كل ذلك.

في الأيام الأولى كنت أحمل في يدي باستمرار دفترا وقلما، لأني أريد توثيق تجربتي بشكل دقيق، لكني شعرت بالإحراج من كثرة النظر إلى ذلك بشكل مختلف، لدرجة أنني أخفيت ذلك في الأيام التالية، والآن عندما أحاول تذكر تلك الأوقات لأكتب عن تجربتي التطوعية، أجد أن الكثير من التفاصيل المهمة قد غابت عن ذاكرتي، وكم أتمنى لو كنت أمتلك الحرية الكافية لتسجيل كل تلك التفاصيل، فهي ليست مفيدة “بشكل لا يصدق” في تذكير نفسي بكل الأحداث الصغيرة وحسب، بل أجد أن معرفتها ستكون مفيدة أيضا للآخرين.

من خلال مشاركتي التطوعية أصبحت جيدة في التحدث مع الآخرين من كل الأعمار والفئات الاجتماعية، ولم أكن قادرة على تحقيق ذلك من غير هذه التجارب، حتى مع كثير من الأخطاء الصغيرة والكبيرة، منحتني مشاركاتي التطوعية كثيرا من الفرص لتعلم مهارات جديدة وتطوير حياتي الشخصية، ولإحداث تغيير حقيقي في نفسي وفي حياة الآخرين، وهذا عزز شعوري بالانتماء إلى مجتمعي والشعور بالاتصال بأولئك الذين أساعدهم، والأهم أنني تمكنت من فهم نفسي كإنسان وما يمكنني عمله عندما أسعى خلف شيء أتحمس له.

الآن بت أدرك شرف أن تكون جزءا صغيرا من العملية الشاملة لجلب الشفاء للمرضى، وهدفي ببساطة أن أكون متطوعة مفيدة لجعل حياة الآخرين أسهل، ربما كان دوري هو الأصغر ولكن على الأقل كان دورا إيجابيا، وكل شيء صغير قمت به كان له نوع من المعاني العظيمة بالنسبة لي.

وفي سبيل ذلك، وحتى يحين موعد تخرجي من كلية الطب، سأستمر بالتطوع في المؤسسات الطبية، لتقديم أفضل ما لدي، وسأستمر بتكريس كل ثانية من حياتي في زيادة معرفتي بالرعاية الصحية، سواء بالتعلم الذاتي عبر الإنترنت وقراءة الكتب والمجلات الطبية، أو بالاختلاط بالأطباء والممرضين، لأني أدرك أنه كلما زاد الوقت الذي أقضيه مع المرضى والأطباء والممرضات، ستكون فرصتي أفضل لفهم مهنة الطب.

*شابة مهتمة بالكتابة الصحية

الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب

Ad Space
Ad Space
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Ad Space