ارتفاع نسبة الإنتاج المحلي 20 %.. الصناعة الدوائية تحوّل التحديات إلى فرص
الطبية_ صابرين المقبلي|
فقد الطفل لطفي محمد الشاحذي (15 عاما) القدرة على تحريك أعضائه بشكل تدريجي خلال ثلاثة أشهر لم يحصل خلالها على الدواء الذي يستخدمه.
و بحسب والده, يعاني الطفل من ضمور في الدماغ ويحتاج إلى علاج بشكل دائم، لكنهم لم يستطيعوا توفير العلاج لعدم توفره في السوق المحلية نتيجة القيود المفروضة على اليمن بسبب الحرب.
يقول والد الطفل “كانت الحالة الصحية لولدي تسوء يوما بعد يوم أمام عيني بسبب عدم توفر العلاج، حتى أنه اليوم لم يعد يستطع تحريك أي جزء من جسمه”.
وفرضت الحرب التي اندلعت عام 2015 واقعًا صعبا على البلد، وألحقت خسائر مباشرة نتيجة استهداف مخازن الأدوية والمستلزمات الطبية، وكذلك الحصار الذي منع 120 صنفًا دوائيًا يحتاجه المصابون بالأمراض المزمنة من دخول اليمن، بحسب تصريحات سابقة لوزير الصحة الدكتور طه المتوكل.
قد يهمك..أخصائي يمني يبين أسباب الإصابة بقرحة المعدة.. وطرق الوقاية منها
وبحسب مدير إدارة الصناعات المحلية بالهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية عادل حميد، في حديثه “تستورد اليمن أكثر من 637 نوعًا من الأدوية بقيمة 100 مليار ريال، الأمر الذي يرهق اقتصاد البلد بسحبه للعملات الصعبة، فيما ضاعف الحصار من المعاناة الإنسانية للشعب، الأمر الذي دفع الحكومة للاتجاه الجاد نحو التصنيع الدوائي”.
وفي هذا السياق يؤكد حميد أن الصناعة الدوائية المحلية شهدت نهضة ملموسة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث “وصل عدد المصانع الدوائية حاليا إلى 13 مصنعا دوائيا، تغطي أكثر من 20% من احتياجات السوق للدواء، بالإضافة إلى إقرار الدولة إعفاء الشركات العاملة في مجال التصنيع من ضرائب الإنتاج والمبيعات، تنظيم المؤتمرات وإطلاق حملة «صنع في اليمن» ووضع الاستراتيجية الوطنية لتطوير الصناعات الدوائية(2019 – 2025) والتي تهدف إلى الوصول بالإنتاج المحلي إلى تغطية 50% من سوق الدواء بحلول عام 2025.
الحكومة اليمنية السابقة كانت قد أعلنت عن توجهها لإنشاء مدينتين صناعيتين خاصة بالتصنيع الدوائي، وهنا يوضح مدير الصناعات المحلية بهيئة الأدوية أنه “تم تحديد مناطق المدينتين الصناعيتين، و ملفهما في الهيئة العامة للاستثمار التي تولي الموضوع اهتماما كبيرا”، لافتا إلى أن المدن الصناعية ستشجع رؤوس الأموال للاستثمار في مجال التصنيع الدوائي بما توفره من بنية تحتية مناسبة وضمانات قانونية ومحفزات كثيرة.
وتشهد اليمن تقدما ملموسًا في مجال التصنيع الدوائي بالرغم من الحرب والحصار المفروض على البلد منذ ثمانية أعوام، حيث ارتفعت نسبة منتجات الصناعة الدوائية المحلية في السوق الدوائية من 10% إلى 20% خلال الخمس السنوات الماضية حسب تقارير حكومية، إلا أنه ما زال أمام البلد المضي في الكثير من الخطوات المهمة واجتياز العديد من العراقيل الموضوعة في طريق التصنيع الدوائي إذا أرادت تخفيض فاتورة استيراد الدواء والتي تصل إلى 100 مليار ريال سنويا، وتحقيق الأمن الدوائي وصولا إلى الاكتفاء بالمستقبل.
خطى حديثة
تعتبر الصناعات الدوائية من الصناعات الحديثة في اليمن، حيث بدأ الإنتاج الفعلي للدواء المحلي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي من قبل الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الأدوية (يدكو) مغطية ما نسبته 50% من احتياجات السوق المحلي حينها (استيراد وتصنيع).
إلا أن مسيرة الشركة الوطنية التي تأسست عام 1965 كشركة مملوكة بشكل مختلط بين الدولة والقطاع العام بنسبة تزيد عن 80% للأول، سرعان ما بدأت بالتعثر كغيرها من المؤسسات الاقتصادية بالبلد، حتى توقفت عام 2011، قبل أن تعاود الإنتاج من جديد مطلع 2017.
ومنذ مطلع الثمانينيات، ظلت وتيرة الاستثمار في مجال التصنيع الدوائي بطيئة جدًا ولا تكاد تذكر، حيث لم يتجاوز مجموع الشركات المستثمرة في التصنيع الدوائي حتى انطلاق الحرب عام 2015، سوى تسعة مصانع لا يتجاوز إنتاجها ما نسبته 10% من احتياجات السوق المحلي من الدواء مع الأخذ بالاعتبار زيادة معدلات النمو السكاني في البلد بنسبة 3,7 % ووصول عدد السكان إلى نحو 30 مليونا بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء، الأمر الذي يترتب عليه تنامي في احتياجات المجتمع لتحسين الخدمة الصحية.
تشجيع حكومي
يؤكد مستشار الاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية، عبد الرحمن العلفي، في حديثه لبناء، أن “التسهيلات التي قدمتها حكومة الإنقاذ للمستثمرين في قطاع الإنتاج الدوائي تعد مكسب للصناعات الدوائية”.
وحول أبرز المشكلات التي تواجه منتجي الأدوية باليمن بسبب الصراع الحالي يوضح العلفي أن المشكلة الكبرى تكمن بالعوائق التي فرضها الحصار على ميناء الحديدة وتحويل الاستيراد وحصره بميناء عدن وما يترتب بمضاعفة تكاليف النقل من ثلاثة إلى أربعة أضعاف عما كانت عليه في السابق، الأمر الذي يكبد شركات الأدوية خسائر كبيرة ويرفع تكلفة الدواء، حد قوله.
ويضع العلفي ثقته بقدرة الشركات اليمنية للتصنيع الدوائي على تحقيق الخطة المرسومة في الاستراتيجية الوطنية للتطوير الصناعات الدوائية والتي تهدف إلى خفض تكلفة الاستيراد إلى النصف في عام 2025، في حال ” سارت الحكومة في خطوات الاستراتيجية المزمنة وضاعفت من توجهها بتوطين الصناعات الدوائية لتحل الأدوية المصنوعة باليمن تدريجيا محل المستوردة”.
وأعطى القرار الذي أصدرته وزارة الصحة اليمنية والقاضي بمنع استيراد 30 صنفا دوائيا وحصر إنتاجها على الشركات الوطنية لمنتجي الأدوية، دفعة قوية للصناعة المحلية، إلا أن مدير عام التسويق بشركة العالمية الدكتور ابراهيم الحبابي يرى بأنها غير كافية، مشيرا إلى أن البلد ما زال سوقا مفتوحا للدواء، ويحتاج إلى المزيد من التنظيم خلال المرحلة المقبلة، فيما تعد مشكلة انقطاع الطاقة من الأبرز المشكلات التي تواجه عمل الشركات حاليا وتتسبب برفع تكلفة الإنتاج.
جودة ورؤية للتطوير
وحول جودة الصناعة الدوائية اليمنية ومدى التزامها بالمواصفات والمقاييس العالمية، يؤكد الدكتور الحبابي التي تنتج مجموعة من الأدوية ومنها المضادات الحيوية، أن الدواء المحلي ينتج وفق كافة المقاييس المطلوبة والمتعارف عليها عالميا في إنتاج الدواء.
اقرأ أيضاً..الحالات التي تستدعي الإسعاف إلى قسم الطوارئ
وعلى الرغم من التخوف لدى المستهلك اليمني تجاه المنتجات الصناعية المحلية بشكل عام نتيجة انخفاض مستوى الجودة وعدم تحقيقها الرضا الذي يطمح فيه المستهلك، إلا أن الأدوية المحلية بدأت تنال ثقة الأطباء اليمنيين مؤخرا بشكل مشجع، بحسب حديث عدد من الأطباء وملاك شركات صناعة الدواء المحلية للمحررة.
وفي هذا السياق يؤكد أستاذ الكيمياء الصيدلانية في كلية الصيدلة بجامعة صنعاء الدكتور صادق المخلافي، أن الدواء اليمني أثبت فعالية جيدة كما أنه مناسب للوضع المادي نوعا ما، مشيرا إلى أن الصناعة الدوائية ما تزال بحاجة إلى زيادة هذه الجودة لنيل ثقة المستهلك من خلال تطبيق المزيد من الأنظمة الرقابية الصارمة على الصناعة وبشفافية كبيرة، والحرص على استيراد مواد خام ذات جودة أقوى.
وبالنسبة لمستقبل الصناعات الدوائية في اليمن، ينوه المخلافي بأنه ما زال أمام البلد شوط كبير لتحقيق نهضة في مجال التصنيع الدوائي، وعليها أولا إيجاد البنية التحتية اللازمة للصناعة، وإنشاء مراكز الأبحاث والدراسات، وإشراك الجامعات والأطباء في عمليات التطوير وإنشاء معامل متخصصة لاستخراج الأدوية من النباتات العطرية الموجودة في البلد، والشراكة مع دول متقدمة في هذا المجال للاستفادة من خبراتها.
ويشدد المخلافي الذي يشيد بالإنجازات التي حققتها الصناعات الدوائية خلال السنوات الأخيرة، على أهمية التعاون والتكامل بين كل من الدولة وشركات التصنيع والأطباء والمستهلك حتى يستطيع البلد تحقيق التقدم المطلوب والوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي ولو بنسب معينة.
وتحدث عدد من المعنيين في قطاع التصنيع الدوائي عن أن الإنجازات التي حققت خلال خمس سنوات الماضية، والجهود المثمرة والمتواصلة التي مازالت تبذل من قبل كافة الجهات المعنية تثبت أن هناك إمكانية لتحويل التحديات إلى فرص لتحقيق النجاح وصنع نهضة تنموية في البلد، مشددين على ضرورة بذل الكثير من الجهود لتجاوز التحديات والعراقيل التي وضعتها الحرب في طريق الاستراتيجية الوطنية لتطوير الصناعات الطبية.
والى أن يتم ذلك سيظل الطفل لطفي الشاحذي وغيره من الأطفال يعانون في سبيل توفير الأدوية اللازمة لتخفيف آلامهم ومساعدتهم على الشفاء.
الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب
*التقرير نشر في مجلة “بناء” مشروع تخرج طلاب الدفعة 28 من كلية الإعلام جامعة صنعاء.