المجلة الطبية

السرطان المشكلة والحلول (الوقاية والكشف المبكّر)

-
د. عفيف النابهي

يعتبر السرطان مشكلة متزايدة في اليمن و في العالم العربي ويمثل السبب الرابع للموت في المنطقة وهو أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في العالم كله وخاصة في الدول النامية.

وبالرغم أن معدّل الإصابات السرطانية في اليمن و الوطن العربي مازال أقل منه في الدول المتقدمة بسبب عدم رصد جميع حالات الاصابة لأسباب عديدة إضافة الى عدم توفر السجلات السرطانية الوطنية ولكنه يتوقع أن يأخذ أعلى زيادة متوقعة في هذه المنطقة في العقدين القادمين مقارنة ببقية الدول حسب التقسيمات لمنظمة الصحة العالمية. وطبقا لتقييم منظمة الصحة العالمية يمثل السرطان رابع سبب للموت في الأقطار العربية بعد أمراض القلب والشرايين والأمراض المُعدية والحوادث. ويقدر أن السرطان يقتل سنويا حوالي 272,000 شخص سنويا في هذه الأقطار.

السرطان يعتبر مشكلة صحيّة رئيسية وسوف تزيد هذه المشكلة نظرا لتزايد الإصابات والوفيات الناتجة عنه حيث وأن التعداد السكاني والتقدم في الأعمار تزداد, إضافة إلى أن العوامل المسرطنة مستمرة في التزايد كما وكيفا (مثل التدخين والتلوث البيئي والتغير في أساليب وأنماط الحياة مع قلة الحركة والنشاط وتغيُّر أنماط التغذية).

في الواقع أن برامج مكافحة السرطان في اليمن و كل المنطقة ليست فقط غير كافية بل إنها ليست متوجهة أساسا نحو العلاج.

إن عدم توفر برامج الوقاية الأولية يؤدي إلى زيادة الإصابات السرطانية وعدم توفر الاكتشاف المبكر يؤدي إلى تدهور النتائج العلاجية كما أن العلاج الشفائي للأورام يتعلق مباشرة بالمرحلة التي يتم تشخيص المرض فيها وفي معظم هذه الأقطار يتم تشخيص الحالات عامة وهي في مراحل متأخرة.

وطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية التي توضح أن 40% من الاصابات السرطانية يمكن تجنبها بالوقاية الأولية و 40% أخرى يمكن علاجها شفائيا إذا ما اكتشفت مبكرا أما بقية الحالات فيمكن علاجها بالعلاج التلطيفي.

كما إن حوالي 50% من الأورام السرطانية في اليمن والدول العربية تظهر قبل سن الـ55 سنة والتي هي أقل من الأعمار التي تحدث فيها الإصابات في الدول لمتقدمة بمعدل 10 – 20 سنة ومعدل الوفيات من الإصابات بالسرطان في هذه الأقطار تساوي 70% والتي تعتبر مرتفعة مقارنة بأمريكا وأوروبا (40% ، 55% بالترتيب) وهذا يوضح تدني معدل الحياة بعد تشخيص السرطان بسبب عدم توفر الامكانات والوسائل المختلفة للتشخيص الدقيق والعلاج بطرق والوسائل العلمية الحديثة.
إن التسجيل السرطاني المعتمد على التعداد السكاني (Population-based cancer registration ) الذي يشمل التجميع المستمر، والمقارنة والتخزين والتحليل ثم إصدار التقارير عن الحالات السرطانية الجديدة المصابة على مستوى المديرية والمحافظة و الوطن بشكل عام لكل ورم على حدة و لجميع الأورام.
أن دقة المعلومات في هذا الجانب مهمة جدا والتي من خلالها يتم تحديد الأولويات في مكافحة السرطان وأيضا التوجهات الملائمة من حيث ازدياد أو نقصان الحالات السرطانية لتساعد في تقييم وفعالية التدخلات. ومن هذا المنطلق فإن تجميع البيانات المتعلقة بحياة المرضى بعد التشخيص والعلاج، بالرغم من صعوبتها، يجب أن يتم تنفيذها حيثما أمكن. بالرغم من ذلك فإن البيانات عن الإصابات السرطانية المأخوذة من بيانات المراكز هي كافية من منظور إعطاء المعلومات المطلوبة لتحديد الأولويات لمكافحة السرطان. أما البيانات التي تحدد مرحلة المرض عند التشخيص ومعدل الوفيات بسبب السرطان وكذلك فترة الحياة والبقاء بعد التشخيص فانها ناقصة لعدم وجود تسجيل سرطاني مبني على التعداد السكاني في اليمن.
الوقاية: وتعني مكافحة مسببات السرطان وهي الطريقة المثلى لمكافحة السرطان من حيث فعالية التكلفة على المدى البعيد.
التبغ يعتبرمن اخطر العوامل المسببة للسرطان عالميا. لذا يجب ان تكون مكافحة التبغ في أعلى الأولويات. وتشير التقديرات العالمية أن أكثر من 50% خمسين في المائة من السرطان في العالم مرتبطة بثلاثة عوامل أساسية التبغ، الأمراض المعدية والسلوكيات غير الصحية (طريق الحياة غير الصحية) (التغذية، البدانة، فقدان الحركة والنشاط). إلا أن وباء التبغ في اليمن وخاصة استخدام “الشمّة” من قبل جميع فئات المجتمع و في بعض المحافظات بالتحديد يعتبر من أكبر التحديات الصحية نظرا لوجود بيئة خصبة للشركات التي تسوق وتروج للتبغ و تهريبه وعدم وجود برامج مكافحة بهذا الجانب.
كما ان العوامل الغذائية (التغذية غير الصحية) تلعب دورا أساسيا في نشوء السرطان. والعدوى لها علاقة قوية بعبء السرطان في العالم الثالث (26%) مقارنة بالعالم المتقدم (8%). وفي بعض البلدان قد ترتقي العدوى إلى مرتبة التبغ في خطورتها مما يتسبب في فوارق ملفتة في أنماط السرطان وعلى سبيل المثال إرتفاع معدل الإصابات بسرطان الكبد واللمفوما وسرطان البلعوم الانفي في اليمن والمثانة البولية والكبد في مصر. ومن هذا المنطلق فإن مكافحة العدوى تساهم في التخفيض من الإصابات وتبعا لذلك الوفيات من السرطان.
التبغ:
التبغ يعتبر مسئولا عن 30% من أعباء السرطان في بعض الأقطار المتقدمة، وقد ثبت أن التبغ يعتبر سببا رئيسيا في زيادة الإصابة بسرطان الرئة، القصبة الهوائية، الشعب الهوائية، التجويف الفمي، عنق الرحم، البلعوم، والمريء، الحنجرة المثانة البولية وحوض الكلى، والبنكرياس، والكلى كما ان “الشمّة” تعتبر عاملا رئيسا في نشوء سرطان الفم في اليمن. وبالتالي يصبح مكافحة التبغ جزءا مهما من إستراتيجية مكافحة السرطان وأضراره.
اتخاذ إجراءات تنفيذية بناء على الإطار المتفق عليه في مؤتمر منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ والذي قد يساهم مساهمة فعالة في انخفاض مستوى الأمراض المتعلقة بالتدخين وخاصة أمراض السرطان.
العدوى (الإنتان):
تعتبر بعض العدوى الإلتهابات المزمنة أحد الأسباب لنشوء السرطان. ويقدر ان عبء السرطان الناتج من العدوى يشكل 11% من في شمال أفريقيا و 16% في غرب آسيا وقد ترتفع هذه النسبة في بلدان محددة.
فيروس HPVs هو السبب الرئيسي في سرطان عنق الرحم. وأيضا قد يكون عامل خطورة في سرطانات أخرى.
فيروس الكبد الوبائي البائي والسيني (B’ C) قد ينشأ سرطان الكبد بعد سنوات من الإصابة بالفيروسات الكبدية المحددة.
HTLV-1 العدوى بهذا الفيروس تزيد خطورة الإصابة بسرطان الدم والغدد الليمفاوية.
HIV الإصابة بفيروس فقدان المناعة الذي يسبب الإيدز ( AIDS ). الأشخاص المصابين بهذا الفيروس يصبحون في محل خطر بالإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية وأيضا مايسمى بسرطان كابوسي.
EBV الإصابة بفيروس إبيشتاين بار ( EBV ) يرتبط بإرتفاع مخاطر الإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية والبلعوم الأنفي.
فيروس الهيربس البشري 8 (HHV8) يعتبر عامل خطورة بالإصابة بسرطان كابوسي.
Helicobacter pylori هذه البكتيريا يمكن ان تسبب قرحا بالمعدة. وأيضا سرطان المعدة والسرطان الليمفاوي بالمعدة.
أساليب المعيشة غير الصحية:
التغذية غير الصحية والسمنة هما عاملا خطر مهمان يؤديان إلى نشوء السرطان ويمثلان من 20% – 30% من عبء السرطان في العالم. العديد من الأورام الخبيثة لها علاقة بالسمنة وبالتحديد سرطان القولون والمستقيم، سرطان الثدي بعد سن اليأس، وسرطان الرحم.
العوامل الكيماوية والفيزيائية:
من ضمن العوامل الفيزيائية المهمة المعروفة التي تؤدي إلى نشوء السرطان هو التعرض المباشر لأشعة الشمس والذي يعتبر عاملا مهما لنشوء سرطان الجلد. وكذلك التعرض للمسرطنات الكيماوية بما في ذلك الكيماويات الزراعية. ولا تتوفر أدلة كافية حول المبيدات والأسمدة التي تستخدم للإنتاج الزراعي وتنظيم المواد الحافظة مثل النيترايت في اليمن.
الاكتشاف المبكر:
معظم السرطانات يتم إكتشافها في البلدان النامية و من ضمنها اليمن وهي في مراحلها المتأخرة عندما يكون العلاج الشفائي والناجع لها غير ممكن حتى عند توفر أحسن الطرق العلاجية. وثبت أنه من أهم العوامل التي تحسن معدل فترة الحياة في الكثير من السرطانات في أمريكا وأوروبا يعود إلى الاكتشاف المبكر للسرطان (اذ يخفض من نسبة الوفيات بمعدل 30%) عندما يكون في مراحله الأولى (عند التشخيص) من خلال التوعية والتثقيف الصحي للمجتمع. وفي بعض الحالات المسحوحات الميدانية.

*رئيس المركز الوطني للأورام سابقاً

Exit mobile version