المجلة الطبية

النفايات الطبية في البحرين.. بين مخاطرها البيئية وكيفية إدارتها

-

النفايات الطبية في البحرين.. بين مخاطرها البيئية وكيفية إدارتها

المنامة_علياء الموسوي|
أسهم فيروس كورونا وخطة الطوارئ العالمية لمجابهته، في لفت الأنظار للكثير من مواطن القصور في ًًالمنظومة الصحية عالميًا، ولمخاطر النفايات والمخلفات الطبية الناتجة عنه؛ بدءً من الأقنعة الوقائية مرورا بأشرطة الاختبار إلى حقن التطعيم.

ووفقًا لآخر إحصائية سجلتها منظمة الصحة العالمية في 2022، فقد بلغ عدد معدات الحماية الشخصية التي تم شراؤها في العالم ما يقارب 87000 طنًا، و144 طنًا من النفايات التي جاءت على شكل محاقن وصناديق أمان، وتشكل 15% من مجموع المخلفات الطبية في العالم.

ما هي النفايات الطبية؟
هي جميع النفايات الناتجة عن مرافق الرعاية الصحية والمختبرات الطبية ومرافق البحوث الطبية الحيوية، وكذلك النفايات من مصادر ثانوية أو متفرقة. وعلى الرغم من أن المستشفيات تنتج الجزء الأكبر من نفايات الرعاية الصحية من حيث الحجم؛ إلا أنها واحدة من مصادر أخرى متعددة.

وقد كشف المجلس الأعلى للبيئة في البحرين عن ارتفاع أطنان النفايات الطبية الخطرة من 2145 طنًا في 2019 إلى 4909 أطنان في 2020، أي ما يقارب الضعف عن السنة السابقة.

وفي دراسة أجرتها الباحثة البيئية في جامعة البحرين خديجة العمران حول المخلفات الطبية لما بعد فيروس كورونا في 2021، تبين أن عدد معدات الوقاية الشخصية الخاصة قد بلغ قرابة الألفي كيلوجرام، كما بلغ عدد النفايات الخاصة بالتحصين ما يفوق الـ 23 كجم، وذلك وفق استبيان قامت به في خمسة مراكز للرعاية الطبية الخاصة بالكورونا وهي: مركز المعارض ومستشفى البحرين الدولي (BIH)، ومركز كانو، والطابقان الخامس والسادس (6 أجنحة في كل طابق) في مجمع السلمانية الطبي (SMC)، ومركز اضطرابات الدم الوراثية (HBDC).

قد يهمك..“نصف أطفال لبنان غير ملقّحين”… هذا ما فعله الإنهيار وكورونا!

ويحتل القناع الشخصي المرتبة الأعلى من حيث الاستخدام في البحرين وذلك ضمن المعدات الشخصية في فترة الجائحة؛ حيث وصل العدد الإجمالي لأقنعة الوجه المستخدمة من قبل عامة سكان البحرين ما يفوق الـ 12 ألفًا في اليوم؛ أي ما يعادل 80٪ من مجموع بقية الأدوات الشخصية.

مخاطر النفايات الطبية
وقال أمين عام اتحاد الكيميائيين الخليجي، ورئيس جمعية الكيميائيين البحرينيين الدكتور عبد الواحد النكال: “خطورة النفايات الطبية أنها مخلفات معدية، وهي شديدة القابلية للانتقال، وهي في المجمل تنقسم إلى عدة أقسام؛ فمنها المعدية ‏والباثولوجية والحادة ومخلفات الأدوية، والنفايات السامة للخلايا و‏النفايات الكيميائية والحاويات المضغوطة، و‏النفايات المشعة”.

وأضاف لـ مواطن: “أدى الحدوث غير المتوقع لوباء كوفيد – 19 إلى مستويات زيادة هائلة ومفاجئة في كمية تلك النفايات في مدة قصيرة، كما أدّى إنشاء مرافق الحجر الصحي في المنازل والفنادق ومراكز العزل (الحجر الصحي) في مختلف أنحاء العالم، إلى زيادة أخطار انتقال العدوى بين الأشخاص في تلك المرافق، واحتمال تلوث النفايات العامة بالنفايات الطبية. كما أنّ الوباء وضع ضغطًا هائلًا على نظام جمع ومعالجة النفايات بشكل عام، مما أدى إلى ممارسات إدارية غير فعالة للنفايات، والذي أدّى إلى الإضرار بالبيئة”.

كما أفاد مدير المصنع باتريك بارناي في شركة البحرين لمعالجة النفايات أن “عدد الأطنان التي يتخلص منها مركز التجارة العالمي قد تضاعف من 800 طن سنويًا إلى 1600 طن خلال الوباء. وأضاف لمواطن أن: “مقدار أطنان المخلفات الطبية التي يتم التخلص منها بشكل يومي، حوالي من 2000 كيلوغرام؛ أي ما يعادل 20 مترًا مكعبًا من النفايات في غضون 10 ساعات كل يوم”.

كيفية إدارة النفايات الطبية والتخلص منها؟
ويعلق بارناي أنه “يتم التخلص من المخلفات الطبية في الشركة عن طريق الحرق؛ حيث تتم مراقبة عمليات المصنع باستمرار من قبل المختبرات للامتثال للمعايير البيئية، ويستخدم الترميد، وهي طريقة المعالجة الحرارية للنفايات والتي تتكون من الاحتراق (تختلف التكنولوجيا ودرجة الحرارة حسب طبيعة النفايات) ومعالجة الأبخرة، وفي عام 2014 تم إبرام عدد من العقود مع المستشفيات الحكومية والمراكز الطبية الخاصة للتخلص من المواد الكيميائية السائلة وغير النفايات القابلة لإعادة التدوير المتولدة في خطوط الإنتاج الصناعي”.

وتابع في حديثه لـ مواطن أنه “يتم تقسيم النفايات الطبية إلى عدة أقسام وهي: الباثولوجية، والتي تشمل الأعضاء والأنسجة التشريحية المعدية والأدوية منتهية الصلاحية والمواد الكيميائية والتي تشمل منتجات العلاج الطبي، والخلايا السامة. وأضاف أنه “يتم التعامل مع هذه المخلفات عن طريق فرز عبوات الكرتون والبلاستيك غير الملوثة وغير المصابة لإعادة التدوير”.

ويشير النكال أن وباء كوفيد 19 قد تسبب في العديد من البلدان في إحداث فوضى في إدارة النفايات الصلبة البلدية،والنفايات الطبية؛ فعلى سبيل المثال أغلقت مراكز إعادة التدوير وتوقفت عن جمع إعادة التدوير بسبب مخاوف من انتشار الفيروس، وارتفعت كمية المبيدات الحشرية والمنظفات والصابون والبلاستيك التي يستخدم لمرة واحدة، والمواد الكيميائية الأخرى بشكل كبير مما أدى إلى تدمير النظام البيئي”.

وتنص المادة (70) من الباب (11) من القانون (7) البحريني لسنة 2022 بشأن البيئة فيما يتعلق في إدارة المخلفات الطبية، أنه “يُحظَر إلقاء أو معالجة أو حرْق جميع أنواع المخلَّفات في غير الأماكن المخصَّصة لذلك، ويراعى في ذلك البُعْد عن المناطق السكنية والسياحية والصناعية والزراعية والتجارية والساحلية، وتحدِّد اللائحة التنفيذية المواصفات والضوابط الخاصة بهذه الأماكن ومواقعها”.

تعبيرية

تدوير أم معالجة؟
وبحسب النكال فإن طرق التدوير الأكثر حفاظًا على سلامة الإنسان والبيئة تكون عن طريق التعامل معها كمعالجة، ومن ثم التخلص منها، والهدف من معالجة تلك النفايات هو جعلها آمنة قدر الإمكان للعاملين في القطاع الصحي ولعامة الناس عامة، إضافة للتقليل من أثرها السلبي على البيئة.

وأضاف: “لا توجد تقنية واحدة لمعالجة النفايات الطبية قادرة على معالجة جميع فئات النفايات الطبية، وعلى الرغم من ذلك فيجب على من يتولى إدارة النفايات تقييم بدائل المعالجة بناءً على سلامتها وفعاليتها وتأثيرها البيئي، وتكاليفها والامتثال للمعايير المطلوبة.

ويمكن الإشارة إلى بعض خيارات معالجة النفايات الطبية المستخدمة والتخلص منها، بما في ذلك نفايات كوفيد-19 وهي: مدفن النفايات المعتمد، الأوتوكلاف (التعقيم بالبخار)، والتقطيع (استخدمت هذه الطريقة ولأول مرة في البحرين في مستشفى الملك حمد الجامعي منذ العام 2015). وتعتبر هذه الطريقة تكنولوجيا صديقة للبيئة، وأكثر نضجًا واقتصادًا وغير معتمدة على الإحراق، والتطهير الكيميائي والطحن / التقطيع، (مع هيبوكلوريت الصوديوم أو باستخدام بيروكسيد الهيدروجين والجير) والتطهير بالميكروويف والتقطيع، والحرق المعتمد”.

ويشير النكال إلى إدخال تقنيات جديدة ومحسنة في الفترة القصيرة الماضية تحوّل النفايات الطبية إلى نفايات صلبة، تتضمن بعض تقنيات المعالجات الحديثة للنفايات الطبية؛ منها: الإشعاع Irradiation: (على سبيل المثال، الأشعة فوق البنفسجية، الكوبالت-60، شعاع الإلكترون)، الحرارية Thermal: (الحرارة الجافة التي تشمل الكوارتز بالأشعة تحت الحمراء أو الانحلال الحراري بالبلازما). ويعد الانحلال الحراري بالبلازما أحد التكنولوجيات المفضلة والأكثر جدوى، والمتوافقة مع المعايير الدولية، والتي من شأنها أن تتحلل النفايات بشكل تام؛ حيث تتم المعالجة بسرعة كبيرة ودرجة حرارة عالية (تتراوح 1200-1400 درجة مئوية) مسببة تفاعلات كيميائية، يتم من خلالها تحلُّـل جميع العناصر الكيميائية المعقدة إلى مواد بسيطة وتحويلها إلى غاز وخبث خامل. ويمكن استخدام الغاز الخليط من أول أكسيد الكربون والأكسجين، كوقود في صناعة الطاقة، واستخدام الخبث في صناعة الأرصفة والمواد اللازمة للبناء، وآليات التعطيل الأخرى Inactivation Mechanisms: (بما في ذلك التعطيل الكهروحراري وتغويز البلازما Plasma Gasification)”.

أما على المستوى المحلي في البحرين؛ فتبدأ عملية فصل النفايات الطبية من المؤسسات والمراكز والمستشفيات الصحية والطبية؛ إلا أنّ معالجتها غالبًا ما تتم عن طريق الحرق أو الدفن، وكلتاهما يعود بالسلب على البيئة بحسب النكال.

البحرين ومعدلات الأمان
وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية في العام 2022؛ فإن ثلث المرافق الصحية عالميًا غير مجهزة للتعامل مع النفايات الطبية بصورة آمنة، كما تشير لاحتمالية تعرض العاملين في القطاع الطبي للمخاطر الصحية نتيجة عدم التعامل الأمثل مع تلك المخلفات.

اقرأ أيضاً..الوصمة تضاعف عدد مرضى الاضطرابات وتغلق تخصصات الصحة النفسية في اليمن

وعادة ما تُحتسب معدلات النفايات الطبية في المستشفيات والمراكز بكميتها لكل سرير/ يوم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا؛ تولد المستشفيات 29 رطلا (13.15كجم) لكل سرير يوميًا، بينما يشير المجلس الأعلى للبيئة في البحرين إلى إجمالي سنوي في العام 2020 يقترب من خمسة آلاف طن.

يشير النكال إلى أهمية الوعي المجتمعي في مثل تلك القضايا البيئية بقوله: “أرى بأنّ هناك وعيًا مجتمعيًا بالقضايا البيئية، ناتجًا عن البرامج والسياسات والاستراتيجيات التي وضعتها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، لزيادة وعي المواطن والمقيم بالعديد من القضايا المتعلقة بالبيئة؛ فكان للمناهج الدراسية والإعلام والحملات التثقيفية والتوعوية دور في تفاعل المجتمع المحلي مع البيئة.

ويكمل: نستدل على هذا الوعي من خلال المشاركة الفاعلة في الحملات التطوعية لتنظيف السواحل والساحات التي تنظمها المنظمات الأهلية بالتعاون مع الأجهزة الحكومية، غير أنّ ذلك لا يمنع من وجود بعض من الممارسات غير الواعية وسلبية تجاه البيئة نتيجة التنوع واختلاف الثقافات”.

كما يرى أن المسؤولية للحد من مخاطر النفايات الطبية هي مسؤولية مشتركة بين المواطن والدولة، قائلًا: “الأمر يندرج تحت ثلاثة مستويات؛ وهي : على المستوى الفردي من خلال العمل على رفع مستوى الوعي بالاستخدام المعتدل لأدوات الوقاية الشخصية؛ مثل أقنعة الوجه وقفازات الأيدي، والمطهرات والمعقمات. وعلى المستوى الحكومي: الاستثمار في أنظمة إعادة تدوير النفايات الطبية، وزيادة الاستثمارات في الإدارة الآمنة للنفايات وتعزيز أنظمة معالجتها، من خلال معايير وأنظمة محّسنة وأكثر استدامة، وتنفيذ المعالجات المركزية للنفايات باستخدام تقنيات غير الحرق، وعلى المستوى العالمي: إنتاج معدات الوقاية الشخصية المصنوعة بنسبة أكبر من المواد المتجددة أو القابلة لإعادة التدوير، أو إعادة الاستخدام”.

خاتمة
لا تشكل النفايات الطبية خطورة على الإنسان فقط؛ بل تمتد لتشكل خطرًا على البيئة من حولنا؛ فالكائنات الحية بكل تصنيفاتها؛ سواء أكان الإنسان أو الحيوان، أو حتى النبات، التي تعيش قريبة من مدافن النفايات؛ خصوصًا القريبة من البحار، تتعرض للخطر المستمر جراء الملوثات المحيطة بها. وقد قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 2020 مقدار الضرر الحاصل على مصائد الأسماك بنحو 40 مليار دولار. ما يضعنا في البحرين أمام تحدّ كبير ومهم، وهو تطوير آليات التعامل مع المخلفات الطبية في البلاد، حفاظا على أرواحنا وعلى البيئة من حولنا.

الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب

أنتجت هذه المادة بإشراف خبراء من وكالة “تومسون رويترز” ضمن برنامج “نحو صحافة صحية فاعلة” ونشرت في موقع “مواطن”.

Exit mobile version