بعد حفل زواجها بأشهر قليلة بدأت تظهر على أروى الصنعاني ،اسم مستعار، أعراض إصابتها بحالة نفسية كان أبرزها نوبات تشنج عصبي تداهمها بين حين وآخر.
تفاقم حالة أروى التي لم تكن قد تجاوزت عامها الـ 15 من العمر دفعت والدها لبدء البحث عن علاج لابنته وقد كانت البداية من زاوية أحد المشعوذين، لينتقل من مشعوذ إلى آخر، ورغم ذلك انحصر تشخيصهم للحالة بين المس والسحر والحسد.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد.. لقد قام أحدهم بحرق أجزاء من جسمها أدى إلى التصاق الملابس في الجلد من عمق الجروح والتقيحات؛ ليتم نقلها إلى قسم علاج الحروق.. هذه الحادثة ساهمت في تفاقم حالتها النفسية لتصل إلى مرحلة حاولت أن تؤذي نفسها أكثر من مرة. أروى الآن ما تزال في رحلة علاج مزدوجة تتنقل بين عيادات ومراكز الأطباء والأخصائيين النفسيين، وبين عيادات ومراكز علاج الحروق.
عنف بالجهل أصبح مباحاً
الكثير من الأسر اليمنية عاشت مثل هذه التجربة ولا تزال تعاني من تأثيراتها النفسية والجسدية، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة، لذا يجب تصحيح المفاهيم المغلوطة وتقديمها بطريقة صحيحة لإيقاف العبث وصون الحقوق.
وفي هذا السياق يرى الشيخ جبري إبراهيم حسن عضو مجلس الشورى أن العنف الذي تتعرض له المرأة لا يجوز، وهو شيء خارج عن الدين الإسلامي، وليس له أي صلة بنصوص وتعليمات الدين.
ووصف ظاهرة ” الضرب، الحرق، الحنق، الكهرباء” بأنها عصرية وفيها شبهات متعددة وهناك دلائل كثيرة على بطلانها أهمها أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يرقي ويقول: بسم الله اخرج عدو الله بدون أخذ أي عصا، لذلك لا ينبغي أن يضرب لا بالكهرباء ولا بالعصا.
وأشار الشيخ جبري إلى أن من يقوم بالرقية يضمن من مات تحت يديه بهذه الأساليب لقول النبي صلى عليه وآله وسلم “من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن” رواه أبو داود، كما أن للحاكم المسلم الحق بأن يعزر هؤلاء بما يردعهم وفق الشرع.
تجارة واستغلال
لم تكن أروى الوحيدة التي سقطت ضحية لهذا النوع من العنف “التعذيب بالكهرباء” بل أن عُلا صالح “اسم مستعار” من محافظة تعز عانت من التعذيب بالكهرباء وهي طفلة تبلغ من العمر ١٠ أعوام، عندما أخذتها والدتها هي وأختها لمقابلة رجل يدعي أنه شيخ ويعالج المرضى. لقد قام بإلباسهن حذاءً حديدياً وبعدها قام بصعقهن!! ولسن هن فقط بل جميع من كُن في ذلك الحي، وعندما شعر بتذمر الناس من تصرفاته وعدم جدوى ما يقوم به ترك المنقطة وغادر إلى خارج اليمن.
مؤخرا لاقت هذه الظاهرة نوعاً من الرواج بلغ حد التعامل مع المرضى ممن يرغبون بالرقية بحسب الوقت فإذا أردت أكثر من ساعة عليك دفع المزيد!
وما تزال الآراء مختلفة حول حقيقة المس، بين من يزعم بأنه يسكن داخل جسم الإنسان، وآخرين يعتقدون أن المَسَّ يظل حول المريض، وفي هذه الجزئية يرى الشيخ جبري بأن المسَّ يعتبر تأثيرًا فقط استناداً على قوله تعالى “كالذي يتخبطه الشيطان من المس”، موضحا أن التأثير خارجي على جسم الإنسان، مُشبِّهاً ذلك بالأشعة.
مفهوم خاطئ
رغم التطور العلمي الكبير خاصة في مجال الطب ما يزال الكثير يعتقد أن الأصل في الأمراض النفسية هو الجنون. وهنا توضح رئيسة قسم الوحدة النفسية الدكتورة منيرة النمر بأن المرض النفسي لا يختلف أبدا عن المرض العضوي مثل “الضغط، السكر” ويأتي نتيجة خلل في نواقل الدماغ تؤدي إلى ظهور مثل هذه الحالات وعليه هي بحاجة إلى أدوية أو إلى تعديل سلوك وتعلم مهارات. ووصفت الوصمة المجتمعية بأنها السبب الأول للتعامل مع المرض بطريقة غير سليمة، مؤكدة أن الوصمة تعد أحد عوائق تقدم الطب النفسي في اليمن. مفيدة بأن المريض النفسي لا يصل إلى الطبيب النفسي إلا بعد أن تفاقمت حالته وأصبح من الصعب علاجها نتيجة رحلة علاج طويلة وتخبط ما بين علاج بالقرآن وعلاج عضوي.
وتصف ريهام محمد عبدالله الأخصائية الاجتماعية لدى مركز اتحاد نساء اليمن في العاصمة صنعاء، ظاهرة العلاج بالتعذيب بأنها أصبحت متفشية بصورة كبيرة. وأوضحت أن هذا الانتشار يعكس مستوى الوعي المتدني في المجتمع حول المرض النفسي، مؤكدة أن البعض يفتقر إلى المعرفة الكافية حول دور العلوم الإنسانية وقدرتها على تفسير السلوك الاجتماعي.
في ظل تزايد حالات العنف ضد المرأة ما هي المعالجات الحالية التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات الرسمية ذات الصلة؟ في هذا السياق يوضح نائب وزير وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة في صنعاء، فؤاد ناجي أنه سبق الاتفاق بينهم وبين وزارة الصحة على التنسيق والتعاون لوضع المعايير والضوابط التي تنظم عمل مراكز المعالجين بالرقية ومن شابههم. وقال “في الأيام القادمة نبدأ بالمتابعة وإغلاق المخالف منها” مؤكدا أن مراكز العلاج بالقرآن مخالفة للقوانين واللوائح إذ لا يوجد في القانون نص يبيح فتح مثل هذه المراكز. وتلقت وزارة الشؤون والإرشاد الكثير من الشكاوى يقدمها أشخاص حول ما تتعرض له المرأة والذي قد يصل إلى التحرش الجنسي والضرب والخنق وطرق أخرى قد تؤدي إلى الموت، حد قوله. وشدد على ضرورة إيجاد نوع من التنسيق والاتفاق بين وزارة الصحة ووزارة الإرشاد على وضع ضوابط معينة وعقوبات واضحة للمخالفين من ضمنها إيقاف النشاط.