لم تعد المنظمات والجمعيات الخيرية قادرة على توفير الكثير أو الكافي من الأدوية الخاصة بعلاج مرض الصرع بسبب ضعف الدعم وعدم الاهتمام وهذا ما دفع مسعد الحطامي إلى الانتقال من محافظة عمران الى العاصمة صنعاء لعلاج ابنه -فارس 12 عاما- من مرض الصرع .
يقول مسعد “كان هناك جمعيات خيرية كانت توفّر الأدوية وكنا نحصل منها على الدواء، لكنّها توقفت عن ذلك قبل عامَين بشكل مفاجئ” وهكذا تتضاعف معاناة مرضى الصرع في المناطق الريفية والنائية باليمن، نتيجة عدم توفّر مراكز وعيادات متخصصة لعلاج الأمراض العصبية هناك، الأمر الذي يدفعهم إلى الانتقال إلى صنعاء ، ويضيف الحطامي في حديثه لـ”المجلة الطبية” “: “ننتقل إلى صنعاء بين الحين والآخر لنعالج ابننا في إحدى العيادات الخاصة، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية السيّئة التي نمرّ بها، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل عام وانقطاع المرتبات منذ أكثر من أربعة أعوام”.
لقد لجأ الحطامي الى الطب رغم أن الكثيرين نصحوه باللجوء الى العلاج بالقران أو السحر والشعوذة إلا انه فضل اللجوء الى الطب.
وجع الأنثى يتضاعف
يصبح مرض الصرع أكثر تعقيدا عندما تكون الضحية أنثى حيث يدخل حينها المرض في إطار العيب الذي يوجب الإخفاء و التستر وهذا ما جعل –هيفاء- ذات الـ 19 عاما على وشك أن تفقد حياتها بعد إخفاء عائلتها مرضها على الجميع ولم يتم معالجتها لمدة عام.
تقول هيفاء ناصر” كدت افقد حياتي وأنا أعاني المرض على مدى عام قبل ان يسمح أهلي بعرض حالتي على طبيب مختص، لكنهم الآن أصبحوا مقتنعين بعد ان تحسنت حالتي خلال شهر من تلقي العلاج، وحالتي الآن تتحسن بشكل ملحوظ رغم الآثار الأخرى التي تركها علي المرض مثل الخوف والعزلة وتجنب الاختلاط مع الآخرين وحضور المناسبات.
وفي هذه النقطة يقول الدكتور عادل عبادي اختصاصي نفسي إنّ “هناك من يحاول إخفاء إصابة أبنائهم بمرض الصرع، خوفاً من الوصمة المجتمعية” مؤكدا ان كثيرين من المواطنين يحملون مفاهيم خاطئة حول مرض الصرع”، ويعتقدون المصاب به واقعاً تحت تأثير السحر والشعوذة أو مريضاً نفسياً، وهذا ما يزيد من معاناة المرضى ويقلل من فرص نجاح علاجاتهم”.
وطالب عبادي وزارة الصحة بإنشاء مراكز متخصصة لعلاج مرضى الصرع، والعمل على دمجهم في المجتمع، بالإضافة إلى تنفيذ حملات إعلامية لتوعية المجتمع حول طبيعة المرض وكيفية التعامل مع نوبات الصرع المفاجئة التي قد تحدث في أيّ وقت ومكان، منوهاً بأن “أوضاع مرضى الصرع في اليمن زادت سوءاً في خلال الأعوام الماضية من جرّاء الحرب”.
لكن لم يكن الخوف من المجتمع وإخفاء مرض هيفاء هو الخطر الوحيد الذي يترصدها، إذ بعد أن تمكنت من تجاوز هذه المعضلة حتى قابلتها مشكلة أخرى تمثلت بفقدان الأدوية الخاصة بالصرع وارتفاع أسعارها في حال توفّرت، على خلفيّة الحرب.
الصرع أنواع
وفي السياق أشار الدكتور جمال اللوزي – مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية بوزارة الصحة، إلى ما يعانيه مرضى الصرع في اليمن من أوضاع إنسانية صعبة تزداد سوء يوما بعد آخر، مبيناً أن الأشخاص المصابين بالصرع يختلفون كثيراً عن المرضى النفسيين المليئين بالأوهام والاكتئاب.
وأوضح الدكتور اللوزي في تصريح خاص لـ”المجلة الطبية” أن مرض الصرع (Epilepsy) يصيب الإنسان بخلل في الدماغ ناتج عن زيادة شحنات، وهو خلل في نقل الشارات الكهربائية في داخل الدماغ، وبالرغم من أن الاعتقاد الشائع هو إن مرض الصرع يسبب دائما نوبة من الحركة اللا إرادية وفقدان الوعي، إلا إن مرض الصرع، في الحقيقة، يظهر بصور متنوعة ، وأحيانا تأتي نوبة الصرع بدون تشنجات.
ولفت مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية بوزارة الصحة إلى انعدام الثقافة الصحية لدى المجتمع حول كيفية التعامل مع مريض الصرع عندما يصاب بنوبة مفاجئة في الشارع أو في المنزل انطلاقاً من الجانب الإنساني والأخلاقي، موضحاً أن نظرة الناس لهذا المريض تختلف من فئة إلى أخرى ومن منزل إلى آخر، مؤكداً على أهمية تكاتف الجميع مع مرضى الصرع كون الرعاية الصحية والاهتمام يعد عاملا مساعدا للتخفيف عن هذه الشريحة التي تعتبر من أكثر الفئات تضرراً في الوقت الراهن بسبب الحرب والأوضاع الاقتصادية.
وبين الدكتور اللوزي أن الأدوية الخاصة بمرضى الصرع تكاد تكون شبه معدومة، حيث كانت هذه الشريحة إلى وقت سابق تصنف ضمن المعاقين وكان صندوقين المعاقين يتكفل بتوفير الأدوية الخاصة لهم، إلا أن الصندوق اعتذر لهم مؤخراً عن صرف الأدوية الخاصة بهم متذرعاً بعدم وجود الإمكانيات المالية الكافية.
خذلان المنظمات
قال مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية إن المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة هي الأخرى ترفض التجاوب مع مناشدات مرضى الصرع في اليمن، منوهاً بأن منظمة الصحة العالمية طلبت من وزارة الصحة نهاية العام المنصرم 2018 قائمة بالأدوية الضرورية لمرضى الصرع من أجل توفيرها، وقد تم تسلميها قائمة تتضمن 18 صنفاً من الأدوية الضرورية للصرع، إلا أنها وحتى اللحظة لم تقم بتوفير أي صنف من تلك الأصناف المطلوبة باستثناء صنف فلوكسيتين (Fluoxetine) التي قامت بتوفيره مؤخراً وهو دواء مخصص لمرضى الاكتئاب وليس له علاقة بمرض الصرع، مضيفاً أن منظمة الصحة كانت في السابق تدعم مرضى الصرع بدواء اسمه كاربامازيبين (Carbamazepine) بتركيز 100 ملغ ولكنه لم يكن يفي بالغرض كون أغلب المرضى يحتاجون إلى تركيز 200 ملغ.
ودعا الدكتور اللوزي عبر “المجلة الطبية” المنظمات الدولية إلى النظر بعين الإنسانية نحو مرضى الصرع في اليمن لما تعانيه هذه الشريحة بسبب انعدام الأدوية الخاصة بهم وعدم قدرة الجهات الحكومية المعنية في البلد على صرفها مجاناً كما كان في السابق وارتفاع أسعارها إن وجدت في الصيدليات، كما دعا المجتمع اليمني إلى مد يد العون لمرضى الصرع والتعامل معهم بشكل لائق بدء من المنزل وانتهاء بالشارع والعمل على إنقاذهم في أي مكان بحالة تعرضهم لنوبات الصرع والتشنجات المفاجئة.