المجلة الطبية

السرطان وعلاجه يفتكان بضحاياهم في اليمن

-

– ماتت قبولوبقيت قصتها شاهدة على قبح البشر

–  مدير عام المركز الوطني للأورام السرطانية:  قسم الإشعاع في المركز قد يُغلق في حال لم تتدخل منظمات المجتمع الدولي لانقاذه

– الصحة العالمية: 11000 حالة جديدة يتم تشخيصها كل عام في البلاد

 

المجلة الطبية / خاص

أكثر من 12 ساعة قضاها الشاب الثلاثيني -نشوان محسن الأهجري- مطلع شهر يوليو المنصرم لينقل خالته ذات الـ60 عاماً قبول حمزة من مدينة الحديدة إلى العاصمة صنعاء عبر مدينة المحويت، من أجل التوجه بها صباح اليوم التالي إلى المركز الوطني للأورام السرطانية الواقع في حرم المستشفى الجمهوري بالعاصمة صنعاء، بحسب توصيات الكثير من الأطباء وبموجب تقارير الفحصوصات التحاليل وأشعة الرنين المعناطيسي بعد ظهور ورم في عمودها الكبير أقعدها عن الحركة.

وصل نشوان صباح اليوم التالي برفقة خالته إلى مركز الأورام المكتظ بالمرضى وأخذ دوره للدخول لدى الدكتور عفيف النابهي – أحد الأطباء المتخصصين في مجال الأورام بالمركز الذين لا يتعدون عدد أصابع اليد، وبعد أن عرض عليه التقارير الطبية والفحوصات والأوليات المرفقة وجه الطبيب المعالج بسرعة أخذ العلاج الإشعاعي مباشرة ولمدة 10 أيام لوصول المرض حالة متقدمة وخوفاً من تعرضها إلى الشلل في حال تأخر العلاج.

وصف الطبيب المعالج عددا من الأدوية المهدئة للمريضة قبول، وبعد أن تم اعتمادها رسمياً في المركز بموجب قطع الملف ومنحها البطاقة، وصل نشوان إلى صيدلية المركز لاستلام الأدوية المهدئة المقررة من الطبيب النابهي وعند وصوله إلى نافذة الصيدلية وتسليم الروشته للموظفة أخبرته على الفور بعدم وجود هذه الأدوية التي هي عبارة عن مهدآت بسيطة، ليصدم الشاب القادم من تهامة بالخبر ويضطر بعدها شراء الأدوية من خارج المستشفى والدهشة ظاهرة على وجهه كيف وصل الحال بمرضى السرطان داخل هذا البلد والذي يشكل غالبيتهم العظمى من شريحة الفقراء والمعدمين والعاجزين عن شراء إبرة ترامادول أو مسكنات قد تجدها في معظم الصيدليات المنزلية.

مرضى السرطان يصارعون الموت وحيدين

بعد أقل من شهر فقط من زيارة المريضة بسرطان العمود الفقري “قبول” لمركز الأورام والحصول على العلاج الاشعاعي خلال 10 أيام، وقف وضعها المادي الصعب حائلاً أمام الاستمرار في استخدام الأدوية باهضة الثمن، ولأن أولادها وبناتها الساكنين في الحديدة المتشوقين لسماع خبر شفاء والدتهم عاجزون أيضاً عن مد يد العون لها لقلة حيلتهم وصعوبة وضعهم المادي، لم تستطع والدتهم المريضة أن تزيد من أعبائهم وتحميلهم فوق طاقتهم وظلت تلتزم الصمت في منزل أقرباء لها بالعاصمة صنعاء دون علاج تنتظر قضاءها المحتوم.

ماتت “قبول” يوم الاثنين 5 أغسطس الجاري متأثرة بمرض السرطان، دفنت في مسقط رأسها اليوم التالي ودفنت معها كل آمال وطموحات المرضى الآخرين الذين لا يزالون يصارعون المرض وحيدين بعد تخلي الجميع عنهم في هذا البلد، وبات كل منهم قصة إنسانية يحتاج قراءتها سنوات طويلة، كما أنها ستظل شاهدة على قبح الزمن وبشاعة البشر.

وفي محافظة اب جنوبي العاصمة صنعاء يعاني محمد أحمد البالغ من العمر ثلاثة أعوام ونصف من سرطان الكلى. وبابتسامته التي تأسر القلوب، يرجو محمد الطبيب بالسماح له بالعودة للمنزل. تلقى محمد حتى الآن ست جرعات من العلاج الكيماوي على مدى ثمانية أشهر، إلى جانب جرعتين إضافيتين له في الأشهر المقبلة. تحاول عائلة محمد الانتقال من إب إلى صنعاء لتوفير تكاليف التنقل.

تقول والدة محمد: “يكلف السفر لكل جلسة علاج ما يقارب من 50000 ريال يمني (أقل من 100 دولار أمريكي) لتغطية تكاليف المواصلات فقط. الجرعة الواحدة من العلاج تكلفنا الكثير، ونضطر لاقتراض المال لدفع تكاليف جرعات العلاج. يعمل زوجي كمدرس وقد توقفت الحكومة عن دفع رواتب موظفيها ولم يعد لدينا أي شيء نملكه”.

وبحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية ، يعاني حوالي 35000 مريض بالسرطان في اليمن، من بينهم نشوان ومحمد اللذان يعدان اثنين فقط من بين أكثر من 1000 طفل يعانون من السرطان- أي ما يقارب 12 ٪ من 11000 حالة جديدة يتم تشخيصها كل عام في البلاد.

مركز الأورام يدق ناقوس الخطر

تأتي وفاة المرأة المسنة “قبول” 60 عاماً متأثرة بمرض السرطان، تزامناً مع تحذيرات المركز الوطني للأورام السرطانية  من الوضع الصعب والمزري للمركز والمرضى معاً نتيجة استمرار الحرب.

وقال الدكتور عبدالله دحان ثوابة – مدير عام المركز الوطني للأورام السرطانية، في تصريح مطلع أغسطس الجاري، إن قسم الإشعاع في المركز قد يغلق في حال لم تتدخل منظمات المجتمع الدولي، مبيناً أن المريض اليمني قد يُحرم من العلاج الإشعاعي للسرطان، لافتا إلى أن مادة اليود المشع مادة بسيطة غير مكلفة وتتدخل في إطار علاج المريض إلا أن التحالف يمنع دخوها إلى اليمن ما يسبب كارثة صحية حقيقية.

وأوضح مدير مركز الأورام أن العلاج الكيميائي للسرطان انه لم يعد ممكنًا دخوله إلى اليمن كون نقله جواً عبر الطائرات وهذا غير ممكن بسبب إغلاق مطار صنعاء، مشيراً إلى أن الجانب الجراحي في علاج مرضى السرطان متوفر بشكل جزئي لأن بعض هذه الحالات تستدعي السفر إلى خارج اليمن، مضيفاً: المريض اليمني يعاني ونحن نعاني معه ونتألم معه والمجتمع الدولي متغيب تماماً عن هذه المشكلة.

وبيّن الدكتور ثوابة أن المركز يعالج جميع المرضى بحسب الإمكانيات الموجودة في الخطة العلاجية واليوم معظم هذه الإمكانيات ليست موجودة، داعياً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في فتح مطار صنعاء وتوفير الخدمات لمرضى السرطان.

و يتلقى معظم مرضى السرطان العلاج في المركز الوطني لعلاج الأورام في صنعاء الذي يستقبل أكثر من 600 مريض في الشهر. يقول الدكتور عبدالله ضبعان، مدير العلاقات العامة في المركز.”نستقبل كل يوم على الأقل 25 حالة جديدة. يغادر الكثير من المرضى المركز دون أي أمل بالعودة لتلقي العلاج بسبب عدم قدرتهم على تحمل هذه التكاليف، وأشعر بالألم الكبير لعجزنا عن تقديم المساعدة لهم”.

ويضيف ضبعان “حتى أولئك المرضى الذين تمكنوا من الذهاب إلى المركز للعلاج أصبحوا الآن في خطر، لأننا نفتقر للتمويل بشكل كبير ولا نملك حتى المصاريف التشغيلية. الاحتياج كبير ولدينا نقص حاد في أدوية علاج السرطان مما سيؤدي إلى انخفاض عدد المرضى الذين يتلقون العلاج. واذا اضطررنا لإغلاق أبوابنا أمام المرضى فسيواجهون الموت الوشيك”.

ارقام مخيفة

أعلن وزير الصحة طه المتوكل في وقت سابق من هذا العام عن تسجيل 40 ألف اصابة سنوياً بأمراض السرطان، يموت منهم 20 ألف شخص كل عام، أي أن هناك 80 ألف انسان لاقوا حتفهم بسبب تفشي السرطان منذ أن بداية الحرب، ويتوقع المتوكل أن تسجل أعداد مرضى السرطان زيادة أكبر مع مرور الوقت في ظل الحصار.

وقد زادت معاناة المرضى، بسبب انعدام الأدوية الناجم عن الحصار، و إصرار دول تحالف العدوان على منع إدخال القطع اللازمة لصيانة الأجهزة في المركز الوطني لعلاج السرطان في صنعاء، وبحسب الاحصائيات الصادرة عن مركز الأمل التابع لمؤسسة مكافحة السرطان، يتردد على المركز يوميا ما بين 40 و50 حالة، مشيرة الى  أن 80% من أصناف أدوية السرطان غير متوفرة لدى المؤسسة، وغير قادرة على توفيرها.

وفي السياق ذاته تقول ممثلة منظمة الصحة العالمية في اليمن ألطاف موساني: “تعد الأمراض المزمنة مسؤولة عن 57٪ من إجمالي الوفيات في اليمن. ويؤثر السرطان على جميع الفئات العمرية في البلاد بنسبة 60% ممن تبلغ أعمارهم مابين 30 إلى 60 عاماً. تعد الوقاية من السرطان أمراً أساسياً، وتعمل منظمة الصحة العالمية واليونيسف بالتعاون مع السلطات الصحية المحلية والشركاء على ضمان إعطاء الأولوية للوقاية، مما يتيح الاستجابة لهذه التكلفة الخفية للحرب”.

وقالت المنظمة في موقها على الانترنت انه لا ينبغي أن يعد السرطان بمثابة عقوبة إعدام لكنه في اليمن أصبح كذلك. الكثير من اليمنيين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج ويضطرون للبقاء في منازلهم دون علاج في انتظار الموت الذي قد يوقف آلامهم.

Exit mobile version