د. عبدالحميد الصهيبي
في الثانية عشرة من العمر أوقفت مشوار دراستها نزولاً عند رغبة أسرتها إدخالها – عنوة -في القفص الذهبي فكان زواجها..وبدأت المعاناة من ذلك اليوم وحتى الآن.
معاناة فتاة قاصرة مع متاعب الزواج ومشاكل الولادة فضلا عن تلك الآلام والأحزان التي حفرت مكانها في ذاكرة العقل والفؤاد فانسحبت تلون حياتها بالسواد.
ليس غريباً أن تشكو من ألم مزمن في معدتها لا يستجيب للأدوية لأن الدواء لا يفيد طالما وان السبب ما زال مستمراً في إحداث تفاعلات عصبية حائرة تغذي الإفراز الحمضي في جدران المعدة فتتحول التهاباتها وآلامها إلى تقرحات مزمنة لها ما بعدها من التبعات والآثار.
لمثل هذه الحالة وغيرها الكثير ينبغي أن يركز الطبيب على السبب الرئيسي وراء ذلك التغير الذي تسبب في اضطراب فسيولوجية المعدة وعصارتها وبقدر الإمكان يحاول التخفيف من آثار تلك العوامل.
بالتأكيد فإن بعض المشاكل اكبر من إمكانيات الأطباء بل واكبر-ربما- من إمكانيات وقدرات النظام الصحي, ولكن هذا لا يعفي الطبيب من المحاولة…ومن واجبه التثقيف والتوعية والإرشاد للمريض وعدم الاكتفاء بوصف الأدوية التي قد لا يتمكن المريض من شرائها, وقد لا تحدث فرقاً كبيراً إذا ما سمحت له الإمكانيات في شرائها.
في القديم كان إطلاق اسم الحكيم على من يقوم بمداواة المرضى, وفي الوقت الحاضر يطلق عليه الطبيب, وفي الحالتين فإننا وببساطة نستطيع أن نتعرف على أهم عوامل النجاح لهذا أو ذاك في تقديم المساعدة لمن يحتاج إليها, وذلك يكون فقط بامتثال الأسلوب والتعامل الحكيم مع كل حالة وتطبيب المرضى بكلمات ولمسات حانية تشعر المريض بدور حقيقي للطبيب يصنع قناعة واعتقادا لدى المريض بأهمية الدواء والالتزام به ورغبة أفضل في تناوله وإيمانا كبيرا بأنه سيحقق الشفاء والتعافي.
قد يكون ما ندعو إليه على حساب وقت الطبيب وقدراته على استقبال أعداد كافية من المرضى, ولكن ذلك هو الواجب وهو الأهم فالمعالجة بالصورة الحالية تتحول إلى نماذج شبيهة بأساليب المعالجة الإلكترونية عبر الانترنت والرد الآلي من خلال وصف الحالة فيتم بصورة ذاتية الرد على تشخيص الحالة ووصف الدواء المناسب وفقا لأحدث البروتوكولات العالمية مما يضع مهنة الطبيب ووظيفته في مهب الريح إن ظلت تعاملات الأطباء أثناء جلوسهم مع المرضى كتعامل الآلات المجردة من المشاعر, إذ أن المريض في الأخير سيبقى كما هو إنسانا والطبيب هو من يحول نفسه إلى آلة بالإمكان الاستغناء عنها وهو ما يبدو قريبا وقريبا جدا !!
وقفات
العصب الحائر
إن عوامل القلق التي تصيب الشاب او الفتاة لمجرد التفكير في الارتباط وخصوصا للأولى- كما اشرنا في حالة النساء مع آلام والتهابات المعدة والقولون العصبي – وما ينجم عنه من التزامات ومسؤوليات وتقييد في أسلوب الحركة والحديث والاهتمامات تدفع الكثير منهن وخصوصا القاصرات إلى التشاؤم من كل شيء ومن ثم يتحول القلق إلى حالة ملازمة لا يستطعن التغلب عليها.
ومن هنا تظهر المعاناة والاضطراب في أجهزة وأعضاء الجسم نتيجة الاستثارة الدائمة للعصب الحائر او ما يطلق عليه العصب المسافر مسببا الكثير من المشاكل الصحية وخصوصا في الجهاز الهضمي والجهاز الدوري.
وتزدحم العيادات في المراكز والمستشفيات بالكثير من الحالات التي تظل حائرة لا تجد دواء شافيا لأنها لم تنل اهتماما كافيا وتطمينا مناسبا يساعدها على تخفيف الاستثارة المفرطة للعصب الحائر وتأثيره على العديد من أعضاء الجسم التي تظل تبحث هنا وهناك عن الأدوية المسكنة ..والتي قد تفيد في تخفيف حدتها ولكنها لا تحقق الشفاء طالما ان مسبباتها لم تنته ولم تتوقف .
وزارة الصحة.. جهود في الطريق الصحيح
عشوائية الدواء,انعدام الجودة وضعف الرقابة على المستشفيات,غياب الإشراف على مراكز وعيادات العلاج بالأعشاب,كل ذلك أدى إلى تفاقم الحالات المرضية وازدياد أعدادها وخلال الفترة الماضية قامت وزارة الصحة بعدد من الخطوات التي تعيد للصحة بعض الملامح التي غابت عن وجهها وكان آخر تلك الخطوات قرارات جريئة بسحب تراخيص وغلق كلي أو لبعض الأقسام لعدد من المستشفيات الخاصة وسحب التراخيص منها بناء على نتائج تقييم حول مدى مطابقتها الحد الأدنى من المواصفات والمعايير .
وعن الأخيرة أتساءل عن معيار هام من معايير جودة الخدمات الصحية وهو التزام المرفق الصحي بجلسات التثقيف والإرشاد الصحي والدعم النفسي, وهذه من الخدمات التي تساعد في زيادة معدلات الشفاء وتخفيف أعباء المرضى بالإضافة إلى الدور الهام الذي تلعبه في الحد من انتشار الأمراض.
ولاشك أن أولى الشعوب للحصول على مثل هذه الخدمات هو شعبنا اليمني الذي يعرف بأنه« الأرق قلوبا والألين أفئدة»وفقا لشهادة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه ,وفي ظل ما يعانيه أبناء الشعب بسبب الحصار والحرب وما تعرض له من أزمات اقتصادية سابقة ومرافقة وتالية كلها تجعل الاهتمام بالإرشاد والدعم النفسي للجميع بشكل عام والمرضى بشكل خاص أولوية من أولويات الصحة, وينبغي الاهتمام بها وعدم إغفالها في اللوائح والخطط والاستراتيجيات لوزارة الصحة, كما أن من الأهمية بمكان حشد موارد كافية من أجل فتح نوافذ للإرشاد والدعم النفسي تستطيع من خلالها التغلب على محدودية العدد للمختصين في هذا المجال والتي تشير إلى أن طبيباً واحداً لكل نصف مليون من السكان بحسب المقابلة التي أجريت مع استشاري الأمراض النفسية -الدكتور عبد الله حرمل- في عدد سابق من هذه المجلة.