دونما أي سابق تخطيط ..انتظمت محاور الحديث بشكل تتابعي في هذه المساحة التي تتناثر فيها حروفنا الحيوية . وبعد أن تناولنا أهمية الإرشاد والدعم النفسي في إطار عنوان أشمل للعلاج وهو العلاج العاطفي تم تناوله في العدد الماضي نتناول الصحة النفسية في ذكرى يومها العالمي . ففي هذا الشهر من كل عام يحتفي العالم بيوم الصحة النفسية الذي يصادف العاشر من أكتوبر وبهذه المناسبة أقيمت العديد من الأنشطة للوزارات والمنظمات ذات العلاقة . وبرغم أن هذا الاحتفال يمثل شكلا من أشكال المناصرة والتحشيد للفت انتباه الجميع لهذه النافذة المهمة من أجل حياة مفعمة بالعافية وأوقات مليئة بالحيوية والسعادة إلا أن الإهمال ينادي الجميع في كثير من الزوايا وهنا فقط نحاول إيصال الصوت ..علّنا نجد من يهتم ويصنع بَصْمَتَه . ولاشك أن هذه الرسالة لا تقف عند حدود تحميل المسؤولية لطرف بعينه او لجهة بعينها فالكل مسؤول ..جهات حكومية ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات دولية او قطاع خاص او حتى أفراد يعيشون في هذا المجتمع يفترض بهم ان يكونوا صناع السعادة وهم هدفها في ذات الوقت . وهنا نعرج بندائنا قليلا نحو فئات مخصصة تحتاج مزيدا من الرعاية وجهودا اكبر لتخفيف معاناتها وجبر خواطرها التي تأثرت نتيجة الأحداث والحروب والصراعات فضلا عن تأثير الأمراض والأوبئة..الهجرة او النزوح .. فكثير من النساء والأطفال فقدوا العائل الذي كان يغنيهم ذل السؤال .. وكثير من المرضى والجرحى والمصابين كانت للأحداث والمآسي التي ألمّت باليمن الدور الأكبر لإصاباتهم سواء بأمراض عضوية كالضغط والداء السكري وغيرها او بسبب ضعف النظام الصحي وعدم قدرته على توفير وسائل الوقاية للأمراض المنقولة كالفيروسات وفي مقدمتها فيروس الكبد والعوز المناعي البشري) اتش اي في )او أنواع البكتيريا وفي مقدمتها الكوليرا ..أو جاءت كتبعات للصدمات المتتابعة لأفراد المجتمع في ظل غياب آفاق لانتهاء الأزمة مما ولد الكثير من المشاكل النفسية وحالات الاكتئاب المزمن وغيرها . بطرق مباشرة او غير مباشرة وفي مستويات متفاوتة تعاني مثل هذه الفئات أشكالا مختلفة من أساليب التمييز او الاستغلال وقد يتم حرمانها من كثير من الحقوق التي كفلتها القوانين في كل زمان ومكان . ولعل أكثر تلك المجموعات تضررا وتاثرا هم الأشخاص المصابون بفيروس العوز المناعي البشري «اتش أي في »،فمعاناة الوصمة والتمييز وما قد يتبعها من إقصاء او حرمان يعتبرها المصابون أشد فتكا من تأثير الفيروس نفسه . قبل عدة أيام نظم البرنامج الوطني لمكافحة المرض ورشة عمل تدريبية لتدريب مدربين حول تقديم خدمات الفحص والمشورة التي يشجعها الكادر الصحي …وتم خلالها التطرق إلى أهمية تضافر الجهود وتكاملها بعيدا عن أساليب التدخلات الراسية التي تفقد منافع التكامل والتنسيق ,وحيث أن مثل هذه المراكز ومن يعملون فيها قادرون على تقديم خدماتهم الإضافية حول التوعية بمخاطر السلوكيات التي تضر الشباب بما فيها أشكال الإدمان المختلفة وفي مقدمتها الإدمان على المخدرات فضلا عن خدمات الاستشارة بشأن خيارات الإنجاب وتنظيم الأسرة وغيرها فإن التكامل ضرورة وحاجة في نفس الوقت ونأمل العمل من أجل ذلك.. وبالتزامن مع انعقاد النشاط التدريبي الهام عقدت ورشة عمل لاجتماع موسع مع كافة الجهات ذات العلاقة بمكافحة انتشار فيروس العوز المناعي البشري (اتش أي في ) توجت بحضور قيادة الوزارة وعلى رأسهم الوزير الذي أكد على أهمية التنسيق القطاعي في مواجهة الأمراض المنقولة وغير المنقولة والتي تعزز جهود الوزارة ونجاحها في تحقيق وانجاز المؤشرات والوصول بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها . وتأتي مثل هذه الخطوات لتعكس التزاما عاليا من أجل الحد من المشكلة وفرملة عجلة دوران كرة الثلج التي يزداد حجمها يوما بعد يوم . ولا شك ان المعرفة الصحيحة بالفيروس وطرق انتقاله وكيفية الوقاية منه هي أولى خطوات الاستجابة لمواجهة المشكلة على المستوى الفردي والمجتمعي وهذه المعلومات بلا شك أصبحت في متناول الجميع ولكن الحصول عليها ضمن مواقع خدمات المشورة والفحص التي يشجعها الكادر الصحي تساعد الشخص على التحول السريع باتجاه التطبيق والحرص على الوقاية والحماية الشخصية والأسرية والمجتمعية . ومن خلال هذه المجلة(المجلة الطبية) ومتابعيها في كثير من المرافق الصحية نضع هذا النداء من أجل تعريف المحتاجين من أفراد المجتمع والمترددين على المؤسسات الصحية وتشجيعهم على الحصول على هذه الخدمات وأماكن وجودها وإحالتهم للوصول والاستفادة منها محاطة بمعايير السرية والخصوصية والثقة من أجل صحة للجميع وبالجميع .
تجربة للتأمل : عبر نافذة الخط الساخن والرقم المجاني للاتصال ..وبناء على المعلومات والتعليمات والإرشادات للمتصلين ممن تعتريهم المخاوف والشكوك حول احتمالية الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري (اتش أي في )وصل إليّ أحد الشباب قبل أكثر من عقد من الزمان وإليكم ملامح عن قصته : شاب في بداية العشرينيات..تحدث إليّ بصوت غير واضح وهو يمد إليّ بورقة تحملها يده المرتعشة. كانت نتيجة فحص لحالة إصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (إتش اي في ).. فسألت الشاب: وأين المصاب؟ لم أكن أتوقع أن يكون المترنح أمامي هو المصاب وان كانت علامات ما فيه من الحسرة والألم والحزن والاكتئاب كفيلة بالدلالة والإشارة والتعريف. لا أخفيكم القول بأن هذا الشاب- الضحية- وغيره من الشباب في اليمن الحبيب يواجهون جراء التمييز معاناة تفوق في حجمها وتأثيرها وكذلك خطرها معاناة المصاب من إصابته وتأثير وخطر تلك الإصابة على حياته وأسرته ومجتمعه..انها المعاناة التي يكتوي بنارها وآلامها جراء التمييز والوصم الذي يواجهه من أفراد المجتمع. لم أسأله عن طريقة الإصابة بل دعوته لطرق باب المشورة والحصول على الدعم من كوادر تم تدريبها على الإرشاد النفسي في إطار خدمات البرنامج الوطني لمكافحة الفيروس والذي كنت أديره وقتها . وكانت مفاجأتي وأنا ألامس الفرق في حالة الشخص الذي انقلب بدرجة كبيرة بعد ان قدمت له المشورة و التي لم تتجاوز جلستها نصف ساعة . لم يكتمل حديثنا ومازالت لحروفنا الحيوية بقية حول الموضوع ضمن نوافذ مجلتكم الطبية فإلى اللقاء .