المجلة الطبية

الناسور الولادي .. قاتل وعلاجه متاح

-

الناسور الولادي .. مرض يمكن تجنبه وعلاجه متاح

تقرير/ نجلاء راجح

غرفة مهترئة في سطح المنزل ودورة مياه متهالكة وأثاث بسيط ، هذا كل ما تمتلكه فوزية العتمي 27 سنة بعد ان أصيبت بالناسور الولادي ، وبدلاً من ان تذهب الى غرفة العمليات لإجراء التدخل الجراحي اللأزم فرضت عليها أسرتها عزلة أشبه بالسجن.

تقول صديقتها فردوس عمر لـ”المجلة الطبية” أن فوزية كانت فتاة مرحة حتى بعد أن تزوجت في سن مبكر 14 عاما وخلال 12 سنة أنجبت  سبعة أطفال غير أن حملها الأخير تسبب لها بكثير من المتاعب وأهمها إصابتها بالناسور الولادي.

وبحسب كلام فردوس تعتني والدة فوزية بالأطفال وتسمح لهم بزيارة أمهم باستمرار لكنها لا تسمح لهم بالمبيت عندها، في الوقت الذي لم يعد يزورهم والدهم الذي يعمل في بيع الخضروات في العاصمة صنعاء إلا مرة كل ستة اشهر وتستغرق فترة زيارته لزوجته دقائق قليلة كزيارة المريض.حد تعبيرها.

فوزية واحدة من آلاف النساء اليمنيات اللائي اصبن بهذا المرض ولا يجدن طريقا الى العلاج إما بسبب الفقر وقلة الوعي أو بسبب الحرج و عدم البوح به لهذا عادة ما يسمى هذا المرض “بالمرض الصامت”.  وعادة ما تتعرض مريضات الناسورالولادي للطلاق أو الهجر او العزلة.  هناك مليونا امرأة في العالم مصابات بالناسور الولادي غير المعالج، ويضاف إليهن سنوياً 100 ألف إصابة جديدة، غير أن الكثير من المصابات في المجتمعات الأكثر وعيا سرعان ما يلجأن الى المستشفيات لإجراء العمليات وهذا ما جعل معظم الإصابات تتركز في الدول الفقيرة والتي منها اليمن .

الثقب المهبلي

يعرّف صندوق الأمم المتحدة للسكّان (UNFPA) الناسور الولادي بأنه «إصابة أثناء الولادة تم إهمالها إلى حدٍ كبير، على الرغم من الأثر المدمر الذي يسببه على حياة الفتيات والنساء المتضررات، تحدث غالباً نتيجة ولادة متعسرة لفترات طويلة بدون تدخل طبي عاجل في الوقت المناسب – غالباً بالتدخل بعمليات قيصرية طارئة، الضغط المتواصل من رأس الطفل على عظام حوض الأم يضر بالأنسجة الرخوة، ويخلق ثقباً أو ناسوراً بين المهبل والمثانة او المهبل و المستقيم او كليهما ، يحرم الضغط الأنسجة من تدفق الدم إليها ما يؤدي إلى تآكلها في نهاية المطاف، الأنسجة الميتة تنزلق خالقةً ناسوراً الأمر الذي يُسبب تسربا مستمرا للبول و/أو البراز عن طريق المهبل.»

أعراض الإصابة

إن من أهم أعراض الإصابة بالناسور الولادي هي عدم قدرة المرأة بالتحكم بخروج البول أو البراز أو كليهما لا إرادياً بشكل مستمر ليلاً ونهاراً هذا يدل على أنها مصابة بالناسور الولادي.

وتشير تقارير طبية الى ان هناك آثاراً أخرى للناسور الولادي مثل ولادة أطفال مليصة نتيجة لطول فترة الولادة، والتي تحدث في 85 ٪ -100 ٪ من الحالات، اضافة الى تقرحات شديدة في القناة المهبلية، و«تدلي القدم» حيث يحدث شلل في الأطراف السفلية الناجم عن تلف الأعصاب، مما يجعل من المشي أمراً مستحيلاً بالنسبة للنساء.

أسباب الإصابة

تعود أهم أسباب إصابة المرأة بالناسور الولادي الى استمرار المرأة الحامل في حالة المخاض لأيام متتالية دون الحصول على التدخل الطبي الضروري لمساعدتها ، وتشير الاحصائيات الرسمية إلى أن غالبية النساء اللائي يصبن بناسور الولادة يستمر المخاض لديهن 3 أيام واكثر بالمعدل.

كما أن هناك عوامل أخرى تساعد في إصابة النساء بهذا المرض مثل الحمل المبكر للنساء وهن مايزلن في سن صغيرة، وهذا ما يحدث غالبا في اليمن، بالاضافة الى خلل في التناسب الرأسي الحوضي لدى المرأة بسبب سوء التغذية وعدم حصولها على كفايتها من الكالسيوم وفيتامين د، ما قد يسبب لديها تشوهات في الحوض.

كما أن كبر كتلة جسم الجنين أو أن طريقة تموضع الجنين في الرحم ليست مناسبة لعملية الولادة قد تكون سببا إضافة الى تعرض الحامل لعملية ختان الاناث.

وهناك أسباب أخرى لكنها ليست شائعة بكثرة مثل إصابة المرأة بالسرطان أو تعرضها للأشعة خلال علاج السرطان، أو نتيجة إجراء جراحي مهبلي غير ناجح تماماً.

ومن الممكن أن ينشأ ناسور الولادة عن عنف جنسي تعرضت له المرأة، أو عن إصابتها بمرض منقول جنسياً مثل مرض الورم الحبيبي اللمفي.

وقاية واجبة

يدرج الأطباء والجراحون جملة نصائح وتعليمات للحوامل اثناء متابعة الحمل وقبل أن يحين موعد ولادتهن، ان يكون ولادة امنة تحت اشراف كادر مؤهل ومنها الولادة في مركز طبي أو مستشفى، حتى وإن كانت الفحوصات المنتظمة لا تدل على علامات خطر أثناء الحمل. ويؤكدون أن الولادة تحت إشراف طبي يجب أن تشمل النساء اللائي تقل أعمارهن عن 17 عاماً أو تزيد عن 35 عاماً، والنساء اللائي ولدن أكثر من 5 ولادات، والحوامل المريضات واللائي يعانين من فقر الدم بسبب نقص الحديد، وعدم تناولهن طعاماً صحياً كافياً، ومريضات السكري، ومن لديهن مشاكل سابقة مع الحمل والولادة مثل النزيف الشديد وارتفاع ضغط الدم أو الولادة المتعسرة.

وبحسب أخصائيين يمكن الوقاية من الناسور تقريباً بشكل كامل، فهو مرض عادي يمكن العلاج منه بعملية جراحية تصحيحية ومتابعة صحية بالاضافة الى سرعة زيارة الطبيب.

العلاج ممكن

تموت أُم  كل ساعتين في اليمن نتيجة مضاعفات الحمل أو الولادة  بحسب إحصائيات منظمات أممية. و من لم تمت أثناء الولادة تصاب بمرض كالناسور الولادي ، ، وكل يوم يمر على المصابة بالناسور الولادي يضاعف من مأساتها في ظل من يلاحقهن إما بنظرة الشفقة او الازدراء، هناك المئات من المصابات بالناسور الولادي في اليمن خضعن لعمليات جراحية في صنعاء وعدن، سواء على أيدي طبيبات يمنيات أو عن طريق جراحين يتم استدعاؤهم من الخارج من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتماثلن للشفاء تماما وعُدن ليمارسن حياتهن الطبيعية.

لذا يفترض على المصابة او المجتمع المحيط بها سرعة مراجعة المختصين في حالة تعرض المرأة للإصابة بالناسور الولادي ، فبحسب مختصين كلما كانت زيارة الطبيب مبكرة كانت إمكانية العلاج وتلافي الأضرار افضل، خاصة أن هناك من يعمل من أجل علاج هذا المرض حيث أكدت  مختصة برامج الصحة الإنجابية في صندوق الأمم المتحدة للسكان الدكتورة أفراح الأديمي في تصريح لـ”المجلة الطبية” ان هناك المئات من الحالات في اليمن قد تم إجراء العمليات لهن وتماثلن للشفاء، مضيفة أنه في عامي 2011 و  2012 قام صندوق الأمم المتحدة للسكان باستدعاء خبير دولي لتدريب عدد من الطبيبات اليمنيات في صنعاء وعدن وقام بإجراء أكثر من 52 عملية جراحية  بنجاح لمصابات بمرض الناسور في أول زيارة له.

و تضيف “انه ورغم فداحة ما تتعرض له المرأة وتكرار الحالات بشكل شبه يومي إلا أنه لا توجد إحصائيات رسمية للمصابات بالناسور الولادي في اليمن كما لا يوجد أي تسجيل أو معلومات كافية عن تلك الحالات في المستشفيات الحكومية أو الخاصة”.

المسكوت عنه

يعد هذا المرض من الأمراض المسكوت عنها حيث أكدت مسئولة الإعلام والتواصل في صندوق الأمم المتحدة للسكان فهمية الفتيح لـ “المجلة الطبية” أن مرض الناسور الولادي من الأمراض والقضايا المغيبة سواء في السابق أو الوقت الحالي، وهو ما دفع الصندوق إلى إطلاق حملات إعلامية من ضمنها تدريب إعلاميين في صنعاء و عدن للتعريف بمرض الناسور الولادي للمساهمة برفع الوعي والتوعية به في أوساط المجتمع اليمني.

وقالت الفتيح إن قضايا المرأة مغيبة بشكل كبير في اليمن وبالتالي فإن مرض الناسور الولادي إحدى تلك القضايا، مبينة أن جميع تلك القضايا تتطلب تكاتف الجميع، لافتة إلى أن الصندوق يعتبر هذا المرض من القضايا الهامة كون المريضات اليمنيات غالبا من الشريحة الأشد فقرا.

وأكدت الفتيح ، أن صندوق الأمم المتحدة للسكان يولي إهتماما كبيرا بقضية الناسور الولادي باليمن قبل أن يتم الاتفاق مع الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات، حيث بدأت الحالات تأتي ويتم إجراء اللازم لهن وقد تماثلن كثيرات للشفاء. كذلك يقوم الصندوق بعمل برنامج دمج للمريضات في مجتمعاتهن و تمكينهن إقتصاديا.

وأوضحت فهمية الفتيح أن الصندوق يسعى الى مضاعفة الجهود للحد من مرض الناسور الولادي من خلال حصول الجميع على خدمات الصحة الانجابية وتدريب المزيد من القابلات اللائي تتوفر من خلالهن الرعاية الصحية للأمهات والرعاية بعد الولادة لكشف حالات الإصابة بناسور الولادة ومعالجتها في وقت مبكر ، وكذا زيادة الوعي عن النواسير من خلال التوعية الإعلامية.

وفي ذات السياق، تقول مدير الصحة الانجابية في وزارة الصحة العامة والسكان لـ “المجلة الطبية” زينب البدوي ،إن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) يواصل دعم النساء المصابات من خلال التدخل الجراحي عبر وحدتي علاج الناسور في مستشفى الثورة ومستشفى السبعين بصنعاء ومستشفى الصداقة التعليمي في عدن، مؤكدة علاج أكثر من 308 حالات منذ عام 2012 ، وحتى مايو 2019 الجاري.

كما أفادت رئيسة قسم الناسور الولادي بمستشفى الصداقة التعليمي في عدن الدكتورة اقبال محمد ناجي ، أن المركز أجرى 64 عملية جراحية منذ العام 2014 ، وحتى مايو الحالي 2019 بنسبة نجاح 86 ٪ ، وبينت أن أفضل الطرق للوقاية من المرض، تعد في محاربة الزواج المبكر وتأخير سن الإنجاب للمرأة.

وقالت رئيسة قسم الناسور الولادي بمستشفى الصداقة التعليمي في عدن، الدكتورة اقبال محمد ناجي انه«يمكن للمصابات بناسور الولادة إجراء جراحة لعلاج هذه الحالة» حيث يمكن علاج نحو80 ٪ إلى 95 ٪ من الحالات تقريبا عن طريق الجراحة، موضحة أن صندوق UNFPA) )  يقدم للمريضة التي تأتي من مناطق بعيدة تكاليف المواصلات والإقامة لتتمكن من الوصول إلى المستشفى ويدعم جميع  تكاليف العمليات الجراحية والخدمات العلاجية مجاناً، بالإضافة إلى تأمين المعدات الطبية والأدوية والمستلزمات اللازمة لوحدات علاج الناسور في المرافق المستهدفة، بما في ذلك الحقائب الخاصة للمريضات التي تحتوي على الاحتياجات الأساسية من ملابس ومستلزمات النظافة الشخصية للمريضة.

Exit mobile version