د. عبدالحميد الصهيبي
أنوار الذكرى
تأتي ذكرى ميلاد المصطفى حاملة معها أنوارا تتجدد من خلالها مفاهيمنا ونظرتنا نحو الحياه وتفاصيلها .
وغني عن القول أن النبي صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه
لم يتخذ شكلا رهبانيا في تعبده، وكان متوازنا في علاقاته، مؤديا واجباته، مرتبا لاولوياته ومسؤلياته .
ومن خلال العودة إلى ما روي من سيرته العطرة من المواقف والتي حملت إلينا توجيهاته يتضح لنا يقينا أنه كما قال عن بعثته« إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وفي هذا التمام الأخلاقي يصل المجتمع إلى أعلى مستويات الرقي المجتمعي المعزز لثقافة الخير والطمأنينة والراحة والأمان وما يتولد عنها من السعادة .
ولا عجب إذا ما لمسنا شمولية التوجيه النبوي المحمدي في كل شؤون الحياة وبما يؤدي إلى رخاء المجتمع ونهضته .
وبهذه المناسبة العظيمة أجدها فرصة لربط المفاهيم النبوية في ذكرى الميلاد النبوي لهذا العام ببعض الأيام التي تم الاتفاق عليها عالميا وإقرارها في إطار حملات وأيام عالمية ..كان الأولى أن يتبناها المسلمون بدلا من الوقوف ضدها تارة بحجة أن فيها تقليدا للغرب وأخرى نتيجة للتاويل فيما وراءها معززا بنظرية المؤامره، ثم نجد أنفسنا في حالة من التنائي عن ما يهم الناس وما يسلط الضوء على مشاكل تواجههم في حياتهم لا نجد بدا من اللحاق المتأخر بها، وهو نفس الموقف الذي يقفه البعض في مواجهة ورفض مبدأ إحياء ذكرى ميلاد النبي الخاتم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه المنتخبين -فنفقد بسبب تلك الآراء فرصة التذكير بما جاء به.
ومن اللافت أن ما تم الاتفاق عليه وتسميته كأيام عالمية يتناغم تماما مع الدعوات والتوجيهات النبوية إلا ما ندر من مناسبات شاذه والشاذ لاحكم له ولسنا مجبرين على اتباعها.
ومع روعة الأضواء التي انتشرت تتزين بها الشوارع أضع هنا حروفي الحيوية لتسليط الضوء على ما هو أروع لعله يتدفق في قلوبنا ويعطينا ما يكفي من الطاقة الإيجابية المحركة لحواسنا وأفعالنا وممارساتنا ، ولنتخيل هذه العبارة لتكون هي الأكثر بروزا في ذكرى المولد النبوي لهذا العام «استوصوا بالنساء خيرا » .. أليست دعوة لإيلاء النساء مزيدا من الرعاية والاهتمام ومحاربة كل أشكال العنف التي قد تتعرض لها في حياتها، ومن هذا المنطلق تعددت الحملات التي سعت لمناصرة النساء والمجموعات المستضعفه كالأطفال والعمال والأيتام وغير ذلك .
وغير بعيد دعونا نتخيل أننا نقف أمام لافتة النداء العالمي للمساواة وعدم التمييز ..فالناس سواسية كأسنان المشط، ولا أفضلية لبعضهم على بعض إلا بما عملوا، لا بما انتسبوا .
وفي اللافتة الضوئية هناك تبرز كلمات وأحاديث وتوجيهات الحبيب المصطفى «افشوا السلام بينكم ». لنشر ثقافة السلام ونشر الاخبار التي تتولد معها الطمأنينة بدلا من محاولة إشعال الفتن ونشر أخبار الجرائم فتنتشر ثقافتها وكأننا نقوم للترويج لها وإن كان هدفنا من ذلك هو التحذير ،وليس التشجيع .
وهكذا تتبين لنا اهمية إحياء مثل تلك المناسبات للتذكير ولفت الانتباه لما يهم الأمة، والتركيز على بعض القضايا التي تغيب عن الأذهان او التي تستدعي شحذ الهمم وحشد الموارد لمواجهتها والتصدي لها وتتصدرها، وياتي في مقدمتها القضايا الصحية ومكافحة الأمراض والأوبئة والوقاية منها .
ومن هذه المشاكل والتحديات تحدي الفيروس العابر للحدود والذي وصل إلى كل الأقطار والبلدان وفي كل القارات .. فيروس العوز المناعي البشري «اتش أي ڤي » والذي يصادف الأول من ديسمبر يوما عالميا للتذكير بمخاطره وكيفية الحد من انتشاره.
وهنا يستوجب علينا التذكير بوصايا النبي العظيم بالعفة واجتناب خطوات الشيطان واهمية القيام بواجباتنا ومسؤوليتنا التربوية والأخلاقية في نشر المعرفة والدعوة للاخلاص وعدم الاقتراب من الفواحش، فضلا عن واجباتنا تجاه المرضى وتقديم الرعاية لهم وحماية حقوقهم مما يؤدي في المجمل إلى وقاية المجتمع.
وقبل هذا التاريخ ابتداء من 25 نوفمبر وحتى العاشر من ديسمبر تقام حملات ضد العنف والاستغلال وخلال أيامها -الستة عشر – يتم تناول قضايا مهمة تخص النساء وتدعو إلى حمايتهن من مشاكل صحيه عديدة تؤثر على حياتهن وصحتهن فيتاثر نتيجة اهمالها ويهتز اهم ركن من أركان المجتمع.
وقفات للتأمل :
حملة 16 يوما «25نوفمبر إلى 10 ديسمبر»
ومن المفيد الإشارة إلى بعض العناوين لشعارات الحملة في عدة محطات،
حيث كانت حملة (2004-2005)
بعنوان “صحة المرأة، من أجل صحة العالم.. لا مزيد من العنف”. ولا سيما التركيز على تداخل العنف ضد المرأة ووباء فيروس نقص المناعة البشرية/اتش أي ڤي .
واحتفلت حملة 2006 بـ “16عاماً لمرور 16 يوما لحقوق الإنسان المتقدمة وإنهاء العنف ضد المرأة”، والاحتفال لم يكن فقط لأولئك الذين ساهموا في الحملة؛ ولكن لأولئك الذين أعطوا أرواحهم، أوعانوا من العنف خلال كفاحهم ضد عدم المساواة
وكان موضوع الحملة من 2011 إلى 2014 “من السلام في المنزل إلى السلام في العالم.. دعونا ننهي العنف ضد المرأة”.
وفي عامي 2015 و 2016، كان موضوع الحملة “من السلام في المنزل إلى إلى السلام في العالم من أجل جعل التعليم آمنا للجميع “.
في هذا العام ركزت الحملة في اليمن على بعض المشاكل والقضايا التي ترتبط بالمرأة بدءا بزواج القاصرات وتنظيم الأسرة «تعدد الخيارات » والناسور الولادي، وما تعانيه المرأة خلال فترة الدورة الشهرية وما تحتاجه من مساندة او اإرشادات خصوصا للفتيات.
مبادرات ذاتية.. وأمنيات :
فيما قبل 2011م كنت أقوم بإحياء ذكرى المولد النبوي بطريقتي الخاصة حيث أقوم بشراء هدايا لأبنائي وقوفا عند وصية النبي العظيم تهادوا تحابوا، وفي ذات الوصية أطلقت مبادرة لاعتماد يوم عالمي للتهادي وهو يوم 30 مارس إيمانا بأن بامكاننا أن نصنع أياما جميلة ونتشاركها مع بقية سكان العالم .. للأمانة لم يكن الجهد المبذول كافيا لخلق صدى بسبب الانشغال التام بالعمل .. وآجلا او عاجلا سامضي قدما لأكمل المشوار.
وفي ذكرى ميلاد أبنائي غرست في نفوسهم تبني أي فعل او مبادرة مجتمعية وعلى سبيل المثال غرس أشجار في الأرصفة او مساعدة محتاج او زيارة مريض .. ثم توقفت عن ذلك حتى لا تتحول إلى أوامر وواجبات يتم استثقالها على يقين أنها ستستمر كمبادرات ذاتية منهم في المستقبل.
وهنا أضع فكرة اتمنى أن تنال قسطا من التفكير والتدبر والاهتمام وهي أن ترتبط الرسائل التي نركز على تسليط الأضواء عليها بما يتزامن في ذلك العام من مناسبات وأعياد عالمية ..في إطار مشاركة العالم في اهتماماته وجهوده في القضايا التنموية والصحية وغيرها، خصوصا وإن العام الهجري المتحرك سيكون بازمنته ومناسباته متجددا في ما يقابله من أيام ومناسبات توافقه في التقويم الميلادي.
لاشك أن محبتي للنبي هي التي تطغى، وفي ذكرى مولده وختاما لهذه الحروف المفعمة بالحيوية أتمنى أن تكون مبادرات المجتمع وأبنائه هي التي تروي قصص المحبة للنبي الكريم في ذكرى الحياة.
المصدر : https://alttebiah.net/?p=4269