د. عبد الحميد الصهيبي
تتزايد أعداد الحالات التي تغادر الحياة بمختلف الأعمار، وخلال الأيام القليلة الماضية تلقينا أنباء الوفاة لبعض الأقارب والأصدقاء والزملاء .
وكانت فاجعة القطاع الصحي برحيل الأستاذ الدكتور أمين الكمالي -أخصائي الجراحة للعمود الفقري هي الأكثر تداولا في وسائل التواصل ،ولأسرته وكافة الأهل والأصدقاء نبعث بأحر التعازي وهي كذلك لكل من فقد عزيز أو صديق ،ولمن غيبهم الموت دعواتنا لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان .
موت الفجأة ؛يقفز بأرقامه في أوساط الشباب، وفي ذلك إشارة إلى مسببات وعوامل ينبغي علينا أن نضع في أولوياتنا البحث والتحري حولها.
وهي مناسبة تحتم علينا الإشارة إلى واحدة من أهم القضايا التي دفعت بضحاياها في واجهة المشاكل الصحية وبصورة خفية تسللت إلينا دونما التفات أو اهتمام.
وتدفعني تلك المشكلة للعودة بالذاكرة لأكثر من عقد من الزمن ،ومعكم أتحدث عن الصورة كاملة واختم بأهم النصائح للوقاية واجتناب عواقب التساهل أو الإهمال.
في عام 2008 م كنت في زيارة تدريبيه إلى اليابان ،كل ما في اليابان كان مدهشا ،رائعا ولكن ذلك الاهتمام بشأن الوقاية من السمنة كان بالنسبة لي شيئا يفوق ما هو مطلوب.
كنت أعجب للرجال والنساء يستيقظون باكرا لممارسة رياضة المشي أو الجري ويجد الزائر ذلك وكأنه ظاهرة ،وكان لافتا اجتناب استخدام السيارات في تنفيذ المشاوير الخاصة بالتسوق وفي ذلك حماية للصحة الشخصية وحفاظا على البيئة.
ربما أن اهتماماتي وقتها كانت مركزة على أنماط المشاكل الصحية التي نعايشها في اليمن والتي تتسم بالأمراض المنقولة والأوبئة في حين لم تكن الأمراض المزمنة في تلك الفترة تمثل مشكلة ذات أولوية وهو الأمر الذي انقلب تدريجيا لتصبح الأمراض المزمنة في زمننا الحالي من أكثر المشاكل التي تواجه الصحة وتخلق الكثير من الأعباء المالية والاقتصادية وغيرها.
وأتذكر أن الأصدقاء اليابانيين قاموا بإرسال مجلة لكل المشاركين في التدريب بعد مرور عام لتعزيز الثقافة والمعرفة عن اليابان وثقافتهم واهتماماتهم.
ولقد أثار انتباهي مقال تحدث عن صحة اليابان وركز في محتواه على متلازمة الأيض « ميتابوليك سيندروم» !! وهي عبارة عن تلازم عدد من المشاكل الصحية في ذات الوقت (السمنة والكوليسترول بالإضافة إلى داء السكري والضغط ).
ومن المفيد التنويه إلى أن أنماط الغذاء والسلوك تلعب دورا رئيسيا في انجراف الكثير من الناس في سيل الأمراض وهذه المتلازمة في مقدمتها :
عودة الأحفاد لخبز الأجداد ،أو بالأصح لحياة الأجداد ،تلك الحياة المفعمة بالنشاط والحركة والعمل وبذل الجهد الكفيل بحفظ الصحة بعيدا عن هموم الاضطراب الأيضي وما ينجم عنه.
وجدير بالذكر الإشارة إلى أن فصائل الدم ،أنماط الغذاء ،وأشكال التواصل تؤثر بشكل واضح في خفض أو زيادة معدل الخطر للإصابة بالأمراض وفي مقدمتها متلازمة الأيض.
وليتنا نجرب ،نجرب فقط .. يوم بلا نت ،يوم بلا قات ،يوم بلا هموم ،يوم بلا أخبار ،يوم ،هلا جربنا الصوم ،الصوم عن تلك الوسائل والبحث عن بدائلها في ماضي الأزمان.
لقد كنت وغيري مجبرين على الصوم عن تصفح النت وفتح التطبيقات المختلفة للتواصل الاجتماعي وكذلك عدم القدرة على استلام أو إرسال أي رسائل عبر البريد الاليكتروني ،ولم تصلنا أي بلاغات بأن حالات الوفيات قد ازدادت أو أن هذا التوقف قد أحدث مصيبة عالمية.
لنجعل من التاسع من يناير ذكرى الصوم عن الإنترنت و العودة لممارسة أنشطة الحياة الاجتماعية على طبيعتها.
ولا تقف الأسباب عند العوامل المذكورة سابقا بل أن الأطعمة السريعة ،الاعتماد الكلي على وسائل المواصلات ،الانحراف عن الساعة البيلوجية في أنماط النوم ،الأعمال المكتبية المسببة للقلق، بعيدا عن ميادين المجهودات العضلية والممارسات الرياضية وغير ذلك الكثير.
قد يتساءل البعض ممن تصلهم حروفنا في هذا العدد عن أهمية الرسالة وتوجيهها للكادر الصحي وهل هم الجمهور المستهدف أم أن الدور المناط بهم هو نقلها وإعادة نشرها إلى المستفيدين من الخدمات التي تقدم في المرافق الصحية والإجابة أن هذه الرسالة موجهة للجميع فالكادر الصحي وبقية أفراد المجتمع في المدن هم الأكثر تعرضا لهذه المتلازمة ومخاطرها.
إن هذه المتلازمة هي أحد الأسباب التي قد تكون هي التي تغيب عنا كلما داهمنا خبر الوفاة المفاجئة لأحد الزملاء والأصدقاء والتي تزداد يوما عن يوم وتظل العقول في حيرتها تسأل ولكن لماذا ؟ ولأنجد لها أي استمرارية عندما تواجهها الأصوات ،هذا قدره ،هذا اجله ،هذه منيته ،هذه ساعته.
ونحن بلا شك نؤمن بذلك ولكننا كذلك نؤمن بأن الأقدار ليست هي أقدار للشر وفقط وينبغي أن نسعى دوما إلى أن نعيش أقدارنا في أنهار الخير لا أن نبقى في ممارساتنا التي تتولد عنها الأمراض والمشاكل الصحية وحالات الوفاة ثم نتسارع لإخماد الأصوات التي قد تفتح نوافذ التحري عن أسبابها خوفا من المساءلة أو حتى اللوم والعتب الذاتي لعدم بذل أدنى مجهود حتى في النصيحة والعون للضحية باختلاف صور معاناتها أو عوامل مغادرتها بعيدا عن زهرة الحياة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقفة ختام :
الحديث عن المشكلة بحاجة إلى أن يختم بحديث عن كيفية الوقاية منها ويأتي في مقدمة ذلك الدعوة إلى تغيير أنماط السلوكيات الغذائية والحركية.
ولاشك أن التخفيف من الثلاثة البيض من الأهمية بمكان فأبيض الدقيق والسكر والملح هي الأسباب الأكثر حضورا في مشاكل الصحة المرتبطة بمتلازمة الأيض.
وفي المقابل فإن الاهتمام بتناول الأغذية المفيدة بما فيها العودة لغذاء الأجداد وسلوكهم بما في ذلك الخبز الأسمر ..والفواكه والمشروبات التي تساعد على تخفيف السمنة وخفض معدلات الدهون والسكر بما فيها القرفة والزنجبيل وتناول خل التفاح بشكل منتظم وبكميات معتدلة من أهم النصائح التي ننصح بها مع ضرورة التذكير بأن لكل شي محاذير فينبغي أن نتنبه لها ومن أجل التخفيف من آثار تلك المشروبات على المعدة فننصح بأن تكون مسبوقة بتناول كمية كافية من الخضروات وفي مقدمتها «الكوبش» وبما لا يقل عن قطعة بحجم التفاحة يوميا ..وللجميع خالص الأمنيات بدوام الصحة والعافية.