المجلة الطبية

ميثاق غائب.. وسوق سائب!

-
حسن الوريث

مازالت الأمطار التي تهطل على صنعاء تشكل عائق امام خروجنا اليومي انا وصديقي الصغير والعصفورة ونصطر للبقاء في المنزل وتكون المتابعة للقنوات هي أحد الخيارات السيئة على الاقل بالنسبة لي انا بينما هي لصديقي الصغير فرصة لإشباع هوايته في متابعة المباريات الرياضية القديمة التي تبثها بعض القنوات أما العصفورة فهي مناسبة لها لترتاح وتختبئ من الأجواء الماطرة والباردة التي تؤثر على صحتها.

وهكذا بدأ كل منا في متابعة ما يفضله على القنوات وأثناء المتابعة لفت نظري لقطة في إحدى القنوات فطلبت من صديقي العزيز أن يتوقف عند هذه القناة لمتابعة البرنامج وبالفعل فقد تسمرت من الدهشة والمفاجأة التي ربما لم أكن اتوقعها من قناة يفترض أن تكون ملتزمة بمعايير ميثاق الشرق الاعلامي ومدونة السلوك المهني في تناولها للمواضيع والقضايا في كافة برامجها ولكن للاسف فما شاهدته بعيد كل البعد عن أخلاقيات العمل الاعلامي ومهنيته ابتداء من المذيع الذي كان يبدو أنه يستعرض عضلاته وملابسه وتسربحة شعره امام الجمهور الذي هو من شريحة الفقراء والبسطاء ويظهر للناس أنه المنقذ لهم من مآسيهم واوضاعهم المعيشية الصعبة مثله مثل البطل في الأفلام الهندية وصولا إلى مضمون البرنامج الذي هو دعائي أكثر منه كما يروج له بانه إنساني.

عندما شاهد ابني وصديقي الصغير عبد الله استيائي الشديد من البرنامج من خلال ملامحي التي بدأ عليها الغضب والنرفزة سألني قائلا .. لماذا هذا التشويه المتعمد للناس واظهارهم بهذا الشكل المستفز للمشاعر ؟ وهل هناك جهات رقابية على هذه القنوات ومثل هذا النوع من البرامج المسيئة للناس ؟ قلت له ياصغيري العزيز بالنسبة لسؤالك عن سبب التشويه المتعمد فهذا يعود إلى محاولات بعض القنوات الكسب من خلال أولا الإعلانات التي تدر دخلا كبيرا وثانيا من خلال تلك المبالغ التي يتم جمعها لهؤلاء المساكين ويذهب جزء منها للقناة والطواقم وبالتأكيد أن للمذيع البطل حصة الأسد مكافأة له على إهانة الناس بهذا الشكل .. فقاطعتنا العصفورة قبل أن أكمل حديثي عن مدى وجود جهات رقابية على القنوات والبرامج التي تقدم فيها حيث قالت .. ألم نتحدث عن الإساءات والتشهير للمحتاجين قبل أيام عبر تلك المراكز التي توزع الأطعمة في رمضان وبتلك الصورة المهينة ؟ وهاهو هذا البرنامج يسير على نفس الخطى وربما أن المدرسة واحدة وأنهم تعلموا كيف يشهرون بالناس من أجل كسب الشهرة؟ قلت لها نعم كلامك صحيح هؤلاء جميعهم من مدرسة واحدة والمخرج واحد حيث يحاول التأثير على معنويات الناس وضرب نفسياتهم وجعل الصورة الذهنية لدى المواطن بأنه شعب فقير ولايمكن أن يعيش الا من مساعدات الآخرين كما كان في السابق حيث كان الترويج لموضوع البلد الفقير والشعب الذي هو عالة على الآخرين فمشاريعه كلها مساعدات خارجية من اليابان وهولندا وألمانيا وفرنسا والأمم المتحدة ومرتباته من دول الجوار وأنه شعب عاطل ولا يمتلك أي ثروات حتى نظل هكذا نتبع الآخرين في يريدون ويوجهوننا حيث يشاون.

كانت الإجابة المطلوبة على السؤال الثاني لصديقي الصغير عن وجود جهات رقابية على هذه القنوات والبرامج السيئة مثل هذا البرنامج الذي أطلق عليه تراحموا بينما هو في الواقع والحقيقة ليس فيه ذرة من الرحمة والإنسانية لأنه يشوه الناس بتلك الصورة .. فقلت له نحن في زمن حرية الإعلام والإعلام غير المقيد بأي قيود ولا يوجد أي جهات يناط بها الرقابة على هذه القنوات وما تقدمه من محتوى وبالتأكيد أن الأمر في بلادنا أكثر فوضوية نظرا لغياب وزارة الإعلام واقتصار دورها على جباية رسوم التراخيص وبطاقات المراسلين وليقدموا ما يقدمون وكذا غياب نقابة الصحفيين التي ماتت وشبعت موتا وصار أعضاء مجلس ادارتها يتبوأون مناصب لأعمال خارج الوطن بعضها اعلامي وبعضها سياسي وبعضها تجاري وأصبح وضع الإعلام والصحافة هو آخر ما يفكرون به ولدينا اتحاد الإعلاميين الذي قلنا بأنه جنين مشوه ولا يهش ولا ينش ولا نسمع عنه سوى بيانات صحفية في المناسبات دون أن يكون له أثر ووجود على الواقع .. سألتني العصفورة ألا يوجد ضوابط أخلاقية أو مهنية تحكم العمل؟ قلت لها .. لقد أصدروا مايسمى ميثاق الشرف الاعلامي الذي كان سيئا بمقاييس كثيرة ولم يتم فيه مراعاة أمور كثيرة ومنها مثل هذه الحالات كما اننا لانمتلك مدونة سلوك أخلاقي ومهني تحدد الضوابط التي يجب أن يلتزم بها الاعلامي وتلتزم بها الوسائل الاعلامية في كافة برامجها ..

قال لي صديقي الصغير اذا هذا هو سبب إنتاج القنوات لمثل هذه البرامج السيئة والتي تنال من كرامة الناس وادميتهم وخصوصياتهم وتستغل ظروفهم وحاجاتهم للكسب والشهرة وتجعل مثل ذلك المذيع الذي طمس كل تاريخه المهني أن كان له تاريخ بمثل هذا البرنامج يتبختر ويستعرض بتلك الصورة .. فردت العصفورة بقولها اذا ما الذي يفترض الان ؟ .. اجابها صديقنا العزيز لتكن رسالتنا اليوم مكونة من عدة أمور أولها إلى القناة وقيادتها إذا كانوا يحترمون أنفسهم أولا والناس ثانيا ومهنيتهم ثالثا أن يوقفوا بث هذا البرنامج السيء جدا وثانيا إلى المذيع المتبختر نقول له ما هكذا تؤكل الكتف وما هكذا تكون الشهرة على حساب آدمية الناس وما هكذا يكون كسب المال اذا كان ثمنه إهانة المحتاجين .. اما رسالتنا لوزارة الإعلام واتحاد الإعلاميين فعليكم أن تقوموا بواجبكم أولا من خلال توجيه رسالة شديدة اللهجة لقيادة القناة لوقف هذا البرنامج فورا نظرا لمخالفته لكافة المعايير الأخلاقية والمهنية والإنسانية وكل مواثيق الشرف الاعلامية في العالم وكل مدونات السلوك التي تعمل بها كافة المنظمات والجمعيات والمكونات الإعلامية والسياسية والاجتماعية.. كما ان عليكم العمل على وضع ميثاق شرف اعلامي حقيقي ومدونة سلوك مهنية لضبط المشهد الاعلامي السيء والسوداوي والسوق السائب .. فهل من سيسمع ام انهم جميعا لا يهمهم كرامة الناس وحفظ ادميتهم ولنقل عليكم وقف برنامج تراحموا لاساءته للشعب اليمني .. ورمضان مبارك..

Exit mobile version