المرض المسكوت عنه “الناسور الولادي” يهدد 90% من اليمنيات بالطلاق
admin
-
المرض المسكوت عنه يهدد 90% من اليمنيات بالطلاق
الناسور الولادي .. مرض مدمر وعلاجه ممكن
تحقيق/هاني أحمد علي
في الوقت الذي كانت المريضة سمر محمد من أهالي منطقة حراز محافظة صنعاء تستعد للدخول إلى غرفة العمليات بمستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء بعد إخضاعها لعملية جراحية جراء إصابتها بمرض الناسور الولادي، كان زوجها أحمد حمود يستعد للدخول إلى منزله برفقة زوجته الجديدة متخلياً وبشكل نهائي عن زوجته الأولى المريضة، ليضيف معاناة أخرى إلى معاناتها وآلاماً إلى آلامها.
المريضة سمر محمد ،أم لخمسة أطفال، أصيبت بمرض الناسور خلال ولادتها الأخيرة، الأمر الذي دفعها إلى زيارة وحدة الناسور الولادي بمستشفى الثورة العام بصنعاء لإجراء عملية جراحية على نفقة صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي تكفل بمصاريف المواصلات والإقامة في العاصمة بالإضافة إلى رسوم العملية وقيمة الأدوية حتى تماثلها للشفاء.
تقول الطبيبة المسئولة عن علاج المريضة “إن زوج سمر تخلى عن زوجته ليلة اجراء العملية رافضاً التوقيع على الإجراءات وغادر المستشفى واغلق هاتفه الأمر الذي دفع الأطباء إلى إجراء العملية الجراحية للمريضة ومتابعة حالتها حتى تماثلها للشفاء ونزولها عند أقربائها للإقامة لديهم في العاصمة صنعاء بعيدة عن أطفالها الخمسة المحرومين منها بتوجيهات من أبيهم.
الثقب المهبلي
الناسور الولادي (Obstetric fistula) هو الثقب الولادي أو ما يعرف أيضا بـ(الثقب المهبلي) هو نشوء ناسور (ثقب) بين المستقيم والمهبل أو بين المثانة البولية والمهبل بعد عملية ولادة عسيرة أو صعبة مع عدم توفر رعاية صحية مناسبة.
ويُعرف الثقب الولادي كما عرّفه صندوق الأمم المتحدة للسكّان (UNFPA) بأنه “إصابة أثناء الولادة تم إهمالها إلى حدٍ كبير، على الرغم من الأثر المدمر الذي يسببه على حياة الفتيات والنساء المتضررات، تحدث غالباً نتيجة ولادة متعسرة لفترات طويلة بدون تدخل طبي عاجل في الوقت المناسب – غالباً قيصرية طارئة، الضغط المتواصل من رأس الطفل على عظام حوض الأم يضر بالأنسجة الرخوة، ويخلق ثقباً أو ناسوراً بين المهبل والمثانة و/أو المستقيم، يحرم الضغط الأنسجة من تدفق الدم إليها ما يؤدي إلى تآكلها في نهاية المطاف، الأنسجة الميتة تنزلق خالقةً ناسوراً الأمر الذي يُسبب تسربا مستمرا للبول و/أو البراز عن طريق المهبل.”
ويندرج ناسور الولادة تحت قائمة أمراض الفقر نتيجة لقابلية حدوثه في النساء خاصة في المجتمعات الفقيرة.
ويمكن الوقاية من الناسور تقريباً بشكل كامل، ووفقاً للتقارير الصحية فإن استمرارها ما هو إلا علامة على أن النظم الصحية تخفق في تلبية الاحتياجات الأساسية للمرأة.
ناسور الولادة .. المرض الصامت في اليمن
وحول هذا المرض تؤكد الدكتورة خولة اللوزي – أخصائية أمراض نساء وولادة بمستشفى الثورة العام ومديرة مركز الشهيد الزبيري الطبي بصنعاء القديمة، وداعمة نفسية واجتماعية بصندوق الأمم المتحدة للسكان، بأن التوعية المجتمعية لمرض الناسور الولادي مهم جداً وركن أساسي في مواجهته والتصدي له والتخفيف من ويلاته على النساء المصابات به.
وأشارت الدكتورة اللوزي في تصريح خاص لـ”المجلة الطبية” إلى أن مرض الناسور الولادي يسمى المرض الصامت في اليمن الذي لا تجرؤ المصابة به أو أسرتها الحديث عنه إلا في النادر وهو ما يجعلها معزولة عن الجميع في أماكن غير صحية وفي كثير من الأحيان يكون مقر إقامتها إلى جوار المواشي في المنزل، مرجعة السبب إلى غياب الوعي لدى الناس.
وأوضحت مسئولة الدعم النفسي والاجتماعي للمريضات المصابات بالناسور الولادي في اليمن، أن أكثر من 90 % من النساء المريضات يتعرضن للطلاق، وهو ما يؤثر على حالتهن النفسية كونهن بحاجة إلى الدعم والمساندة حتى التماثل للشفاء، مبينة أن هناك المئات من المصابات بالناسور الولادي في اليمن قد أجريت لهن العمليات الجراحية في صنعاء وعدن، سواء على أيدي طبيبات يمنيات أو عن طريق جراحين يتم استدعاؤهم من الخارج من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان.
غياب الاحصائيات
لا توجد إحصائية رسمية لعدد المصابات بالناسور الولادي ، هذا ما كشفته الدكتورة أفراح الأديمي -الأخصائية في مجال الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان، عن عدم وجود أي إحصائيات رسمية لمريضات الناسور الولادي في اليمن كما لا يوجد أي تسجيل عن تلك الحالات في المستشفيات الحكومية.
و اكدت الدكتورة الأديمي في تصريح لـ”المجلة الطبية” ان هناك المئات من الحالات في اليمن قد تم إجراء العمليات لهن وتماثلن للشفاء، مضيفة أنه في عامي 2011 و 2012 قام صندوق الأمم المتحدة للسكان باستدعاء خبير دولي لتدريب عدد من الطبيبات اليمنيات في صنعاء وعدن وقام بإجراء أكثر من 52 عملية جراحية لمصابات بمرض الناسور الولادي.
وبحسب الدكتورة افراح فإن الصندوق بدأ العمل في علاج المصابات بمرض الناسور الولادي في العام 2010 بعد تجهيز وحدة طبية خاصة بهذا المرض في مستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء، وبعدها تم الانتقال للعمل في العام 2011 إلى مدينة عدن وتجهيز وحدتين بمستشفى الصداقة والوحدة، موضحة أن تلك الوحدات استقبلت المئات من الحالات المرضية من مختلف القرى والأرياف التي يتكفل الصندوق بدفع كامل تكاليف المواصلات من وإلى مناطقهن وكذا تكاليف الإقامة لهن ولمرافقيهن وتكاليف العمليات والأدوية.
صندوق الأمم المتحدة لا يمتلك عصا سحرية
بدورها أشارت الأستاذة فهمية الفتيح – مسئولة الإعلام والتواصل في صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أن مرض الناسور الولادي من الأمراض والقضايا المغيبة سواء في السابق أو الوقت الحالي، وهو ما دفع الصندوق إلى عقد دورة تدريبية لـ26 صحفيا وإعلاميا للتعريف بمرض الناسور الولادي والتوعية به في أوساط المجتمع اليمني.
وقالت الفتيح إن قضايا المرأة مغيبة بشكل كبير في اليمن وبالتالي فإن مرض الناسور الولادي هو أحد تلك القضايا، مبينة أن صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن لا يمتلك عصا سحرية لحل جميع تلك القضايا بل يتطلب الأمر تكاتف الجميع، لافتة إلى أن الصندوق مهتم كثيراً بقضية الناسور الولادي ويعتبرها من الأشياء الهامة كون المريضات اليمنيات من شريحة الفقراء والمعدمات.
وأكدت مسئولة الإعلام والتواصل في صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن العمل في مجال الناسور الولادي باليمن بدأ بشكل تطوعي قبل أن يتم الاتفاق مع الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات، حيث بدأت الحالات تأتي ويتم إجراء اللازم لهن وقد تماثلن كثيرات للشفاء ومنح البعض منهم مكائن خياطة وأجهزة تلفونات ودمجهن في المجتمع من جديد.
ناسور الولادة يشمل الأعراض التالية:
– “امتلاء البطن بالغازات” ، سلس البول أو البراز والذي قد يكون مستمراً أو يحدث فقط أثناء الليل.
– افرازات مهبلية ذات رائحة كريهة.
– التهابات متكررة في المسالك البولية أو المهبل.
– ألم أتناء ممارسة النشاط الجنسي.
– آلام في المهبل أو المناطق المحيطة.
الآثار الأخرى لناسور الولادة هي ولادة أطفال مليصة نتيجة لطول فترة الولادة، والتي تحدث في 85% -100% من الحالات، تقرحات شديدة في القناة المهبلية، “تدلي القدم” حيث يحدث شلل في الأطراف السفلية الناجم عن تلف الأعصاب، مما يجعل من المشي أمراً مستحيلاً بالنسبة للنساء، التهاب الناسور مكوناً خراج وثلثي الحالات ينقطع عنها الحيض.
عوامل نشوء المرض
يقول مثل إفريقي قديم” على الشمس أن لا تغرب أو تشرق مرتين على عملية مخاض لامرأة”، ويبدو أن هذا المثل وراءه حكمة طبية، حيث أن أحد الأسباب الرئيسية لنشأة وتطور ناسور الولادة هو دخول المرأة الحامل في المخاض لأيام متتالية دون الحصول على التدخل الطبي الضروري لمساعدتها والتخفيف من حدة آلامها، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن غالبية النساء اللواتي يصبن بناسور الولادة يستمر المخاض لديهن 3.8 أيام بالمعدل.
كما أن هناك عوامل أخرى تساعد في إصابة النساء بهذا المرض وهي:
– إنجاب الفتاة لطفلها الأول في سن صغيرة
– خلل في التناسب الرأسي الحوضي لدى المرأة بسبب سوء التغذية وعدم حصولها على كفايتها من الكالسيوم وفيتامين د، ما قد يسبب لديها تشوهات في الحوض.
– كتلة جسم الجنين كبيرة أو أن طريقة تموضع الجنين في الرحم ليست مناسبة لعملية الولادة.
– تعرض الحامل لعملية ختان في الصغر.
– قد ينشأ ناسور الولادة عن إصابة المرأة بالسرطان أو تعرضها للأشعة خلال علاج السرطان، أو نتيجة إجراء جراحي مهبلي غير ناجح تماماً.
– من الممكن أن ينشأ ناسور الولادة عن عنف جنسي تعرضت له المرأة، أو عن إصابتها بمرض منقول جنسياً مثل مرض الورم الحبيبي اللمفي.
علاقة نسب الإصابة بعمر المرأة
تشير معظم الدراسات إلى أن معدل عمر المرأة عند الإصابة بناسور الولادة هو 22-23 عاماً، ولكن هذا لا يمنع أن العديد من حالات الإصابة تحدث بين فتيات تتراوح أعمارهن بين 13-14 عاماً، وقد تصاب المرأة بناسور الولادة في عمر 35 – 40 عاماً، وذلك لأن معدل وزن الجنين يميل للزيادة مع تقدم المرأة في العمر وإنجابها العديد من الأطفال قبل الطفل الحالي.
المضاعفات الصحية للمصابات بالناسور الولادي
قد يتسبب ناسور الولادة بالعديد من المضاعفات الصحية للمرأة، منها:
– الإصابة بسلس البول أو سلس الغائط.
– الإصابة بالتهاب الحويضة والكلى أو الحصى في المثانة.
– الإصابة بالفشل الكلوي.
– الإصابة ببعض الجروح المهبلية الداخلية وعسر الجماع.
-الإصابة بالتهاب الحوض، وانقطاع الطمث، والعقم.
– الإصابة بالتهاب عظم العانة.
– الإصابة بحالة الضفيرة القطنية أو تلف الأعصاب الشظوية أو فقدان القدرة على التحكم بالنصف السفلي من الجسم تدريجياً.
مضاعفات نفسية ومجتمعية
ناسور الولادة له عواقب مادية واجتماعية واقتصادية ونفسية بعيدة المدى على النساء المتضررات أبرزها:
– الاكتئاب والقلق.
– النبذ الاجتماعي (إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 50% من النساء اللواتي يصبن بناسور الولادة يتركهن الزوج).