انتظرت صوت بكاء طفلها البكر بلهفة.. سنوات من الانتظار والتمني لتطفئها آلام الولادة الطويلة ومعاناة الحمل في منطقتها الريفية ، مرت الدقيقة الأولى .. الثانية .. الثالثة، الأموات لا يبكون.
فقدت مروى -22 عاما- طفلها الأول بعد ولادة متعسرة استمرت لأكثر من 35 ساعة قضتها في منزلها بمنطقة شفر شمال محافظة حجة (200 كم) غرب العاصمة صنعاء قبل أن يتم نقلها إلى إحدى مستشفيات مدينة حجة، لتستقبلها ممرضة كانت هي الكادر الطبي الوحيد المتوفر، والتي ساعدتها على الولادة.
قالت مروى -إسم مستعار- لـ المجلة الطبية “خرج نصف الطفل بعد عملية توسعة وظل نصفه عالقا لبعض الوقت ما أدى إلى وفاته”.
لم تنته مأساة الفتاة العشرينية بفقدان طفلها وغياب الرعاية الصحية اللازمة، لقد عادت إلى منزلها الريفي ليبدأ فصل جديد من المعاناة، عندما اصطحبت معها فتحة جديدة ” ناسور ولادي” في المهبل تنزل منها سوائل ذات رائحة كريهة بشكل مستمر, كانت الممرضة قد اخبرتها بأن كل ذلك سينتهي خلال يومين.
وبحسب حديث مروى تضاعف الألم بعد أسبوع ما اضطر زوجها لنقلها إلى إحدى مستشفيات مدينة حجة التي أجرت لها عملية، غير أنها لم تنجح ، واستمرت الحالة تتفاقم يوما بعد آخر ، وفي منتصف الطريق قرر زوجها التخلي عنها ، تقول مروى “كانت تلك هي الضربة الأقوى التي تلقيتها بعد الإصابة بالناسور الولادي”.
لم تستسلم للمرض والوضع الإجتماعي بعد الانفصال ، لقد باعت مقتنياتها وقررت مواصلة البحث عن العلاج ، لذا انتقلت مع اسرتها إلى العاصمة صنعاء في اغسطس 2019 لتبدأ مشوار التداوي، وهناك وجدت الرعاية الصحية الجيدة، وعرفت ماهية مرضها بالضبط عندما أخبرتها إحدى استشاريات النساء والتوليد بأنها مصابة بناسور ولادي بسبب مضاعفات الولادة المتعسرة, وأن إمكانيات علاجه متاحة.
يومها أدركت مروى وأسرتها ما هو الناسور الولادي الذي يعرفه صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنه “الثقب الولادي أو ما يعرف أيضا بـ (الثقب المهبلي) وهو نشوء ناسور (ثقب) بين المستقيم والمهبل، أو بين المثانة البولية والمهبل بعد عملية ولادة عسيرة أو صعبة مع عدم توفر رعاية صحية مناسبة”.
ويوضح صندوق الأمم المتحدة للسكّان (UNFPA) الناسور بأنه جرح ولادي مُهمل من الرعاية بالرغم من آثاره الخطيرة على حياة الأم المصابة. ينشأ عادة نتيجة عملية توليد طويلة وعسيرة دون تدخل طبي مناسب ، وخلال عملية التوليد الطويلة المتعسرة دون تدخل ومساعدة طبية فإن الضغط الناتج من دفع رأس الطفل على عظام حوض الأم يؤدي إلى تخريب وتمزيق بالأنسجة المجاورة وخلق ثقب – ناسور- بين المهبل والمستقيم أو/ و المثانة.
الضغط ذاته, بحسب الأمم المتحدة, يؤدي إلى حبس الدماء ومنع وصولها إلى المنطقة المصابة مما يؤدي إلى موت النسيج وخرابه. تباعا، ينفصل الجزء الميت والتالف من النسيج، ويبقى الثقب مسبّبا رشحا مستمرا للبول أو البراز عبر المهبل.”
ويُعدّ الثقب الولادي مرضا مرتبطا بالفقر لانتشاره بين النساء في الدول الفقيرة حيث أنهن يواجهن صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة مقارنةً مع النساء في الدول المتقدمة.
وتقدر الأمم المتحدة عدد النساء اللائي يعانين من الثقب الولادي سنويا بنحو 50.000 – 100.000 حالة جديدة كل عام.
60 حالة إصابة
تؤكد مدير عام الصحة الانجابية بوزارة الصحة العامة والسكان- الدكتورة زينب محمد البدوي- في حديث لـ “المجلة الطبية” أن حالات الإصابة بالناسور الولادي في اليمن تزايدت بسبب تعسر الولادة، وتضرر القطاع الصحي خلال الحرب على اليمن.
مروى كانت ضمن 60 حالة أصبن بالناسور الولادي رصدته وزارة الصحة بصنعاء خلال العام 2019 بسبب تعسر الولادة في المحافظات التابعة لحكومة صنعاء, بحسب البدوي.
وأشارت البدوي إلى أن الوزارة تعمل بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في علاج النساء المصابات بالناسور الولادي في مختلف محافظات الجمهورية.
ولفتت إلى أن وزارة الصحة تسعى إلى المزيد من التأهيل والتدريب للقابلات من مختلف المحافظات بهدف التشخيص السليم للناسور للوصول الى النساء المصابات بالناسور وتشجيعهن على تلقي العلاج الجراحي.
تحذير أممي
وكانت الأمم المتحدة، حذرت منتصف مايو الجاري، من احتمالية وفاة 48 ألف امرأة يمنية، بسبب نقص التمويل، واحتمال إغلاق مرافق الصحة الإنجابية، وسط مخاطر متزايدة يشكلها فيروس كورونا, بحسب بيان صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، اطلعت عليه ” المجلة الطبية”.