المجلة الطبية

كيف يتحايل المدخنين على الصور التحذيرية؟

-

كيف يتحايل المدخنين على الصور التحذيرية؟

المجلة الطبية _ محمد غبسي

ورم بحجم نواة الخوخ في صورة على إحدى علب السجائر دفعت بـ سفيان السالمي 30 عاما للإقلاع عن التدخين.

يقول السالمي في حديثه لـ المجلة الطبية ” لقد تأثرت بشكل كبير لأنني أعاني من ورم في الحنجرة وحين وقع نظري على الصورة حضرت صورة الموت أيضا وحينها قررت التوقف عن التدخين”.

ما يزال سفيان السالمي يعاني من المرض الذي يعتقد أن التدخين كان أحد أسباب إصابته بالورم.

تترك الصور التحذيرية الملصقة على علب السجائر تأثيرات متفاوتة على المدخنين اليمنيين خاصة في ظل تردي مستوى الخدمات الصحية خلال السنوات الخمس الماضية بسبب الحرب وتعرض المنشآت الطبية لأضرار كبيرة.

لقد دفعت هذه الصور الصحفي والناشط الساخر صالح الحنشي الذي يضع أحياناً صورة على بروفايله في الفيس بوك وهو يدخن _ إلى شراء السجائر بدون العلبة، حيث أكد أنه يطلب من البائع إخراج حبات السجائر ووضعها في كيس هروبا من مواجهة الصور المؤثرة على العلب لأنها تعكر مزاجه، حد قوله.

ترتفع نسبة تأثير الصور المطبوعة على علب السجائر في نفسية المدخن بارتفاع نسبة بشاعتها، وفي هذا السياق تشرح أشواق ناصر27 عاما، كيف ساهمت هذه الصور في إقناع والدها بالإقلاع عن التدخين بعد 30 عاما من إدمانه على السجائر.

تقول أشواق في حديثها لـ المجلة الطبية ” كلما ارسلني والدي لشراء السجائر كنت أنا أو إحدى أخواتي نتعمد شراء علب السجائر التي تحمل الصور الأكثر تنفيرا”

لقد دفعت الصور والد أشواق في بداية الأمر إلى تغيير نوعية سجائره وشراء أخرى من النوع الخالي من الصور، “لكن تلك السجائر لم تناسب مزاج والدنا” وهذا ما دفعه للإقلاع عن التدخين بعد عام من الصراع مع النفس، وقد لعبت أسرته دورا كبيرا حتى توقف عن التدخين بشكل نهائي.

اعتقاد خاطئ

يعتقد بعض المدخنين اليمنيين أن الأضرار التي تخلفها السجائر التي تحمل علبها صورا أقل بشاعة أقل خطرا على صحة المدخن من السجائر الأخرى التي تحمل صورا بشعة ومقززة.

يقول لطف ساري 45 عاما _ يعتقد بعض أصدقائي من المدخنين بأن علب السجائر التي تظهر فيها صور أقل تنفيرا ذات جودة أعلى من غيرها وأقل ضررا، وهو ما دفع الكثير من المدخنين لشراء علب السجائر التي تكون الصور المطبوعة عليها أقل تأثيراً عليهم.

ويضيف “إنهم يتجنبون النظر إلى تلك الصور التي تعكس بشكل أقوى حقيقية أضرار التدخين على الأشخاص” .. ويتفق معه خالد وليد الأغبري وأبو علاء المارم الذي أكد بأن معظم الأشخاص المدخنين من أصدقاءه وأقاربه يذهبون لشراء علب السجائر التي تحمل صورة بعينها “الأقل تشويهاً وتأثيراً على نفسياتهم”.

في السياق ذاته يقلل الأكاديمي مفيد نعمان من تأثير الصور التي تحملها علب السجائر على المدخنين اليمنيين، رابطا ما تتركه الصور من آثار على نفس المتلقي بمستوى وعيه.

يقول نعمان الذي أكمل دراسته العليا في أوروبا ” هناك فرق بين ثقافة المواطن اليمني المتواضعة وحياته الصعبة والمعقدة، وبين حياة وثقافة المواطن الأوروبي الذي يمكن أن يتأثر بوجود صورة تحذيرية على أغلفة السجائر وأن تصنع معه مثل هذه الاستراتيجيات فارقا”.

وأعاد نعمان سبب إقبال الكثير من المدخنين اليمنيين على السجائر إلى الظروف الاقتصادية والنفسية الصعبة التي يعيشونها واعتقادهم بأن تدخين التبغ يزيح عنهم نسبة من أعباء الحياة وهمومها.

 المحلي أقل تأثيرا

من خلال جمع ومقارنة الصور المستخدمة في علب السجائر المصنعة محليا بالصور المطبوعة على علب السجائر المصنعة في الخارج، لوحظ أن شركات التبغ اليمنية اعتمدت ثلاث صور تحذيرية فقط وهي الأقل تأثيرا “الأقل بشاعة” على مستوى الصور التي تستخدمها عشرات الشركات العالمية ممن تمكنا من الحصول عليها، الأمر الذي يعكس عدم جدية شركات التبغ اليمنية في التحذير من مخاطر التبغ وتحايلها على القانون الذي ألزمها بنشر الصور التحذيرية المؤثرة.

وبالمقارنة نجد أن الاتحاد الأوروبي، مثلا، اعتمد 42 صورة تحذيرية “منفرة” وهي صور حقيقة لأشخاص ترك التدخين آثاراً قاسية على أجسادهم، وأدرجت تلك الصور في إرشادات المفوضية الأوروبية بتاريخ 10 اكتوبر 2014، كما أنه جرى انتقاؤها بواسطة مختصين، وأجريت اختبارات كثيرة تتعلق بفعاليّتها من حيث إثارة مشاعر النفور من التدخين لدى المستهلك عندما ينظر في تلك الصور.

من الصور التحذيرية المعتمدة عالميا

وفي هذا الصدد يقول مدير عام برنامج مكافحة التدخين السابق في وزارة الصحة الدكتور محمد محمد الخولاني بأن الوزارة اعتمدت عشر صور مختلفة بالتعاون والتنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة وهيئة المواصفات والمقاييس على أن تتغير الصور بشكل دوري كل عامين، وبدأ تنفيذ ذلك في منتصف عام ٢٠١٤م.

ويضيف في حديثه لـ المجلة الطبية لقد تم اعتماد تلك الصور في بلادنا وبقية الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط على أن يتم اختيار صور أخرى بعد عدة سنوات قد تصل إلى عشر سنوات كحد أقصى.

اتفاقيات موثقة

وقعت اليمن على الاتفاقية الاطارية الدولية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ في شهر يونيو ٢٠٠٣م والتي تنص على عدة مواد منها ضرورة وضع صور تحذيرية على علب السجائر والسيجار وعلب معسل الشيشة وغيرها من منتجات التبغ المختلفة.

وبناءً على هذه الاتفاقية الدولية صدر قانون محلي من مجلس النواب خاص بمكافحة التدخين وصادق عليه الرئيس في أبريل عام ٢٠٠٥م، والذي يحتوي على العديد من المواد ومنها ما يخص الصور التحذيرية، مؤكدة ما نصت عليه الاتفاقية الدولية.

 الخولاني أوضح بأنه يحق لكل دولة أن تغير الصور التحذيرية في كل فترة تراها مناسبة حسب قوانينها ولوائحها الوطنية المحلية.

ويعتقد مدير عام برنامج مكافحة التدخين السابق بأن الصور التحذيرية كان لها أثر إيجابي، مؤكدا الحاجة إلى دراسة وطنية توضح مدى تأثيرها على معرفة وسلوك وممارسة المدخنين حيال استخدام السجائر وكافة منتجات التبغ مثل الشيشة والشمة.

يذكر أن أستراليا هي أول دولة استخدمت الصور التحذيرية على علب السجائر وذلك في العام 2012م، وبعد أن أثبتت دراسة استرالية أن عدد الاتصالات التي تلقاها مركز “كويت لاين” الذي خصص رقما ساخنا لتلقي استفسارات الراغبين في الإقلاع عن التدخين ازداد بنسبة 78% منذ اعتماد الأغلفة التحذيرية الموحد في أكتوبر/تشرين الأول 2012

.

مقاومة الشركات

بذلت شركات التبغ في العديد من الدول كل ما بوسعها لمنع فرض تلك السياسة التحذيرية عليها وحاولت عبر أعلى درجات التقاضي إبطال القوانين التي تلزمها بأغلفة معينة لعلب السجائر ولكنها فشلت في ذلك، غير أن التزامها بالقانون نفسه تفاوت من بلد لآخر، حيث أنها في أوروبا طبقت القانون بحذافيره ووافقت على 42 صورة منفرة، بحيث تغطي الصورة 65% من وجهي علبة السجائر مع تصغير شعار الشركة، وفي روسيا تقلصت الصور التي وافقت عليها شركات التبغ إلى 13 صورة.

وبينما فرضت دول الخليج على شركات التبغ 5 صور تحذيرية بحيث تغطي الصورة مساحة 50% من وجهي العلبة، اعتمدت شركات التبغ في اليمن ثلاث صور فقط وهي الصور الأقل تأثيرا على الإطلاق.

وتعرف الصحة العالمية عملية نشر الصور التحذيرية على أغلفة السجائر بـ “التغليف البسيط ” كونه يعرض الأسماء التجارية وأسماء المنتجات بنمط معياري موحد للون والخط، ويحظر استخدام الشعارات والألوان وصور العلامة التجارية أو المعلومات الترويجية (داخل أو خارج عبوة التبغ‎).

كما تعتبرها المنظمة خطوة جيدة لمكافحة التبغ وتعتبر التغليف البسيط واحد من أكثر التدخلات الصحية العامة فعالية في الحد من الطلب على التبغ.

Exit mobile version