تفاصيل خاصة عن الموت القادم من الرفوف!
هاني المحويتي:
كادت المريضة -فاطمة محمد مهدي- البالغة من العمر 55 عاماً أن تفقد حياتها بعد أن دخلت في حالة إغماء طويلة جراء ارتفاع نسبة السكر إلى أكثر من 600 رغم استخدامها للدواء المقرر لها من الطبيب المعالج الدكتور مطهر درويش – أخصائي الغدد في المستشفى العسكري العام والمستشفى السعودي الألماني بالعاصمة صنعاء، إلا أنها وخلال إسعافها إلى المستشفى ومراجعة الدكتور للمرة الخامسة كانت الطامة الكبرى، حيث اكتشف أبناؤها وإلى جانبهم طبيب والدتهم بأن الدواء الذي كانت تستخدمه على مدى أربعة أشهر لم يكن فعّالاً, والسبب أنه دواء مزور ويدخل اليمن عن طريق التهريب ، الأمر الذي دفع الطبيب إلى تغيير نوعية الدواء للمريضة بالسكري بفاعلية وتركيبة مختلفة.
أدوية مهربة غير فعالة تملأ الأسواق
حكاية المريضة -فاطمة مهدي- هي واحدة من الحكايات المأساوية التي تتكرر بشكل يومي في اليمن بسبب إغراق السوق المحلية بالمئات من أصناف الأدوية المهربة والمغشوشة وغير الصالحة للاستخدام القادمة من كثير من البلدان أبرزها تركيا، والتي يتداولها المواطنون بشكل كبير ما تؤثر سلباً على حياتهم الصحية، الأمر الذي دفع الجمعية اليمنية لحماية المستهلك في وقت سابق إلى التحذير من تلك الأدوية المهربة والمزورة بعد أن أصبحت هي المتداولة في السوق رغم خطورتها على صحة وسلامة المستخدمين نتيجة الغش والتزوير أو طرق النقل والتخزين في عملية التهريب مما يؤثر على سلامة ومأمونية الدواء، داعية جميع المواطنين إلى عدم التعامل مع هذه الأدوية المغشوشة وغير الصالحة.
ويلاحظ المواطن خلال زيارته الميدانية للأسواق انتشار كثير من الأدوية المهربة والمغشوشة وامتلأت الكثير من رفوف الصيدليات بهذه الاصناف بدلاً عن الأدوية التي تصنع محلياً في مصانع الأدوية الوطنية أو تستورد عبر الوكلاء, أو تلك الأدوية التي توقف استيرادها بسبب الحرب والحصار على اليمن منذ أربع سنوات، غير أن ما لا يدركه ذلك المواطن أن هذه الأدوية المهربة غير فعّالة رغم أن تاريخ الصنع ما يزال ساريا.
أصناف عديدة من الأدوية الخاصة بأمراض القلب أو السكر أو الأمراض المزمنة وغيرها مهربة ومزورة تملأ الأسواق في ظل انعدام الدور الرقابي لوزارة الصحة وأجهزتها المختصة المتمثلة بالهيئة العليا للأدوية التي بات دورها شبه غائب ويقتصر فقط على جني الإيرادات المالية من تجار الأدوية كرسوم وتسجيل وتجديد وغيرها، فيما الضحية هو المواطن الذي يشتري هذه الأدوية لعدم توفر البديل أو لرخص أسعارها، بالإضافة إلى أن الرقابة الصحية على الصيدليات ومخازن الأدوية غير موجودة دون مبرر لترك هذا القطاع الهام والمعني بصحة وسلامة الملايين من السكان رهن لتجار الموت.
30% من الأدوية المهربة والمزوّرة تسيطر على السوق المحلية
وكان مركز الدراسات والإعلام الصحي التابع لـ “المجلة الطبية” قد كشف في دراسة ميدانية نفذها خلال شهر مارس المنصرم بأن الأدوية المهربة والمزوّرة تسيطر على 30% من السوق المحلية، كما أن 95% من الأدوية المهربة والمزورة المتداولة في السوق اليمنية هي أصناف خاصة بعلاج الأمراض المزمنة.
وأشارت الدراسة التي اعتمدت على استبيان تم توزيعه على عينة مكونة من 50 صيدلية ومخزن أدوية في أمانة العاصمة إلى أن 35% من الصيادلة يبيعون الأدوية المزورة والمهربة رغم معرفتهم أنها مهربة ومزورة، مؤكدة أن 30% من الأدوية المتداولة في السوق الدوائية اليمنية دخلت اليمن بطرق غير شرعية أو أدوية مزورة.
ورغم أن 45% من المواطنين اليمنيين حريصون على السؤال عن مصدر الأدوية عند شرائها وما إذا كانت أصنافاً مهربة او مزورة، إلا أن الدراسة أثبتت أن 78% ممن يسألون عن مصدر الأدوية ومكان صنعها يقبلون “على مضض” التعامل مع هذه الأدوية ، وهذا يدل على أن نسبة الوعي عند المواطن اليمني عن أخطار هذه الأدوية على صحتهم مرتفعة وهم بحاجة إلى أن تقوم الجهات ذات الاختصاص كوزارة الصحة ومؤسساتها بالإضافة إلى مصانع وشركات ووكالات الأدوية بتبني المزيد من حملات التوعية بمخاطر وأضرار الأدوية المزورة والمهربة على صحة المواطنين.
ولفتت الدراسة إلى أن تهريب وتزوير الأدوية أصبحت تجارة رائجة تحقق لأصحابها أرباحاً خيالية وهذا ما دفع بالكثير من أصحاب رؤوس الأموال إلى تغيير نشاطهم التجاري السابق والالتحاق بقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية وبالمتاجرة بهذه السلع بطرق غير شرعية لإغراق السوق الدوائية المحلية بكميات هائلة من الأدوية المزورة والمهربة.
ويقول 7 من كل 10 استهدفهم الاستبيان أن الأدوية المهربة والمزورة تصل إلى الصيدليات عبر تجار الجملة والموزعين، بينما يقول 3 من كل 10 أنهم يحصلون على الأدوية المهربة والمزورة من وكالات ومكاتب تجارية وهمية وغير وهمية، وهذا يدل على أن العبث يتحكم بالسوق الدوائي اليمني الذي أصبح جزء كبير منه دواءً غير آمن وقد يعرض حياة الملايين من المواطنين إلى الخطر، خاصة ومعظم الأدوية المهربة والمزورة تستهدف شريحة كبيرة ممن يعانون من أمراض مزمنة مثل ارتفاع الضغط والسكر وأمراض القلب والكلى.
الدور الحكومي في مواجهة الأدوية المهربة
إلى ذلك اكد الدكتور علي محمد عباس – نائب رئيس الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، تنفيذ الهيئة حملات ميدانية بصورة مستمرة لتفتيش الصيدليات والمخازن وشركات الأدوية والتأكد من خلوها من الأدوية المهربة مجهولة المصدر.
وأشار الدكتور عباس في تصريح خاص لـ”المجلة الطبية” الى التنسيق الدائم بين الهيئة العليا للأدوية والأجهزة الأمنية في النقاط عبر غرفة عمليات مشتركة للتبليغ عن أي أدوية داخلة أو خارجة من العاصمة ومعرفة ما إذا كانت أدوية قانونية تحمل تصريحاً من الهيئة أو أنها أدوية مهربة ومزورة وصلت بطريقة غير قانونية.
وأوضح نائب رئيس الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية أن استخدام الأدوية المهربة والمزورة تشكل خطراً على حياة المواطن نتيجة سوء تخزينها وقلة فاعليتها، كما أن غزو السوق بهذه الأدوية الضارة تؤثر وبصورة كبيرة على سوق الدواء المحلي كونها تباع بأسعار رخيصة للمستهلك دون النظر إلى ما قد يترتب عليه استخدام تلك الأدوية المهربة والمقلدة مجهولة المصدر على حياة الناس.
وكشف الدكتور عباس عن توجه جديد للهيئة العليا للأدوية خلال الأيام القادمة وذلك من خلال إلزام جميع مصانع وشركات الأدوية المحلية والتجار الوكلاء المعتمدين رسمياً لدى الهيئة، وضع لاصق على شكل ختم فوق الصنف يظهر عليه رقم الصنف واسم الوكيل، بحيث يستطيع المواطن المستهلك التمييز بين الدواء الرسمي والدواء المهرّب والمقلّد غير القانوني، داعياً جميع المواطنين التعاون مع الهيئة العليا للأدوية في محاربة تلك الأدوية السامة والقاتلة التي تغزو السوق المحلي عن طريق الابتعاد منها وعدم شرائها واستهلاكها تجنباً لأي مخاطر صحية.
وأرجع نائب رئيس الهيئة استمرار تدفق الأدوية المهربة والمزورة إلى اليمن بسبب سيطرة القوى الخارجية على كل المنافذ البرية والبحرية والجوية وبالتالي فإنهم يقومون بالتواطؤ مع المهربين والسماح لهم بالمرور، إلّا أن يقظة الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة صنعاء كان لها الفضل الكبير بعد الله عز وجل في ضبط الكثير من الأدوية المهربة والمغشوشة قبل وصولها إلى العاصمة صنعاء.
المصدر : https://alttebiah.net/?p=2190