الصيدلانيات في اليمن.. حقوق ضائعة وقانون مغيّب
الطبية|غيداء العديني|
“لا مكان لأخذ قسط من الراحة ولا دورة مياه، وراتب زهيد مع تعامل سيئ واتفاقيات تبرم خارج إطار القانون”.. هذه ما يواجهنه صيدلانيات اليمن بعد أن تجاوزن نظرة المجتمع سعيا للحصول على حقهن في العمل.
رفضت إحدى الصيدلانيات الإنصياع لأوامر مدير العمل بتنظيف ومسح أرضية الصيدلية, وهو ما دفع المالك إلى الصراخ بوجهها “من تظنين نفسك، أنت لست دكتورة” وبدأ يعاملها بطريقة غير جيدة.
تقول الصيدلانية العشرينية براءة محمد، في حديثها لـ المجلة الطبية: بعض ملاك مخازن الأدوية يعاملون الصيدلانيات بطريقة غير لائقة.. حيث يطلبون منهن القيام بأعمال لا علاقة لها بتخصصهن مثل مسح وتنظيف الأرضيات.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل يرفض الكثير من أصحاب الصيدليات منح الموظفين مكافأة مقابل عملهم في أيام الإجازات الرسمية.. كما لا يمنحون الصيدلانيات الإجازات السنوية بحسب ما يحددها قانون العمل اليمني.. عوضا عن مراعاة ظروف الصيدلانية المتزوجة، حد قول براءة.
تعاني الصيدلانيات اليمنيات من ظروف عمل غير عادلة في ظل عدم مراعاة مالكي الصيدليات ومخازن الأدوية لظروفهن الخاصة واستغلال الوضع الإقتصادي المتردي وعدم تطبيق قانون العمل.. وهو الأمر الذي يضعهن خارج دائرة التمكن الاقتصادي والاستقرار المالي والحصول على المساواة بين الجنسين في العمل.
وفي ذات الجزئية تؤكد الصيدلانية بسمة أحمد ـ 34 عام في حديثها لـ المجلة الطبية أن هناك اضطهادا كبيرا لحقوق العاملة في الصيدليات ومخازن الادوية.. ” فهناك دورة مياه مشتركة للرجل والمرأة في بعض الصيدليات وهي غير ملائمة للفتاة.. ما يجعلها تمتنع عن استخدام دورة المياه طوال اليوم، وعندما تريد المغادرة لا يسمحون لها بذلك ويتساءلون عن سبب المغادرة “.
إقرأ أيضاً..الصيادلة يؤسسون تحالف برلماني من أجل الدواء في يومهم العالمي
وتقول بسمة – التي عملت في أربع صيدليات أن معظم الصيدليات لا توفر دورة مياه خاصة بالموظفات ما يضطر الكثير منهن لعدم استخدام دورة المياه طوال فترة الدوام التي تصل إلى ثمان ساعات.. وينتج عن ذلك مشاكل صحية، حد تأكيدها, كأمراض الكلى والأملاح.
العمل بدون عقود ومرتبات هزيلة
عملت الصيدلانية بسمة في سبع صيدليات على مدى أربع سنوات دون أن توقع عقد عمل واحدا مع أي من الصيدليات على مدى أربع سنوات.. بدوام يومي يتراوح بين 6 و 7 ساعات تظل خلالها واقفة أو في حركة دائمة لتلبية احتياجات الزبائن.. مقابل راتب لم يتجاوز الـ 60 الف ريال (أقل من مائة دولار) في الشهر.
أقر الدكتور أحمد الجند- مالك صيدلية وسط عاصمة اليمن صنعاء بـ “عدم وجود عقود عمل في معظم الصيدليات.. لأسباب تتعلّق بخوف أصحابها من مطالبة الموظّف بحقوق نهاية العمل، خاصة في حال الفصل التعسفي”.
ويعترف الجند في حديثه لـ المجلة الطبية باضطهاد منتسبي مهنة الصيادلة بشكل عام يخص الأجور التي يتلقونها مقابل عدد ساعات العمل.. مرجعا أسباب المشكلة إلى قلّة الدخل وندرة فرص العمل وغلاء المعيشة.
ويرى الدكتور إسماعيل حجر- مالك صيدلية بصنعاء، أنّ العقد يحفظ للموظّف حقوقه، لكنّه لم يعتمد هذا النظام “عقود عمل”.. مبرراً ذلك بمراعاة وضع الصيدلي أو الصيدلانية الذي قد يجد فرصة عمل جيدة.
عدم وجود عقد يسهل للموظفين الانتقال بشرط إبلاغ الادارة قبل الخروج بفترة.. حسب ما يشرح حجر الذي يشدد على ضرورة تقدير ظروف العاملين بأي شكل من الأشكال فلكل شخص ظروفه الخاصة.
وتعتبر نقابة ملاك صيدليات المجتمع ـ مؤسسة أهلية مقرها الرئيسي بصنعاء غياب عقود العمل واحدة من المشاكل التي تواجهها مهنة الصيدلة في اليمن.
وبحسب رئيس مجلس إدارة النقابة الدكتور محمد النزيلي – فإنّ عدم وجود صيادلة مختصّين في كثير من الصيدليات أثّر على تفعيل عقود العمل في الصيدليات.
وبحسب المعايير العالمية فإنّ الصيدلاني ليس بائع دواء وإنّما وظيفته تأتي مكمّلة للطبيب ومتعلّقة بالدواء وضمن دائرة مكتملة ترتبط بالطبيب والممرّض والصيدلاني والمريض.. ولكلٍ منهم حدود مهنية معينة يلم بها على عكس الأمر في اليمن، حسبما يشرح النزيلي.
ما يتعرض له منتسبو الصيدلة من اضطهاد في الأجور وممارسة المهنة من قبل اشخاص دخلاء، وضعته نقابة ملاك صيدليات المجتمع في خطابات رسمية وجهت إلى المجلس الطبي الأعلى ووزارة الصحة ومجلس النواب والاتحاد الدولي للصيادلة.. حسب النزيلي الذي يؤكد أن النقابة دعت رئيس الجمهورية ووزير الصحة في رسالة رسمية عام 2019، إلى أن يُعطى للصيدلاني حقوقه في ممارسة العمل الصيدلاني وبالأجور المتعارف عليها عالميا.
إقرأ أيضاً.. يوميات ممرضة يمنية خلال جائحة كورونا
ويبلغ عدد الصيادلة في اليمن بحسب النزيلي 46 ألف صيدلي منهم 3500 صيدلانية بدرجة بكالوريوس منهن من تعمل ومنهن من لاتزال عاطلة عن العمل.
جهل بالحقوق
يرى مدير إدارة الصيدلة بوزارة الصحة والسكان بصنعاء الدكتور سمير السنافي – أنّ جهل الصيدلانيات والعاملين بالحقوق بشكل عام من أهم المشاكل التي يواجهونها.
وأكد في تصريح لـ المجلة الطبية أن عدم وجود عقد عمل رسمي بين الطرفين يُبيّن فيه حقوق وواجبات كل طرف أدّى إلى هضم حقوق صيادلة كُثُر وبعضهم وصل إلى المحاكم.. التي تنهي القضية بخسارة الصيدلاني دائما.
غير أن الدكتور السنافي تطرق لزاوية أخرى اعتبرها من أسباب عدم معرفة الصيدلي بحقوقه.. إذ أشار إلى عدم تدريس مادة قانون الصيدلة في معظم الجامعات اليمنية والمنهج المقرّر للصيادلة نادرًا ما يذكر نقطة حقوق الصيادلة في العمل.
وأفاد السنافي بأن اليمن تمتلك قانون عمل يوضح عدد ساعات العمل وما هي الحقوق خاصة في وجود عقد عمل، مشيرا إلى أن الإشكالية تظلّ في الحد الأدنى للأجور.. فالقانون اليمني أورد الحد الأدنى للأجر فقط.. ولم يحدّد الفئات العمّالية مثل الأطباء والصيادلة وغيرها من المهن.. وهنا يأتي دور النقابات المخولة بتنظيم المهنة كما هو معمول به في كثير من الدول العربية، حد قوله.
ضياع التأمين
وجود عقود تلزم المنشآت بفتح باب التأمين الوظيفي للعاملين من خلال استقطاع نسبة ثابتة من الراتب وتوريده إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية.. والتي بدورها يكون فيها للموظّف مصدر دخل في حال التقاعد. وحسب الدكتور السنافي فإنّ هذا الحق يُهمَل من قِبَل المؤسّسات الصيدلانية.
ويشير السنافي إلى أن وزارة الصحة قامت بعمل دليلٍ وطني للمنشآت الصيدلانية.. وكان من ضمنه وجود عقود عمل لموظفيّ الصيدليات وقد تمّ تعميمه وعمل تدريب لكل مدراء الصيدلة بالمحافظات والمديريات بالجمهورية.. وكانت هناك لقاءات كثيرة بأصحاب المنشآت الصيدلانية.. إلا أن شيئا من ذلك لم ينفذ.
لكن الدكتور السنافي يبرر ذلك بقوله “الوزارة ماتزال في مرحلة تقييم للصيدليات في جميع محافظات الجمهورية لمعرفة مدى الالتزام بالمعايير والشروط.. خاصة وأنّ الدور الأساسي للإدارة هو عمل سياسة عامة ورقابة على تنفيذها من خلال مكاتب الصحة بالمحافظات والمديريات”.
وبينما وزارة الصحة ما تزال تقيم المنشآت الصيدلانية وتعد السياسة العامة يستمر بعض أصحاب الصيدليات بامتهان حقوق الصيدلانيات.. خارج إطار القانون في وقت هن بحاجة للعمل من أجل ممارسة مهنتها وتحقيق مردود مالي يساعدها على العيش.
أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب
Source : https://alttebiah.net/?p=11573