المجلة الطبية

قاصرات يفقدن حياتهن أثناء الولادة وصدمات نفسية عنيفة متتالية

-

زواج القاصرات في اليمن.. صدمات نفسية عنيفة

 

المجلة الطبية: أشجان عبد الجبار|

غافلت – وفاء محمد – والدتها المشغولة بإعداد طعام الغداء لـ “معازيم” عرسها وخرجت لتلعب مع أقرانها في الفناء الخلفي للعمارة التي تسكنها اسرتها في منطقة بني الحارث شمال صنعاء، قبل أن تتدخل إحدى الجيران وتعيدها إلى منزلها.


حدث ذلك قبل موعد زفافها بيوم واحد فقط، كما يقول والد وفاء الثلاثيني -محمد منصر – (اسم مستعار).. مدركا في وقت متأخر أنه قد ارتكب خطأ في حق طفلته.. ” لقد أخطأت عندما وافقت على زواج ابنتي وعمرها لم يتجاوز الـ 12 عاما ولم أنتبه لهذا الأمر إلا بعد فواته”.

عادت وفاء بعد شهرين فقط من زواجها تحمل ورقة طلاقها، بحسب حديث والدها لـ “المجلة الطبية” غير أن فرحتها كانت لا توصف بعودتها إلى إخوانها الخمسة.. لكن شيئا فيها كان قد انكسر “موضحاً “أن ما شجعه على الزواج أنها كانت تبدو امرأة كاملة”.

تترك مئات الفتيات اليمنيات مربع الطفولة واللعب ومقاعد المدرسة وأحلام المستقبل، تلبية لقرارات أولياء الأمور بالزواج.. ما يعرضهن للطلاق السريع مع حمل إعاقات ومشاكل نفسية تستمر لسنوات طويلة أو لمدى الحياة وهو ما وثقته المجلة الطبية في هذا التقرير.

 مشاكل صحية

في هذا الجانب تؤكد رئيسة قسم الولادة في مستشفى المؤيد ـ الدكتورة فاتن الشرجبي – أن السن المناسب للزواج هو ما بين الثامنة عشرة والعشرين عاما وما فوق. داعية أوليا الأمور إلى عدم الزج بفتياتهم إلى الزواج في عمر صغير لما يخلفه لهن من مشاكل صحية واجتماعية ونفسية.

وترجع الدكتورة الشرجبي أبرز المشاكل الصحية التي تتعرض لها الفتيات عند تزويجهن قبل عمر الثامنة عشرة – إلى الحمل المبكر.. لافتة إلى أن أغلب الأمهات اللاتي يتوفين أثناء الولادة أغلبهن من الفتيات القاصرات بسبب حملهن المبكر.

قد يهمك.. زواج الأقارب.. أمراض تتوارثها الأجيال

وتتصدر الأمهات الصغيرات في وفاة أطفالهن أثناء الولادة بسبب تعسرها أو نتيجة عدم تحمل جسدها لمرحلة الحمل أو الولادة.. بحسب الدكتورة الشرجبي. مشيرة إلى أن هذا الزواج يزيد من احتمالات الانهيار الصحّي للأمهات صغيرات السن وخاصة أثناء الحرب.. نتيجة لسوء التغذية وانعدام الرعاية الصحيّة بعد إغلاق كثير من المرافق الصحيّة وشح المياه الضرورية للنظافة.

وتفيد المعلومات الطبية بأن سن الزواج يرتبط باكتمال نضوج جسم الفتاة وصحّته بشكل عام والصحّة الجنسية لها على وجه الخصوص.

كاريكاتير خاص بالطبية.. بريشة الفنان غازي

وفاة المواليد

تشير الأدلة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر يتركن التعليم الرسمي.. ويصبحن حوامل، في كثير من الأحيان. كما أن “الوفيات النفاسية” المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصراً هاماً لوفيات الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15و19 عاماً في جميع أنحاء العالم، وتتسبب في 70000 حالة وفاة سنوياً.

وتقول اليونيسف في تقرير عن وضع أطفال العالم 2009 نشر في موقعها الإلكتروني: إذا كانت الأم دون سن 18 عاماً.. فإن خطر وفاة مولودها في السنة الأولى من العمر يبلغ 60 في المائة أكثر من المولود الأول لأم يزيد عمرها عن 19 عاماً وحتى لو عاش الطفل.. يكون أكثر عرضة للإصابة بنقص الوزن عند الولادة وسوء التغذية وتأخر النمو البدني والإدراكي.

عواقب نفسية وعقلية

لا تتوقف تبعات زواج القاصرات في مشاكل الحمل والولادة، وإنما تذهب بهن إلى معاناة نفسية قد تصاحبهن لسنوات.. إذ ورغم مرور أكثر من عام على عودة وفاء لأسرتها بعد طلاقها إلا أنها لم تعد لطبيعتها السابقة. فقد أصبحت كثيرة السرحان “شاردة الذهن” وتميل الى الوحدة، حد وصف والدها.

وهو ما يتفق معه استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور حسان المغلس بأن الزواج تحت سن الثامنة عشر ينعكس سلباً على الفتيات من الناحية النفسية والجسدية.. مرجعا سبب ذلك إلى عدم نضوج الفتيات عاطفيا ونفسيا إضافة إلى تحملها مسؤولية مبكرة من حيث الحمل المبكر وإدارة شؤون المنزل.

إقرأ أيضاً.. زواج الأطفال .. أضرار صحية .. وأسر مفككة

وأكد الدكتور مغلس في حديثه لـ “المجلة الطبية” إصابة العديد من ضحايا الزواج المبكر بالصدمات النفسية ونوبات الاكتئاب التي تصاحبهن لسنوات طويله ما يجعلهن عرضة للطلاق والعزوف عن الزواج مرة أخرى.

كاريكاتير خاص بالطبية.. بريشة الفنان غازي

ودعا الدكتور مغلس المجتمع إلى محاربة زواج الصغيرات حفاظا على مستقبلهن.. مشترطا في زواجهن البلوغ الجسدي والنفسي والفيسيولوجي والعقلي. مضيفاً “لا يتم الزواج إلا بتكافؤ الزوجين من الناحية العمرية والنفسية والعقلية”.

وطبقاً لاستبيان وطني انتقائي أجرته الحكومة اليمنية واليونيسيف في عام 2006 ونشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” على موقعها عام 2011، فإن 14% من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل بلوغ سن 15 عاماً، و52 % منهن يتزوجن قبل سن 18 عاماً. وهناك دراسة أجرتها جامعة صنعاء، أشارت إلى أن في بعض المناطق الريفية، تتزوج الفتيات في سن يصل إلى 8 سنوات.

قوانين ساهمت في ارتفاع الظاهرة

قانون الأحول الشخصية اليمني المعدل لعام 1999 لم يحدد سن الزواج وإنما نصت المادة الخامسة عشرة منه بأن “عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة.. ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة”.  أي أنه يحق لولي الأمر أين يعقد لابنته للزواج في وقت مبكر لكن لا يحق له أن يزفها إلى زوجها قبل أن تكون جاهزة للزواج.

قبل تعديل هذا القانون، حدد سن الزواج في شمال اليمن عام 1992 بخمسة عشر عاما بينما حددت دولة جنوب اليمن قبل الوحدة عام 1990 سن الزواج بستة عشر عاما.

إقرأ أيضاً.. تعرف على فوائد تأجيل الإنجاب مدة سنة بعد الزواج

وبينما كان يجهل والد وفاء ما يترتب عليه زواج ابنته، كانت هناك دوافع أخرى لوالد رغد صالح فتاة الثالثة عشرة “اسم مستعار” في زواجها.. إذ وقع تحت ضغط مطالبات الديون لينتهي الأمر بتزويج ابنته مقابل ما عليه من دين.

 تركت رغد منزل زوجها في الشهر الأول لزواجها وخرجت تبحث عمن يعيدها من محافظة ذمار 118 كم جنوب صنعاء، إلى منزل أبيها بأمانة العاصمة.

رغد وجدت شخصا أقلها وسلمها لمحكمة بني الحارث شمال صنعاء التي بدورها أودعتها بدار الأمل للفتيات. واستدعت والدها الذي أكد للمحكمة أن الزوج قد طلق ابنته وأنه يريد استعادتها للمنزل.. بحسب القاضي رضوان العميسي الذي شغل قاضي الأحول الشخصية بمحكمة بني الحارث شمال صنعاء ما بين 2016 ـ 2019 م 

كاريكاتير خاص بالطبية.. بريشة الفنان غازي

 

ويرجع القاضي العميسي أسباب الزواج المبكر للفتيات إلى عدم وجود نص دستوري يحدد سن الزواج.. داعيا إلى سرعة إقرار مشروع قانون حقوق الطفل المنظور أمام البرلمان اليمني منذ العام 2013م..إضافة إلى توعية المجتمع بالآثار السلبية التي تنعكس على الفتيات سواء الصحية أو الاجتماعية.

أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب

مشروع القانون المطروح منذ سبعة أعوام تحت قبة البرلمان حدد سن الزواج بـ 18 عاما كحد أدنى. و يجرم زواج القاصرات ويعاقب مرتكبيها.. بحسب القاضي العميسي المتفرغ حاليا للدراسات العليا بعد آخر منصب شغله رئيساً لمحكمة بلاد الروس وبني بهلول حتى نهاية 2017م.

وبحسب تقرير لمنظمه اليونيسيف نشر على موقعها الإلكتروني عام 2018.. فإن عدد حالات زواج القاصرات في العالم تراجع بمعدل 15% لكن العدد لا يزال مرتفعا عند12مليون حالة. وتحذر المنظمة من أنه اذا استمر زواج القاصرات بالمعدل الحالي.. فإن أكثر من 150 مليون فتاة في العالم العربي ستكون ضحية للزواج المبكر بحلول عام 2030.

Exit mobile version