المجلة الطبية

مارب.. سيدات يصرخن ضد العنف

-

مارب.. سيدات يصرخن ضد العنف

المجلة الطبية _ محمد حفيظ|

احتضنت أطفالها وعادت – الثلاثينية مها عصام – إلى المنزل الذي أصبح ملكها بموجب حكم قضائي بعد أن طردها زوجها وكاد أن يسلبها حق رعاية أطفالها في محافظة مارب شرق العاصمة اليمنية صنعاء التي انتقلت إليها مؤخرا.

لقد تلقت العديد من الإهانات أمام أطفالها وجيرانها ليصل الأمر بزوجها إلى “طردها خارج المنزل” مستغلا غياب عائلتها التي تعيش في محافظة أخرى.

تكرار الاعتداء على مها دفعها للجوء إلى القضاء وأخذ حقها القانوني فيما يتعلق برعاية الأطفال والحصول على المسكن والنفقة اللازمة من زوجها، لتحيلها المحكمة إلى مركز الإيواء للمعنفات الذي وفر لها مأوى آمنا خلال فترة التقاضي وساهم في متابعة قضيتها.

وتُعرِّف هيئة الأمم المتحدة العنف ضد المرأة في إعلانها العالمي عام 1993 الخاص بهذه الظاهرة بأنه «أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويرجح أن يترتب عليه أذى، أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية، أو الجنسية، أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة».

ارتفاع نسبة العنف

الزوجة -مها- واحده من النساء اللائي يتعرضن للعنف من قبل الأزواج أو الاقارب، وفي هذه الجزئية تعلق مديرة دار أمان لإيواء النساء الناجيات من العنف- بشرى الجنداري- ” تعرض النساء للعنف بات أمرا شائعا في ظل الوضع الذي تعيشه اليمن”.

قد يهمك..مأرب.. مصابو كورونا يموتون على أبواب المستشفيات

المركز الذي تأسس مطلع العام الحالي 2020م بهدف توفيرالحماية والإيواء وتقديم الدعم للنساء في ظل النزاع الجاري الذي ساهم في زيادة نسبة العنف ضد المرأة، هو الأول في محافظة ارتفع عدد سكانها خلال الخمس السنوات الماضية بسبب النزوح من 500 ألف نسمة ليتجاوز الثلاثة ملايين، بحسب تقديرات غير رسمية.

 وتعتقد -الجنداري- بأن إنشاء المركز تأخر كثيرا، ” كان يجب إنشاء مركز الإيواء منذ بداية الحرب والنزوح”، مشيرة إلى “أن ضحايا العنف من النساء خلال السنوات السابقة تمثل ضغوطا كبيرة على المركز”.

ومنذ الشهر الأول للافتتاح وفر المركز ماوى أمنا لسبع حالات بينما استقبل العشرات من طلبات الالتحاق قدمتها نساء معنفات، معظمهن نساء يعشن في مخيمات النزوح بالمحافظة، واللائي تعرضن لأنواع من العنف مثل الضرب والطلاق وفقدان المعيل والطرد من المنزل وتخلي الأهل أو الزوج، بالاضافة إلى تحمل أعباء الأسرة بدلا عن الأب والتحرش.

وقالت في حديثها لـ المجلة الطبية ” أصبح توفير مراكز ودور إيواء ضرورة، وشيئا أساسيا كالمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية المهمة للمجتمع في الظروف الطبيعية عوضا على ظروف الحرب والنزوح”.

نظرة مجتمعية توصم المعنفات

رغم أن هناك معايير وشروطا لقبول أي حالة في مركز الايواء مثل أن تمتلك مقدمة الطلب مايثبت تعرضها للعنف أو محالة من جهة حكومية أو أهلية أو طبية أو أن تكون المرأة سجينة مفرج عنها ولم تجد مأوى، إلا أن -الجنداري- تشكو من نظرة المجتمع، أو جزء منه، للمرأة التي تلجأ إلى مركز الإيواء، ووصمها بـ “العيب”.

يأتي ذلك بينما يتمحور نشاط المركز في صون كرامة المرأة واستعادة تأهيلها نفسيا ومجتمعيا بعدما تعرضت له من معاناة أو عنف، بحسب- الجنداري-، التي ترى أن تغيير نظرة المجتمع لمراكز الايواء والنزيلات يحتاج للكثير من حملات التوعية تشارك فيها المنظمات والإعلام والشخصيات الاجتماعية لتعريف المجتمع بأهمية ما تقدمه من خدمات لحماية المرأة وإعادة تأهيلها.

وهذا ما دفع المركز للتواصل مع عائلة النزيلة -عصام- لتوضيح صورة نشاط المركز وما يقدمه من خدمات تحفظ للنساء كرامتهن وحقوقهن بالاضافة إلى ما قدمه من خدمات قانونية ومتابعة قضية ابنتهم حتى حصلت على حقوقها وإغلاق القضية بطريقة قانونية مرضية.

سمعت كوكب رشاد -26 عاما- عن مركز أمان لرعاية المعنفات في مارب وفكرت في اللجوء إليه، لكنها لم تكن تستطيع الخروج من منزل والد زوجها الذي قضت فيه سبعة أشهر تصفها بـ “أيام في الجحيم”.

وتقول رشاد -اسم مستعار- لـ المجلة الطبية ” بعد سفر زوجي للعمل في الخارج بقيت في المنزل استقبل الإهانات من عائلته التي تتكون من 11 شخصا، وأقوم على خدمتهم.. تنظيف وطباخة وغسيل دون أي مساعدة من أحد”.

إقرأ أيضاً..الجدري المائي ينتشر في مخيم للنازحين بمأرب

وتضيف رشاد “لقد كانوا يعاملونني بقسوة وفكرت في اللجوء إلى مركز أمان لكنني لم استطع الخروج من المنزل وليس لدي معارف في مارب” وهذا ما اضطرها للتواصل بأخيها الذي يسكن مع عائلتها في مدينة إب، وسط اليمن، وطلبت منه تدبير أمر إعادتها إلى إليهم، وهذا ما حدث.

علي رشاد- الأخ الأكبر لـ كوكب- قال لـ المجلة الطبية “لقد كانوا يعاملونها بطريقة لاإنسانية رغم إخلاصها في خدمتهم جميعا سواء الأب والأم أو الأولاد والأحفاد” ويعيد -رشاد- سبب المعاملة السيئة لشقيقته من قبل عائلة زوجها إلى عدم رضاهم عن زواجهما منذ البداية.

صعوبات ومعوقات

المختصة في الخدمة الاجتماعية -هيفاء الأحصمي- أوضحت أن قضية المعنفة -مها عصام- وحصولها على حقوقها شجع الكثير من النساء المعنفات على كشف ما يواجهنه من تعنيف والسعي للخلاص، وقد تلقى المركز عشرات الطلبات للإيواء ويستعد لاستقبال الحالات.

وأوضحت الأحصمي- التي تشغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة إناث المنفذة والمشرفة على مركز الإيواء- أن عدم تقبل المجتمع لفكرة إنشاء مراكز إيواء للنساء تمثل أهم المعوقات أمام الجهود لتجنيب النساء التعرض للعنف، وتمكينهن من حقوقهن.

وأكدت في حديثها لـ المجلة الطبية أهمية تصحيح المفهوم الخاطئ حول مراكز الإيواء والنزيلات الذي مايزال يوصمهن وهذا ما يجعل المشرفين على تنفيذ مثل هذه المراكز حريصون على أن تظل أماكنها غير معلومة “أماكن سرية”.

ومن التحديات التي تواجه دور الإيواء، قضية التمويل لتقديم خدمات للنزيلات كما يجب، حد تعبيرها.

خدمات أخرى

لا تنحصر الخدمات التي يقدمها المركز على إيواء المعنفة فقط بل يقدم خدمات أخرى مثل التدريب في مجال التمكين الاقتصادي للمعنفات لمساعدة المرأة على إيجاد مصدر دخل بعد الخروج من المركز.

وخلال الفترة المحددة بـستة أشهر، كحد أقصى، لبقاء المعنفة في المركز يتكفل المركز بتقديم الخدمات القانونية في حال كانت النزيلة بحاجة إليها، بالاضافة إلى التوعية بأنواع العنف التي تواجهها المرأة اليمنية وحقوقها المشروعة في حياة كريمة خالية من العنف بكل أشكاله.

وفي سياق منفصل أشارت -الأحصمي- إلى أنشطة اخرى تقدمها المؤسسة للنساء من النازحات ونزيلات الإصلاحيات “السجون” في محافظة مارب مثل توفير حقائب النظافة ومستلزمات الوقاية من بعض الأوبئة مثل كورونا وإقامة دورات التمكين الاقتصادي كتدريب النساء على صناعة البخور والمعجنات والحلويات وغيرها.

الأسوأ عالميا

 

 قالت منظمة “سام” للحقوق والحريات، في تقرير أصدرته بمناسبة “اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة” لهذا العام، إن المرأة اليمنية تعاني وضعا متدنيا ومعدلات عالية من سوء المعاملة.

وأضافت: “جاءت الحرب لتضاعف معاناتها، وتضيف أشكالا جديدة -أشد قسوة- من العنف ضدها، كالاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، بالإضافة إلى الشك المجتمعي من كل نشاط نسوي”.

أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب

وكان المنتدى الاقتصادي العالمي قد وضع اليمن العام الماضي في المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للسنة الـــ 13 على التوالي، مؤكدا أن النساء في اليمن “يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية وذي أدوار صارمة بين الجنسين”.

Exit mobile version