قصص نجاح.. إعاقة الجسد لن تعيق طريق الإبداع
المجلة الطبية_ نجود مرشد|
توّجت رؤى الغابري – 19 عاماً – مسيرة التفوق في التعليم، بدأتها منذ الصفوف الابتدائية حتى حصلت على المركز الثالث من الأوائل القسم الأدبي على مستوى الجمهورية في الشهادة الثانوية لهذا العام 2019-2020.
تقول الغابري بثقة متزنة “الإعاقة ليست عائقاً أمام تحقيق الأهداف إذا توفرت الإرادة”.. مضيفة ” لم أفكر يوما بأن فقدان بصري يمكن أن يكون عائقا يمنعني من أن أصبح كأولئك الناجحين الذين وضعوا بصماتهم في التاريخ”.
لم تكن مسيرة رؤى التعليمية سهلة، فبعد أن قضت الخمس السنوات الأولى بسعادة في معهد خاص بالكفيفات في صنعاء.. حيث لم تشعر مع زميلاتها وتعامل معلماتها بالإعاقة، انتقلت إلى مدرسة 14 أكتوبر الحكومية، وهنا بدأت المعاناة الحقيقية في مواجهة المجتمع.
قطعت صمتها بتنهيدة عندما استعادت شريط ذكريات مؤلمة لتقول” لم يكن تعامل زميلاتي في المدرسة جيدا، بداية الأمر.. هناك فرق كبير بين زميلاتي ومعلماتي في المعهد وبين طالبات المدرسة الجديدة”.
قد يهمك..ذوو الإعاقة.. في كل الميادين نستطيع
اصطدمت رؤى بجدار من التحديات في مدرستها الجديدة وضعتها أمام خيارين، إما الاستسلام والتنازل عن منصة التميز.. أو مواجهة التحدي والاستمرار في تحقيق التفوق لتثبت أن لا إعاقة قادرة على الوقوف أمام الإرادة والعمل من أجل تحقيق الأهداف.
نماذج محفزة
تقول رؤى في حديثها لـ المجلة الطبية “عندما كنت أسمع عن قصص النجاح لبعض المشاهير كنت أقول لنفسي، لابد أن هؤلاء قد واجهوا الكثير من العوائق ونجحوا في تجاوزها، وأنا لست أقل منهم”.
هكذا استفادت من تجارب الآخرين الناجحة “فتفوقي بمثابة إثبات لكل فرد أن الكفيف قادر على بلوغ أهدافه التي رسمها وحيدا في خياله وطبقها على أرض الواقع”.
وبحسب رؤى كان دعم ومساندة عائلتها على جميع المستويات، خاصة رعاية واهتمام والدها الذي يعتبر أهم عامل ساعدها على تجاوز الإعاقة “أجد والدي معي في كل خطوة بحياتي.. بحضوره واهتمامه ودعمه”.
كان والدها الذي حضر المقابلة متأثرا بكلماتها حتى اغرورقت عيناه بالدموع كلما تحدثت عن دعمه لها.
يقول عادل الغابري ” لقد واجهنا الكثير من الصعوبات خلال سنوات الدراسة خاصة فيما يتعلق بتوفير احتياجاتها الخاصة بسبب الوضع المادي المتردي”.
وأضاف ” لم تمنعني ظروفي المعيشية أن أكون مع ابنتي خطوة بخطوة وسأظل معها حتى تحقق كل أهدافها في الحياة”، وهي الآن تخطط لاستكمال دراستها الجامعية تخصص إدارة أعمال دولية باللغة الانجليزية، حد قوله.
تجاوز المحطات الصعبة
” معاقة! فكرت كثيرا في هذه الكلمة.. ثم قلت ليست هذه الكلمة مناسبة، لا شيء يستطيع إعاقتي عن تحقيق كل ما أطمح إليه”، بهذه الكلمات عبرت الشابة العشرينية أحلام الغابسي عن رفضها لمجتمع ما يزال يوصم ذوي الإعاقة بالعجز.
تطل الغابسي على المستمعين بصوتها كل يوم ثلاثاء عبر برنامجها الإذاعي “نجوم الإرادة” من إذاعة هوى اليمن، لتستعرض قصص نجاح أبطالها من الأشخاص ذوي الإعاقة.
مرَّ عام على انضمام الغابسي إلى مجال الإعلام المسموع وتستعد للموسم الثالث من برنامجها، التي تقدمت بفكرته إلى أكثر من إذاعة؛ اعتذرت جميعها بحجة عدم وجود راعٍ للبرنامج قبل أن تحصل على الفرصة في إذاعة هوى اليمن.
تقول في حديثها لـ المجلة الطبية ” لقد أوجدت آلية للتنسيق بين العمل والدراسة ” خاصة وقد شارفت على إكمال السنة الرابعة في كلية التجارة بجامعة آزال تخصص إدارة أعمال.
إقرأ أيضاً..أكثر من 100 مليون طفل من ذوي الإعاقة حول العالم
الفتاة التي ولدت وهي تعاني من إعاقة سمعية وحركة ضعيفة، واجهت الكثير من الصعوبات في حياتها وأصيبت بحالات من اليأس والإحباط ” لقد غصت في أعماق الإحباط الذي يغرق فيه الكثيرون من ذوي الإعاقة وحتى الأصحاء”. لكنها سرعان ما انتشلت نفسها وعادت لتكمل مسيرتها بمساندة عائلتها.
وبينما دعت المجتمع إلى ضرورة توفير البيئة المناسبة لذوي الإعاقة ومنحهم القليل من الوقت والصبر ليتمكنوا من تحقيق طموحاتهم، وجهت رسالة لذوي الإعاقة مفادها ” لا تلتفت لكل ما يحبطك، أنت وحدك من يستطيع أن يفجّر طاقاتك، تأمل نفسك واعرف قيمتك جيدًا “.
معاناة وانتصار
بدأ محمد ماطري – 26 عاما – حديثه بأمنية هي خلاصة تجربة عاشها لسنوات عندما قال “أتمنى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة خاصة فيما يتعلق بضمان حصولهم على التعليم كما ينبغي”.
واقترح “إعفاؤهم من دفع الرسوم الدراسية أو تخفيضها، وتلقي دعم مالي ونفسي يساعد على استكمال تعليمهم”.
وأضاف بنبرة حزينة في حديثه لـ المجلة الطبية ” يواجه ذوو الإعاقة شيئا من التنمر بسبب وضعهم الصحي وهذا يولّد شعورا سيئا لديهم قد يدفعهم إلى العزلة المجتمعية”.
يعاني الماطري من “القدم الفيلية” منذ الولادة وعاش طفولة قاسية في ريف محافظة إب جنوبي صنعاء بسبب وفاة والده والوضع الاقتصادي لعائلته، لكنه أمتلك العزم والإرادة وبمساندة والدته وإخوته الستة واصل تعليمه ” لقد كانت أمي السند والمحفز والداعم النفسي طوال حياتي” فهي من شجعته لمغادرة القرية التي لا يوجد بها مدرسة ثانوية واستكمال دراسته في المدينة.
لكن الصعوبات الحقيقية بدأت عندما حان وقت الالتحاق بالجامعة، يقول الماطري “تكاليف الدراسة الجامعية كانت فوق طاقتنا جميعا لذا توقفت هنا” لكنه لم يتوقف عن التفكير في طريقة تمكنه من إكمال تعليمه الجامعي.
يقول “بحثت عن عمل كي أوفر رسوم الجامعة، لكن إعاقتي كانت سببا في عدم موافقة أرباب العمل على توظيفي”.
أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب
لم يستسلم، هناك ما يستطيع القيام به، أعمال بسيطة نجح من خلالها في توفير مبلغ من المال، وبالإضافة إلى دعم والدته تمكن من الالتحاق بالجامعة، وأصبح أكثر تفوقا، لكن الصعوبات لم تنته.
يضيف ” البحوث والأنشطة الجامعية كانت تستنزف ميزانيتي البسيطة” لم يكن بوسعه سوى اختصار الوجبات اليومية إلى وجبة طعام واحدة في اليوم، ليكمل تعليمه الجامعي بتفوق كعادته، ويرسم الفرحة على وجه أمه وإخوته ومن ثم يعود ليعمل مدرسا في قريته للمساهمة في تعليم الأجيال.
بناء الشخصية
أكد الأخصائي النفسي -منصور العبادي- أن تقبل الشخص من ذوي الإعاقة لوضعه الصحي والتعامل معه ومن ثم تكيّف الشخص مع المجتمع المحيط به هي الخطوة الأولى التأهيلية من أجل أن يصبح عضوا فعّالا في المجتمع.
وأضاف العبادي – ماجستير علم نفس- في تصريح لـ المجلة الطبية “يقع الكثير في خطأ فادح من حيث لا يعلمون أثناء التعامل مع ذوي الإعاقة كالتعامل معهم بشفقة، وهذا التعامل، غالبا، يولد نتائج سلبية تتساوى مع نتائج التعامل معهم بسخرية” لأن ذلك يولد عندهم إحساسا بالنقص والدونية.
وطالب الأسرة والمجتمع بتجنب إظهار التدليل الزائد لهم أو التعامل معهم بتمييز مبالغ به، “
واقترح “تهيئة الظروف التي تساعد هذه الشريحة على تحقيق ذواتهم وتطوير مهاراتهم ومواهبهم الخاصة واختيار ما يناسبهم من مهام”.
وأوضح أن الهدف من التأهيل النفسي والاجتماعي لهذه الشريحة هو الوصول بالفرد إلى حالة من التوازن بين وضعه الصحي والظروف المحيطة به والوصول به إلى أعلى درجة من بناء شخصيته.
المصدر : https://alttebiah.net/?p=13577