رن هاتفي عند الحادية عشرة مساء.. إنها الأيام الأولى لشهر اكتوبر حيث يتضاعف الإرهاق بتغير المناخ، لكن مصدر الاتصال زرع على ملامحي ابتسامة رضى وترحيب “أهلاً بالعزيز، كيف أنت.” وبعد أن بدأ الطرف الآخر حديثه بالاعتذار عن الاتصال في وقت متأخر، فأنا عادة لا أجيب على الهاتف في مثل هذه الأوقات، غير أن مكالمته تبدّد الإرهاق والتعب الذي يتراكم يوميا ويثقل أجسامنا ليلا، وقد أخبرته بذلك.
إنه الصديق وائل شرحة- مدير عام المجلة الطبية، وقد اتصل ليذكرني باقتراب موعد اليوم العالمي لهشاشة العظام في الـ 20 من اكتوبر الجاري، ألم أخبركم بأن مكالماته تعيد الطاقة للجسم، في هذا الاتصال طرح مبادرة تنفيذ حملة توعوية حول مرض هشاشة العظام تحت إشرافي علمياً، ليس لمكانتي الأكاديمية أو الطبية فحسب وإنما بصفتي عضو الهيئة الاستشارية للمجلة الطبية.
أبديت استعدادي بعد أن أخبرته بضرورة الترتيب للقاء نتحدث فيه عن الحملة، في الحقيقة لم يكن الهدف من اللقاء الحديث عن الحملة فقط، ثمة أمر آخر حدثته عنه، وهذا ما أرغب اليوم في التطرق له هنا.
إنها المجلة الطبية نفسها، فأنا بالفعل مندهش ومعجب بالشغف الذي يجعلهم يبذلون كل هذه الجهود في توعية المجتمع بمختلف جوانب الصحة، وبجهود ذاتية منهم وبدعم خفيف من قبل بعض الشركات الدوائية، ودون أي مساندة من قبل الجهات الرسمية.
أعود إلى منصة المجلة الإلكترونية وأتابع نشاطها باستمرار، أرى عملاً يومياً مركزاً ونوعياً ودقيقاً ينشر على منصاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، أتوقف وأنا أتصفح المجلة الطبية العدد (45) لشهر سبتمبر الماضي وأقلّب صفحاتها وقد ارتفعت إلى 60 صفحة بعد أن كانت 44 صفحة، أتفحصها لأجد أفكاراً إبداعية وصياغة حديثة وأسلوباً فريداً في الكتابة الصحفية.
مضيت رغم انشغالي مع المجلة في الحملة، وتركت المشاركات التوعوية حول هشاشة العظام لزملاء آخرين مع مشاركات بسيطة شخصية وإشراف علمي على كل مضامين الحملة، لكني أردت أن أكتب عن دور المجلة وجهود فريقها.
وقد زاد من إعجابي وتقديري لهذا العمل عندما حدثني وائل عن حجم الفريق وكيف يتم إنجاز المواد الصحفية والفيديوهات والتصاميم، ربما هذا ما دفعني لكتابة هذه الأحرف من باب الإنصاف والشكر لمجموعة أشخاص سخروا أنفسهم لعمل مجتمعي بحت، هو في الأساس من واجبات مؤسسات الدولة، أو مؤسسات خاصة بدعم ومساندة الجهات الرسمية.
أتذكر الآن عندما انطلقت المجلة قبل أكثر من ثلاث سنوات، كان عظمها ليّناً وبسيطاً، لكن مع مرور الوقت نمت واشتد عودها وقوي عظمها لتحمل همَّ توعية الناس للحفاظ على صحتهم، واليوم تعمل من أجل سلامة عظم المجتمع ووقايته من الهشاشة.
أجدد انبهاري بفريق المجلة الطبية، لأننا نلاحظ بشكل يومي بأن الصحافة منشغلة في الأحداث السياسية والعسكرية وغيرها من الأحداث التي تتسبب بالكثير من الأمراض النفسية والجسدية للمواطن اليمني، غير أن هذا الفريق قد تمكن من تغيير المعادلة ونجح لأول مرة في تحويل الحبر إلى دواء مجاني لأبناء اليمن كل اليمن، وذلك بتسخير وقته وجهده وعلاقاته ومهنته للبحث عن المعلومة الصحية الدقيقة من مصادرها العلمية والمهنية ونشرها بلغة احترافية بسيطة عبر المجلة الورقية التي تصدر كل شهر، وكذلك من خلال منصة المجلة الإلكترونية التي يتم تحديثها بشكل يومي.
____
*أستاذ دكتور جراحة العظام والمفاصل بكلية الطب ـ جامعة صنعاء