المجلة الطبية

المضادات الحيوية في اليمن.. هوس وإفراط مقلق

-
د. ص. مطيع البوكري

المضادات الحيوية، بتعريف مبسط: هي أدوية تستخدم لقتل أو تثبيط البكتيريا المسببة للمرض وتنقسم إلى تسع مجموعات وفق آلية عملها، لكن أبرز تلك المجموعات استخداما في اليمن هي التي تثبط تصنيع جدار الخلية (Cell wall synthesis inhibitor)  وبالأخص مثبطات Beta lactamase البنسلينات والسفلسبورينات.

قد يهمك.. المجلة الطبية تطلق حملة للتوعية بإدارة مرض السكر

تُستخدم المضادات الحيوية عند الإصابة البكتيرية فقط بينما الإصابات الفيروسية مثل الزكام والإنفلونزا يفضل استخدام الأدوية التي تخفف من تلك الأعراض، ويشتغل كل مضاد حيوي على نوع معين من البكتيريا لذلك، من الأفكار البديهية التي يفترض أن يركز عليها أي معالج، هو أن عليه معرفة البكتيريا المسببة قبل المعالجة.

فمثلا أهم البكتيريا المسببة لإصابة الجهاز التنفسي العلوي Streptococcus pneumonia ، Haemophilus influenza ، Staphylococcus aureus ومن خلال معرفة نوع الإصابة سيقوم الطبيب باختيار الدواء المناسب للمريض ، غير أن هناك أنواعا من العدوى خصوصا عدوى الجهاز البولي لا يستطيع الطبيب معرفة نوع العلاج المناسب للمريض إلا بعد عمل فحص مزرعة بول (Urine culture) وتحدد نتيجة الفحص الأدوية الفعالة والتي لا يمكن للبكتيريا مقاومتها، وعليه يقرر نوعية المضاد.

مقاومة المضادات

لكن ما هو ملاحظ في واقع المجتمع اليمني، أن هناك مشكلة كارثيه أدت إلى حدوث مقاومة للمضادات الحيوية (Resistant) عند غالبية المرضى في اليمن وأصبح لا جدوى من استخدامها سيما البنسلينات والثلاثة الأجيال الأولى من السفلسبورينات والسبب عدم تناول الجرعة كاملة، بمعنى آخر  هو أن المريض وعند استخدامه المضاد الحيوي تضعف لديه البكتيريا ويشعر المريض بالتحسن فيتوقف عن استخدام الدواء. وهنا تمكن المشكلة.

فعند الإصابة مرة أخرى تتكاثر البكتيريا التي نجت من العلاج بسبب عدم إكمال المريض للجرعة, وتنقل خصائص مقاومتها عند استخدام العلاج مرة أخرى فتصبح البكتيريا مقاومة للعلاج وأكثر فتكا بالمريض, بهذه الحالة يلجأ الطبيب إلى تغيير العلاج بمضاد حيوي أقوى كون العلاج السابق أصبح لا جدوى من استخدامه، ومع الإصابات المتكررة تستنفد كل الخيارات الممكنة ويصبح المريض لا يستجيب لأي مضاد حيوي.

هوس وعدم التزام

بالإضافة إلى ما سبق، بعض المرضى لا يلتزمون بتناول الجرعة في موعدها، عطفا على ذلك هناك مرضى لديهم هوس في استخدام المضادات الحيوية ويتناولونها بشكل مفرط، ومن غير المنطق أن نلقي بالتهمة كلها على المريض فقط، بصرف النظر عن مستوى وعيه، فالطبيب قد يكون في حالات كثيرة، أحد أسباب المشكلة.

يحدث ذلك، حين يقوم بوصف مضاد حيوي غير ضروري أي حين تكون الحالة المرضية لا تستدعي استخدام المضاد الحيوي أو بدون معرفة البكتيريا المسببة. الصيدلي اليمني أيضًا، متهم بشكل أساسي عندما يقوم بصرف نصف الجرعة للمريض بحجة أن المريض لا يمتلك المبلغ الكافي للشراء، بل أصبح بعض الصيادلة يبيعون مضادا حيويا بالحبة، وهذا يُعد” جرماً أكبر” بحق الطب والصيدلة، ومهزلة يتوجب حصارها.

هناك نقطة أخرى مهمة أيضًا، ففي الغالب الطبيب أو الصيدلي لا يوضح للمريض حول بعض الأمراض التي تتأثر فاعليتها بوجود الطعام في المعدة ويفضل استخدامها على معدة فارغة ويتم الاكتفاء بعدد مرات الاستخدام خلال اليوم الواحد.

الأطفال أكثر الضحايا

الأطفال اليمنيون أكثر ضحايا الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية والطبيب غالبا ما يكون السبب في المشكلة ، يسعى الطبيب لصرف وصفة سحرية تجعل الطفل يتحسن بشكل سريع. أغلب الظن؛ لكي يثبت لأسرة الطفل بأنه طبيب خارق للعادة وعبقري زمانه، على أن المشكلة لا تكمن في أن الطبيب قام بوصف مضاد حيوي فحسب؛ بل لأنه أختار مضادا حيويا قويا، ومنع الطفل من استخدام الخيارات الأولى من المضادات الحيوية ودمر الجهاز المناعي للطفل، يكبر الطفل وتكبر معه المعاناة ويستسلم في كل مرة للعدوى، فلا خيارات أخرى ستمكنه من التغلب على المرض.

 الأدوية المركبة 

بعض المضادات الحيوية التي تحتوي على مركبين الأول مضاد حيوي ، والآخر مثبط لإنزيم بيتا لاكتاميز Beta lactamase حيث يقوم هذا الإنزيم بمقاومة وتكسير المضاد الحيوي قبل أن يقوم بقتل البكتيريا لذلك يستخدم مع المضاد الحيوي أموكسيسلين Amoxicillin لمنع تكسر  المضاد الحيوي فيصبح الأموكسيسلين فعالا جدا كون العلاج لم يتكسر بأي إنزيم.

مثبطات إنزيم بيتا لاكتاميز Beta lactamase مثل Clavulanic acid , sulbactam,  tazobactam  يمكن أن تجمع مع المضاد الحيوي وفق دساتير الأدوية العالمية ولا يمكن لأي شركة مصنعة من صنع مضاد حيوي مع مثبطات إنزيم Beta lactamase دون أن تستند إلى دساتير التصنيع الدوائي.

لكن ظهرت مؤخرا أصناف في السوق اليمنية، صنعت خصيصا لليمن حسب الطلب دون دراسات تذكر، منها تصنيع tazobactam مع ceftriaxone دون الاستناد إلى دراسات علمية وبعيدا عن دساتير التصنيع الدوائي.

إقرأ أيضاً.. أخصائي يحذر من أكثر مخاطر الاستخدامات الخاطئة للمضادات الحيوية

إزاء هذا العبث، من المفترض أن يتم توقيف استيراد تلك الأصناف من قبل السلطة وهي خطوة ضرورية وواجب وطني عام، يهدف لحماية المريض من الفوضى التي أنهكت المريض في اليمن، هذا مفترض أن يحدث؛ لكن من الملاحظ مع الأسف أنه وبعد إيقاف استيراد الكثير من تلك الأدوية إلا أن بعض الأصناف لا زالت متوفرة في السوق ، ولا يبدو أن أحدًا، شعر بمسؤولية إزاء وقف ذلك.

 

أنجزت هذه المادة في إطار حملة #لا_تهاون_البكتيريا_تقاوم ، التي أطلقتها “المجلة الطبية” للتوعية بمخاطر الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية، بالشراكة مع الشركة الدوائية الحديثة لصناعة الأدوية، وبرعاية صنف “أوجمين”.  وتزامناً مع الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية.

 

الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب

Exit mobile version