المجلة الطبية

المضادات الحيوية.. عندما يتحول الدواء إلى مشكلة

-

تقرير: عبدالملك الجرموزي: الطبية|

 

اكتشف الثلاثيني أكرم هزاع، أنه كان سبباً في إلحاق الأذى بصحته، بافراطه وسوء استخدامه للمضادات الحيوية،  من تلقاء نفسه، وعند شعوره بأي عارض صحي مهما كان بسيطاً.

اعتاد هزاع على استخدام المضادات الحيوية منذ كان في الثامنة عشرة من عمره، لكنه بالإضافة إلى استخدامه المفرط للمضادات يسيء استخدامها، وذلك بتركها بمجرد شعوره بالتحسن والاكتفاء بنصف الجرعة، غير مدرك لما يترتب على ذلك الاستخدام السيئ والمفرط من مخاطر وخيمة على صحته بشكل عام، بحسب حديثه مع “المجلة الطبية”.

منذ مطلع العام الجاري تحديداً، بدأ هزاع يشعر بأن جسده لم يعد قادراً على مقاومة الأمراض، وبأن مناعته أصبحت ضعيفة جداً، وعند زيارته للطبيب الذي بدوره وجه بعمل عديد فحوصات لهزاع حيث تبين لاحقاً بأن جهازه المناعي شبه مدمر، مما اضطر طبيبه إلى إخضاعه للعلاج قد يستغرق فترة طويلة بهدف إيقاف الانهيار الكامل لمناعته وإنقاذ صحته.

قد يهمك..د. غلام ضبعان: أخطاء جسيمة تقترف بحق المرضى

قصور وعي

 كثيرون، مثل هزاع، يغريهم شعورهم بالتحسن، فيتوقفون عن الاستمرار في تناول جرعة المضاد كاملة.. قصور وعي، يحرف مسار المضادات الحيوية والاستفادة منها علاجياً  ويحولها إلى كارثة صحية.

وكان عدد من قراء ومتابعي “المجلة الطبية” سواء عبر موقعها الالكتروني، أو في صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، قد أبدوا تفاعلاً كبيراً مع الحملة التي اطلقتها المجلة تحت شعار” لا تهاون، البكتيريا تقاوم” للتوعية بمخاطر الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية، وقد أكد عدد منهم التزامهم باستخدام المضادات الحيوية وفقاً لتعليمات أطبائهم، لكن كثيرين قالوا بأنهم يستخدمون المضادات بعشوائية، ولا يستشيرون الأطباء، وبمجرد شعورهم بالتحسن يتوقفون عن تناولها،  لذا فإن هذا التقرير يُبين أضرار الاستخدامات الخاطئة والعشوائية والمفرطة للمضادات الحيوية.

مشكلة كارثية

ثمة مشكلة صحية يصفها الدكتور الصيدلي مطيع البوكري بـ”الكارثية” أدت إلى حدوث مقاومة للمضادات الحيوية، عند غالبية المرضى في اليمن، وأصبح لا جدوى من استخدامها سيما البنسلينات والثلاثة الأجيال الأولى من السفلسبورينات والسبب عدم تناول الجرعة كاملة، بمعنى أن المريض وعند استخدامه للمضاد الحيوي تضعف لديه البكتيريا ويشعر المريض بالتحسن فيتوقف عن استخدام الدواء. وهنا تمكن المشكلة.

ويوضح الدكتور البوكري لـ”المجلة الطبية”، أنه “عند الإصابة مرة أخرى تتكاثر البكتيريا التي نجت من العلاج بسبب عدم إكمال المريض للجرعة وتنقل خصائص مقاومتها عند استخدام العلاج مرة أخرى فتصبح البكتيريا مقاومة للعلاج وأكثر فتكا بالمريض”.

ويتابع “بهذه الحالة يلجأ الطبيب إلى تغيير العلاج بمضاد حيوي أقوى كون العلاج السابق أصبح لا جدوى من استخدامه، ومع الإصابات المتكررة تستنفذ كل الخيارات الممكنة ويصبح المريض لا يستجيب لأي مضاد حيوي”.

ويقول الدكتور البوكري، إن بعض المرضى لا يلتزمون بتناول جرعة المضاد الحيوي في موعدها، وهناك مرضى لديهم هوس في استخدام المضادات ويفرطون في تناولها”، لكنه يرى أنه “من غير المنطق أن نُلقي بالتهمة كلها على المريض فقط، بصرف النظر عن مستوى وعيه”، معتبراً أن “الطبيب قد يكون في حالات كثيرة أحد أسباب المشكلة، وربما المشكلة  الأساسية، وذلك حين يقوم بوصف مضاد حيوي غير ضروري أي حين تكون الحالة المرضية لا تستدعي استخدام المضاد الحيوي أو بدون معرفة البكتيريا المسببة”.

لم يستثن البوكري الصيادلة من نقده محملاً إياهم أيضاً مسؤولية اساءة استخدام المضادات، وقال “عندما يبيع الصيدلي نصف جرعة المضاد المقررة للمريض بحجة أن المريض لا يمتلك المبلغ الكافي لشراء الدواء. بل أن هناك صيدلانيين يقوم ببيع جرعة المضاد بالحبة”.

الجرعة الكاملة

بدوره، يشدد استشاري علم الأحياء الدقيقة والمناعة السريرية، الدكتور غلام ضبعان، على أهمية إكمال أخذ الجرعة كاملة للمضاد الحيوية الموصوف للمريض من قبل الطبيب، مضيفاً” حتى لو شعر المريض بالتحسن فيجب أخذ الجرعة كاملة”.

وفي حال نسي المريض تناول المضاد الحيوي في وقته المحدد، قال الدكتور ضبعان لـ”المجلة الطبية”، إن “على المريض تناول المضاد الحيوي في وقته المناسب والمحدد من قبل الطبيب المختص، وفي حال نسيانه يجب عليه الاستمرار بأخذ المضاد في وقته التالي”.

إغراء خادع

في تقرير نشرته منصة ” مايو كلينك” الطبية العالمية، أكدت أن الشعور بالتحسن يغري المريض على التوقف عن تناول المضاد الحيوي، لكنها استدركت بالقول ” ولكن العلاج بأكمله ضروري لقتل البكتيريا المسببة للمرض”.

التقرير نبه إلى أن عدم الاستقرار في تناول المضاد الحيوي وفق تعليمات الطبيب قد يؤدي إلى الحاجة لمتابعته لاحقاً، وقد يعزز ذلك انتشار خصائص مقاومة المضادات الحيوية بين البكتيريا الضارة.

ما هي المضادات وماذا تفعل؟

والمضادات الحيوية هي الأدوية المستخدَمة للوقاية من العدوى البكتيرية وعلاجها. وتحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تتغيَّر البكتيريا كرد فعل لاستخدام هذه الأدوية. وهذا يضر بقدرتنا على معالجة الأمراض المعدية ويقوّض العديد من أوجه التقدم التي تحققت في مجال الطب، وتصبح البكتيريا، وليس البشر، مقاوِمة للمضادات الحيوية.

هذه البكتيريا يمكن أن تصيب البشر والحيوانات، والأمراض المعدية التي تسببها أصعب في العلاج من الأمراض التي تسببها البكتيريا غير المقاومة.

وتقوم الميكروبات من الجراثيم والفيروسات والطفيليات عامة، بالتغير والتطور بشكل متواصل كي تضمن بقاءها، وتتكيف مع العلاجات واللقاحات المضادة لها، لدرجة تمكنها من تطوير مقاومة المضادات، التي تغدو بلا تأثير علاجي، كما هو الحال مع المضادات الحيوية ضد البكتيريا، بحسب منظمة الصحة العالمية.

مخاوف جدية

اللافت في الأمر، أن المضاد الحيوي الذي اكتشفه العالم الاسكتلندي الكسندر فليمينج بالصدفة في العام 1928، وساهم في انقاذ حياة مئات الملايين من البشر حول العالم، تحول في السنوات العشر الأخيرة إلى دواء مثير للقلق ومشكلة عالمية.

وتسود مخاوف جدية بين الأوساط والمحافل الصحية والعلمية من أن تصبح مقاومة البكتيريا لتلك المضادات من أكبر التحديات الصحية في هذا القرن، خاصة وأن نسبة الوعي بهذه المشكلة الخطيرة والمتفاقمة متدنية للغاية.

إقرأ أيضاً..6 استخدامات خاطئة.. تجنبها عند التعامل مع المضادات الحيوية

وتوقعت تقارير وتقديرات صحية أوروبية أنه بحلول عام 2050 قد يموت نحو 10 ملايين إنسان بسبب إصابات مقاومة للمضادات الحيوية.

 رقم مهول يفسر تصاعد الحملات للتوعية بهذا الخطر الصحي الداهم، وبحث سبل تداركه عالميا، وهذا يحتم علينا في اليمن دق ناقوس الخطر خاصة في ظل نقص وعي كبير بمهام المضادات الحيوية الدوائية والإفراط في تناولها وسوء استخدامها.

 

أنجزت هذه المادة في إطار حملة #لا_تهاون_البكتيريا_تقاوم ، التي أطلقتها “المجلة الطبية” للتوعية بمخاطر الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية، بالشراكة مع الشركة الدوائية الحديثة لصناعة الأدوية، وبرعاية صنف “أوجمين”.  وتزامناً مع الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية.
Exit mobile version