ابتسامة يمنية في نيويورك
الطبية_ محمد محمد إبراهيم|
خبر رحيله أزعج مدير مدرسة الكويت علي سعد محمد الذي طالما أعجب بنشاط وشخصية الطالب وليد مجلي الصايدي وهو لم يكمل الصف الأول الثانوي بعد.. وترك رحيله المفاجئ تساؤلات كثيرة عن الصعوبات التي سيواجهها في مدينة مجنونة مثل نيويورك.
كان منظر مطار صنعاء مدهشا في عيني طفل يستعد -في مايو 1991م- لصعود الطائرة لأول مرة في حياته يبدو أن الهجرة والاغتراب قدر عائلة الصيادي وآلاف العائلات اليمنية منذ الأزل، رغم أن أسباب الهجرة من اليمن متعددة وطريقها ليس سهلا، غير أن رحلة وليد كانت سهلة مقارنة برحلة والده الذي بدأها وهو في سن الثانية عشرة عندما غادر ميناء عدن على ظهر سفينة «الزعيمة» إلى ميناء الكويت ليعمل فيها ثلاث سنوات، ثم إلى بيروت ليحصل على الثانوية العامة، قبل أن يستقر به المقام في نيويورك.
وهناك أكمل دراسته ليعود في أوائل السبعينيات إلى اليمن، كواحد من أهم الشخصيات الإدارية في البنك الدولي، إنها قصة ملهمة، يحكيها وليد في حديثه لـ المجلة الطبية «يعود الفضل في أن أسلك درب العلم والمعرفة والمهنة الرفيعة إلى والدي الذي دعم جميع أفراد الأسرة زارعا فيهم حب العلم كسبيل إلى الحياة الكريمة والاستثنائية بالنجاحات الخادمة للإنسانية»..
الدراسة والتفوق
لحظة الوصول إلى مجتمع مختلف كلياً عن ثقافتك ولغتك وقيمك، يعد امتحانا صعبا، لكن ثمة أمرين لا ثالث لهما ييسران مهمتك في مواصلة الحياة والاندماج مع المجتمع الجديد، الأمر الأول والأساسي مستواك المعرفي والإلمام بثقافة ولغة المجتمع المفتوح على التنوع، والأمر الثانوي الأصدقاء الذين سبقوك إلى هذا المجتمع، وفي هذا السياق يضيف يقول الصايدي: كنت أتحدث اللغة الانجليزية بشكل مقبول لأني درست اللغة الإنجليزية في المعهد القومي في صنعاء، وما كان يصعب عليَّ في الأمور الأخرى كان عمي وأخي بوصلتي التي توجهني لأشق دربي في هذا المجتمع المختلف، خصوصا وأنا لم أزل خريج الصف الأول الثانوي وهدفي العمل والدراسة, وفي صباح حافل بحركة البشر والمركبات في شوارع نيويورك الأهم في العالم، رافقني عمي إلى مدرسة George Washington في منهاتن لدراسة الصف الثاني الثانوي, وأتذكر تفاصيل أول يوم دراسي حيث أدهشني تنوع الطلاب وصرحها التعليمي، لكني لم أجد صعوبة في ذلك الامتحان التقييمي بل العكس كان مستواي أعلى بكثير خاصة في المواد العلمية، حيث حصلت على أعلى الدرجات ما أهلني للانضمام إلى نخبة المتفوقين في المدرسة. وكان اسم النخبة national honor society…وبعد عامين تخرجت من المدرسة في يونيو ١٩٩٣.
التقاط فكرة التخصص
إن اختلاف المكان والمجتمع لا يغير سمات الشخصية الذكية فمن يتفوق في اليمن رغم المستوى المعرفي والوسائل التعليمية وفارق اللغة يتفوق في نيويورك المدينة التي تعد عاصمة العالم.
وفي هذا السياق يقول وليد الصايدي «كنت أعمل في السوبر ماركت بضع ساعات بعد عودتي من المدرسة, فقد كانت حياة صعبة نوعاً ما لكنها بمشاغلها لم تغير من إصراري على الاجتهاد في الدراسة مهما كلّف الأمر، وتخرجت من مدرسة George Washington وكنت ضمن كوكبة الأوائل, أهلتني درجاتي دخول جامعة عريقة اسمها Fordham university. وكنت محباً للمواد العلمية فتفوقت فيها”.
قد يهمك..الدكتورة بثينة الشرفي تحدد أهم الطرق للتعايش مع السكر
يبقى في هذا التميز سؤال التخصص فعادة ما يشكل التخصص حيرة لدى كل طالب متميز، فمنهم من يحدده مستوى ميوله الشخصي المعرفي، ومنهم بيئة العمل، ومنهم حاجة المجتمع، وعوامل أخرى، لكن تخصص وليد الصايدي لم تحدده تلك العوامل بما فيها تفوقه الكبير في المواد العلمية.
هنا لعبت الحاجة الشخصية والمعاناة دوراً هاماً في تحديد تخصصه العلمي , لطالما أزعجه منظر أسنانه التي بحاجة إلى عملية تقويم ، يقول وليد في هذا السياق: كنت لا أطيق منظر أسناني المزدحمة فقررت زيارة دكتور أسنان، فوجدت دكتورين أحدهما مصري والثاني باكستاني، وأصبحت أتردد عليهما كل شهر فانبهرت بهذا العلم الراقي من علوم الطب.
كانت هذه الحالة ومعاناتاها جديرة بأن يلتقط وليد منها فكرة التخصص (طبيب تجميلي أسنان) لينال اليوم أعلى التقييمات لطبيب أسنان تجميلي بمنطقة استوريا في «نيويورك».
لقد عمل الطالب الجامعي وليد الصادي جاهدا في جامعة فودهام لكي يحصل على أعلى الدرجات التي ستؤهله إلى نيل استحقاق هذا التخصص عن جدارة. محققاً نبوغاً معرفياً ساطعاً في المواد العلمية، حيث وثب ببصيرة نافذة كباحث في علم الأحياء العضوية فأنجز بحثاً علمياً محكماً استمر لمدة عام، في جامعة فودهام مع دكتور الأحياء العضوية Dr.Ronerts وقد حمل البحث عنوان: The Effect of UV light on the Human Eye لينال البحث قرار إجازة للنشر من هيئة التحكيم العلمية لنشر البحوث، في صحيفة Nature.
شكّل هذا انجازا مهما أهّلَ الطالب الجامعي للعمل كمساعد أكاديمي في علوم الأحياء (معيد) يساعد الطلبة على حل مشاكل علوم الأحياء.. يقول الطبيب وليد الصايدي : كانت هذه الفترة مفصلية في تكوين شخصيتي العلمية والمعرفية، فقد جعلتني وجهة لامتحان صعب جداً أشرفت عليه لجنة عليا تتمتع بمعايير أكاديمية علمية دقيقة، وهي لجنة العلوم في جامعة Fordham. وقد أخضعتني اللجنة لاختبار تحريري وتطبيقي في علوم الرياضيات، والكيمياء الحيوية، والكيمياء العضوية، والأحياء، ومعادلات قوة تمعن وتحايل الأشياء الهندسية، والقراءة التحليلية، وقد اجتزت هذا الامتحان بتقدير امتياز.
ويضيف الصايدي: كان اجتياز الامتحان السابق شرطا للالتحاق بتخصص طب الأسنان، والفوز بفرصة دخول امتحان هذا التخصص الذي يسمى: DAT Dental college Admission Test. خاصة وأنا لم احصل عليه من جامعة فودهام… إنما من مكان آخر.
كانت لحظة إعلان النتائج لحظة فارقة في حياتي .. أرفقت ورقه الترشيح القوية التي حصلت عليها من لجنة العلوم في جامعة Fordham إلى الملف الذي أرسلته إلى جامعات طب الأسنان، وانتظرت الرد وكانت المفاجأة، عندما حصلت على قبول غير مشروط من جامعات عريقة:(University of Connecticut – New York university – Stony Brook – University of Pennsylvania) مع العلم إن بعض الجامعات مثل university of Connecticut تقبل فقط ٢٠طالباً. كنت في قمة السعادة», اخترت جامعة stony brook لأنها كانت في ولايتي ولاية نيويورك.. وكانت الرسوم معقولة نوعا ما فيما كان والدي ومجلي عباس الصايدي من الداعمين لي في هذا الدرب الصعب.
إقرأ أيضاً..6 استخدامات خاطئة.. تجنبها عند التعامل مع المضادات الحيوية
وقبل أن يتلقى محاضرته الأولى قرر وليد الزواج ، إنه القرار الأصعب في حياة الشاب اليمني المغترب في أمريكا، إذ يجب عليه العودة إلى اليمن، فمعظم اليمنيين يفضلون الزواج بفتيات من اليمن وهذا ما فعله وليد عندما عاد في شهر يونيو ١٩٩٨ إلى اليمن , وتزوج, لكنه وبعد أقل من شهرين على زواجه اضطر للمغادرة تاركاً زوجته.
يقول وليد الصايدي: كان قرارا صعبا أن أترك زوجتي في اليمن لكني كنت مصمما إما أن أكون أو لا أكون، فبدأت الدراسات الجامعية تخصص طب الأسنان في stony brook .
ومرت الأيام وهو يحصد العلامات العالية ليحصل على شهادته بتفوق عام 2002.
العمل والمشروع الخاص
عمل وليد بعد تخرجه في مستشفى New York Presbyterian and Cornell university hospital لعام كامل.. ليحصل في نهاية العام نفسه على رخصة مزاولة مهنة طب الأسنان في ولاية نيويورك.
عمل حينها مع أطباء أسنان في عيادات خارجية وتعلم المزيد من خلال الأعمال التطبيقية, غير انه كان دائما يفكر في مشروعه الخاص.. يقول “لم أحب العمل تحت طبيب آخر”، وهذا ما حدث في العام 2006م عندما وجد مكانا مناسبا لعيادته الخاصة في منطقة استوريا.
استمر وليد في عمله السابق إلى أن بدأت عيادته في استقطاب المرضى، ليتفرغ لمشروعه وتعمل العيادة وفق نشاط متميز بوفرة التخصصات التفصيلية التي يشملها طب الأسنان من زراعة الأسنان، وتقويمها بمنظومة invisalign… و suresmile إلى الجراحة التجميلية.
كما تمتلك العيادة مقومات النجاح الطبي من أحدث الأجهزة الطبية من أنظمة الأشعة المتطورة كنظام الأشعة المقطعية والبانوراما إلى نظام الكشف الضوئي بمنظومة omnicam Sirona, وصار مشاركا في مؤتمرات علمية طبية عالمية لمواكبة كل جديد في علم الأسنان.
وليد الصايدي الذي غدا طبيباً لم يتوقف عند طموح وجود العيادة واشتهارها خلال فترة وجيزة، ولأنه في بلد الفرص فقد فكر بوجهة أخرى لاستثمار أمواله ليدخل سوق الأسهم العالمية ليكون رأس مال ويشتري قطعة أرض عام ٢٠١٠م في منطقة استوريا بنيويورك , بنى عليها بناية من أربعة أدوار, جعل عيادته في أحدها “سميت هذه العيادة Saidi Dental بمعنى عيادة الصايدي للأسنان، “لقد أصبحت لي عيادة أسنان في العمارة التي بنيتها”.
الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب
المصدر : https://alttebiah.net/?p=17968