المجلة الطبية

أطفال السكر في اليمن.. معاناة وحرمان وأنسولين مدى الحياة

-

أطفال السكر في اليمن.. معاناة وحرمان وأنسولين مدى الحياة

الطبية_ محمد العزيزي|

تداوم الطفلة ليان محمد على الحضور بشكل منتظم إلى عيادة طبيبها الخاص لإجراء الفحوصات والاستماع لإرشاداته وتحديد جرع الأنسولين لمواجهة وانتظام مستوى السكري لديها.

حرمان مبكر

“ممنوع .. أنتِ مريضة ” هذه الكلمات التي ترددها أمها  وكل الأسرة، على مسامع ليان باستمرار، حتى أصبحت أكره كلمة “ممنوع”، وكلما سمعتها تصاب بالحسرة  خاصة عندما ترى الأطفال يحصلون على الحلويات أو ما يتعارف عليه شعبية بـ “الجعالة” .

يجعلون “لفظا شعبيا لعملية شراء الحلويات التي تسمى أيضاً جَعَّالة”.. بهذه الكلمات بدأت الطفلة ليان حديثها لـ المجلة الطبية وهي تنتظر دورها في زيارة الطبيب المعالج لها.

كانت الطفلة تقف بوجه شاحب بانتظار دورها للدخول إلى عيادة الطبيب عندما قالت -لـ المجلة الطبية بتذمر يحمل الكثير من البراءة- ” منذ أن عرفت نفسي ووعيت على هذه الحياة وأنا أتردد على عيادة الطبيب والمختبرات لغرض العلاج من السكري وإجراء الفحوصات لمعرفة مستوى السكري ومدى الانضباط الغذائي”، وتساءلت بألم ” لا أعلم كيف أصبت بهذا المرض ولكن والدتي تقول أنني أصبت به خلال قصف فج عطان وكنت حينها بعمر ثلاث سنوات ونصف “.

قد يهمك..الدكتور الخولاني يوضح الفرق بين سكري الأطفال والبالغين

يتناول الأطفال كل ما يرغبون من الحلويات وأنا محرومة من هذه المتعة كبقية أقراني من الأطفال، السكر حرمني من الحياة هكذا اختتمت ليان وصفها لحالها وحياتها.

الطفلة ليان واحدة من آلاف الأطفال اليمنيون الذين يعانون من إصابتهم بمرض السكري الذي باغت حياتهم من الوهلة الأولى، وضاعف من معاناتهم لتصبح حياتهم أكثر مأساوية كما وصفتها منظمات دولية عندما قالت ” أنه من أسوأ الأشياء أن تكون طفلا في اليمن بسبب تردي الأوضاع المعيشية التي سببتها الحرب”.

أوضاع معيشيّة ونفسية صعبة يعيشها الأطفال المصابون بمرض السكري وعائلاتهم في اليمن بسبب تخزين علاج الأنسولين وانقطاع الكهرباء وعدم توفر أماكن لحفظ العلاج مع استمرار الحرب وارتفاع سعر العلاج .

ويقتضي التعايش مع السكر الامتناع عن تناول عدد من الماكولات والمشروبات، لكن الأطفال في الغالب لا يعون أضرارها ما يتسبب بمعاناة أهاليهم في التعامل معهم ، فالثلاثينية هدى محمد سيف ،أم أصيل، لم تتوقف عن البكاء عندما سألناها عن كيفية متابعة حالة طفلها الذي يعاني من مرض السكري النوع الأول.

وبعيون باكية قالت “الأطفال مُتعِبون في تربيتهم فكيف سيكون الوضع في حالة أن يكون مصابا بمرض، بالتأكيد مرهق ومتعب ويزيد الأمر تعقيدا أننا نعيش ظروف صعبة للغاية”.. وتواصل -حديثها لـ المجلة الطبية- “أشعر بحزن شديد عندما أرى طفلي محروم وهو يشاهد أقرانه وإخوانه يستمتعون بكل شيء وهو محروم من أبسط الأمور التي قد يطلبها أي طفل”.

تحت ضغط وإلحاح الطفل وبكائه المستمر وحرصا على عدم حرمان طفلها تقول أم أصيل “لا أستطيع أحيانا حرمانه فاضطر للتحايل وأتعمد إبعاده عن الأطفال وأحرص على توفير بعض الحلويات المخصصة لمرضى السكري في الغالب, ومع ذلك التعامل والحرص مع الأطفال صعب للغاية”.

 كذلك يؤكد محمد الحصين “انقلبت حياتنا رأسا على عقب منذ اكتشافنا أن ابني “سليم” ذات الست سنوات أصيب بالسكري قبل سنتين ونصف عندما كان يصاب بحالة إغماء مفاجئة وتأكدنا أنه مصاب بالسكري النوع الأول ويعتقد الأطباء أنه قد يكون وارثيا “ِ

لقد اضطر الحصين لمنع إدخال مادة السكر إلى المنزل حرصا على عدم وصول أي أكل يحتوي عليه إلى يد طفله، يقول -لـ الطبية, بحسرة- “اتخذت قرارا بحرمان أبنائي الثلاثة من الحلويات وأصبح أكلهم خاليا من السكر حفاظا على مشاعر سليم ، لكن أطفال الجيران يثيرون المشاكل عندما يتناولون الحلويات أمام أطفالي”.

وبينما يضطر الحصين لاصطحاب طفله سليم في نزهات متكررة ليحصل أخوته على بعض الحلوى، يرى يشير حزام الرهمي -45 عاما- بأن أكثر الأشياء صعوبة على الأسرة التي يعاني طفلها من مرض السكري هو عدم تقبل الأطفال ضرب إبر الأنسولين بشكل يومي، وهي معاناة كبيرة ومستمرة نتيجة تخوف الأطفال من وخز الإبرة.

ويختلف مرض السكري لدى الأطفال تماما عن السكري الذي يصيب الكبار كما أوضح استشاري الباطنية والغدد الصماء الدكتور عبد الكريم الخولاني، حيث أكد أن النوع الثاني يصيب الكبار والنوع الأول يصيب الأطفال.

ولأن خطة علاج النوع الأول الذي يصيب الأطفال تقتصر على الأنسولين فقط، فهي تمثل صعوبة كبيرة لأهل الطفل المصاب من حيث الرقابة على الطفل وتقبل العلاج بالإبر، وفقا للدكتور الخولاني.

وفي سياق متصل أوضح استشاري الباطنية والسكري والغدد الصماء الدكتور زايد عاطف أن الكثير من مرضى السكري ومنهم الأطفال يلجأون إلى تقليل جرعات الدواء خلال الفترة الماضية، بسبب عدم توفر الأدوية وارتفاع أسعار المتوفر منها، ما انعكس سلباً على صحتهم وأدى إلى حدوث مضاعفات, لافتا إلى أن الإصابات بمرض السكري بين الأطفال في اليمن تتزايد بشكل كبير.

وبالرغم من عدم وجود إحصائيات حديثة بعدد مرضى السكر في اليمن, إلا أن الدكتور عاطف أشار إلى وجود ما يقارب مليون ومائتي ألف مواطن يمني مصاب بداء السكري، وأن نسبة 11,5 % يمثلون عدد المصابين بالسكري في اليمن بين البالغين من إجمالي عدد السكان بحسب مسح استهدف 15 ألف شخص أجرته الجمعية اليمنية لمرضى السكر، لافتاً إلى أن الأطفال يشكلون نسبة 7% من عدد المصابين بداء السكري.

إقرأ أيضاً..المجلة الطبية تعلن عن أسماء المستفيدين من أجهزة فحص السكري

ويقول الدكتور عاطف الذي يرأس الجمعية اليمنية لمرضى السكري أن المركز الوطني لعلاج السكري بمستشفى الثورة بصنعاء يعالج نحو 2000 طفل مصاب بداء السكري أغلبهم من النوع الأول، مشيراً إلى أنه ومقارنة بعدد الأطفال المسجلين في مركز واحد فإن هناك آلاف الأطفال المصابين بداء السكري باليمن.

يؤكد الدكتور عاطف أن من 6-5 % من النوع الأول يصيب الأطفال بالدرجة الرئيسية وهو مرض لا علاج له سوى الأنسولين.

وقد يصاب الأطفال بأي من نوعي السكري الأول أو الثاني، غير أن النوع الأول هو الأكثر شيوعا بين الأطفال وفق ما أكد الدكتور عاطف للمجلة الطبية، موضحا “هناك نوعين من مرض السكري، النوع الأول يتم تشخيصه في مرحلة الطفولة المبكرة، والنوع الثاني الذي يتطور ويتم اكتشافه في وقت لاحق من الحياة”.

العبء الاقتصادي الذي يعاني منه اليمنيين بشكل عام يظهر بشكل خاص لدى الأطفال المصابين بالسكري ولشحة توفر الأنسولين تقوم بعض الأسر بإعطاء طفلها المصاب نصف الجرعة المقررة له وذلك لتوفير جزء من الجرعة حتى نهاية الشهر، وفقا للدكتور عاطف.

من جهتها تؤكد أخصائية الباطنية والسكري الدكتورة أحلام المرتضى أن المرضى الذين يعانون من النوع الأول بحاجة لجرعات الأنسولين للبقاء على قيد الحياة في حين أن النوع الثاني لا يعتبر مزمناً علميا وأنه يمثل حوالي 90 بالمائة من جميع حالات السكري في اليمن.

الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب

يعاد نشر هذه المادة عن منصة عوافي في إطار حملة #السكر_يمكنك_إدارته، التي أطلقتها “المجلة الطبية” للتوعية بمرض السكر ، بالشراكة مع (شركة النهدي الطبية، وشركة إخوان بعوم ومصنع بيوفارم للصناعات الدوائية الحيوية، وشركة المدار فارما، وشركة أيمن فارما للاستيراد).

Exit mobile version