العيد يضاعف أزمات اليمنيين النفسية
الطبية – نجيب علي العصار|
كلما اقترب العيد ارتفع مؤشر القلق والتوتر عند الثلاثيني أحمد ناجي نتيجة عدم قدرته على توفير احتياجات العيد لعائلته الصغيرة وينعكس ذلك على طريقة تعامله مع الآخرين.
“أشعر بإحباط وتوتر وضيق شديد “ بهذه الكلمات لخص الثلاثيني، أحمد ناجي، الحالة النفسية التي يعيشها مع عائلته خلال العيد .. متسائلا ،والدموع تغمر عينية ، كيف بإمكانه أن يُدخل الفرحة على أطفاله الثلاثة وزوجته بينما لا يستطيع تلبية أبسط احتياجات ومتطلبات العيد.
قد يهمك .. هذه السلوكيات خطيرة على أطفالكم
إنه بالكاد ينجح في توفير لقمة العيش لعائلته ،بحدها الأدنى، ويقول في حديثه لـ(المجلة الطبية)“لقد غابت عن حياتي حالة السعادة المتكلَّفة التي أجد نفسي مطالبا بها خلال إجازة العيد“.
فقدان الشعور بالسعادة يدفع أحمد للانعزال خلال إجازة العيد ويتجنب الاختلاط مع الأهل والجيران، هذا الشعور يفضي به إلى مزيد من العزلة، إذ يجد نفسه مدفوعاً إلى تجنب أماكن التجمعات.
وبينما يقضي أحمد إجازة العيد في منزله يضطر العشريني طلال يحيى ،نازح من تعز، لقضاء أيام الإجازة في العمل لتوفير لقمة العيش لأولاده فالعيد عنده لم يعد مناسبة للفرحة والسعادة.
يقول طلال –الذي يعمل سائقا لدراجة نارية في حديثه لـ(المجلة الطبية)- إن العيد في زمن الحرب ينكأ جراح المعاناة ويسلب الناس ابتسامة الفرحة، لافتا في حديثه لـ المجلة الطبية إلى أن مثل هذه المناسبات أصبحت تؤثر سلبا على نفسية معظم اليمنيين وذلك بسبب ارتفاع الأسعار.
ما خلفته الحرب مثل صعوبة وارتفاع تكلفة الانتقال بين المحافظات لزيارة الأقارب، ساهم بشكل كبير في ترك حالة من الحزن وعدم الشعور بالبهجة والسعادة لقدوم العيد ، مثلما يحدث مع طلال.
غياب المتانة النفسية
رغم أن قدوم الأعياد بمواعيد مختلفة يساهم في نشر نوع من البهجة والفرح في نفوس الأشخاص، وفقا لأخصائي الطب النفسي الدكتور جمال اللوزي، إلا أن الأعياد أصبحت تؤثر على الصحة النفسية بشكل سلبي نتيجة غياب المتانة النفسية عند الكثير من الأشخاص ،حد وصفه.
ويوضح اللوزي لـ “المجلة الطبية“ أن زيادة الأعباء المادية ومتطلبات العيد مثل شراء الملابس والحلويات واحتياجات العيد في ظل الحرب وانعدام المرتبات، تنعكس آثارها سلبا على الفرد وتؤدي إلى الحزن والاكتئاب والإحباط.
ودعا اللوزي اليمنيين، إلى التراحم والتكافل والتأقلم والتكيف على الوضع القائم والتفاؤل والاستمتاع والابتهاج بالعيد وطقوسه بعيدا عن الإحباط والعجز الذي ينعكس سلبا على أسرهم.
تأثير الطقوس
العيد في اليمن غنيّ بالطقوس المتوارثة التي يحرص الناس على الحفاظ عليها، رغم اندثار كثير من العادات التراثية، وهذا ساهم في تقليص مظاهر وأسباب البهجة، ولذلك يُحذر المهتمون من اختفائها وتلاشيها بفعل الحداثة وعدم قدرة الكثير من المواطنين على توفير متطلباتها ، مثل الملابس الجديدة وصناعة الحلوى التقليدية ومنح الأطفال والنساء العيدية “مبالغ مالية“.
يقول الثلاثيني إبراهيم يحيى صالح الفرحة بالعيد قُتلت في نفوس اليمنيين، كما أن مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك فرَّغت المناسبة من عمقها الروحي.
ويرى صالح الذي يعمل معلما في إحدى مدارس مدينة ذمار بأن استمرار انقطاع المرتبات انعكس على نفسيات الناس وجعلهم ينظرون الى قدوم العيد باعتباره “كابوسا“ وليس مناسبة للفرح.
ويضيف في تصريح لـ المجلة الطبية “ باتت ظروف الناس تتعقد يوما بعد يوم إذ أصبح البعض يعزف عن زيارة أسرته لعدم قدرته على تقديم العيدية التي تحولت الى عبء“ وهذا يؤثر على نفسيات الناس وأصبح الكثيرون بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي.
انعكاسها على فرحة الأطفال
التزام الأسرة اليمنية بتوفير حاجيات العيد من ملابس وخلافه، رغم الظروف الاقتصادية بسبب الحرب، يقابله استعداد للتعامل الأمثل مع التقاليد الاجتماعية خلال فترة العيد، هذا ما أكدته أم عبد الرحمن.
وتقول الأربعينية أم عبد الرحمن “مظاهر العيد التقليدية التي اعتادت عليها الأسر في صنعاء على سبيل المثال، مثل زيارة دار الحجر ووادي ظهر أصبحت ترفاً في ظل الحرب، فهذه الأماكن أصبحت مهجورة“.
وتؤكد أم عبد الرحمن لـ “المجلة الطبية“ أن عدم قدرة الكثير من الأطفال على زيارة أقاربهم مع أهاليهم بسبب الوضع الاقتصادي والظروف التي يعانون منها ينعكس على نفسياتهم ويشعرون بأن نوعاً من الظلم يُمارَس عليهم.
إقرأ أيضاً .. إخصائية تحذر من الإفراط في تناول كعك العيد
كما أن عدم حصولهم على الهدايا والعيدية وعدم قدرتهم على ارتياد الحدائق والمتنفسات –بينما يرون أقرانهم من أبناء الأسر الميسورة يفعلون ذلك– له تأثير كبير على نفسية وبناء شخصية الطفل.
العيد ضرورة نفسيّة
أكد أخصائي الأمراض النفسية والعصبية الدكتور طه العصار أن الأعياد لها تأثيرات مميزة على نفسية الفرد كبيرة جدا ، أهمها كسر روتين العمل والتخلص من الاكتئاب والروتين اليومي، بعيدا عن التفكير في الماضي أو المستقبل.
ويضيف العصار، في تصريح لـ المجلة الطبية، بأن العيد يمثل لليمنيين مناسبة للفرح ونسيان الواقع المؤلم الذي يعيشه بسبب الحرب والحصار، ويمثل فرصة لحل الخلافات الأسرية وإعادة الأمل في تماسكها من جديد.
وشدد العصار على أهمية البحث عن مظاهر الفرح ومصادره ولو كان ليوم أو بضعة أيام، باعتباره ضرورياً ومطلوباً، خاصة في الحرب أو في أي ظرف سلبي آخر، ففي هذه الفترة الدقيقة، يحتاج كل فرد إلى مصادر الفرح لتغذية الصحة النفسية.
ونصح أخصائي الأمراض النفسية والعصبية، اليمنيين بالاستمتاع بالعيد وبأي ذكرى شخصية أو عامة والبحث عن وسائل الترفيه والترويح عن النفس، مشيرا إلى أن لذلك تأثير ا كبيرا على الصحة النفسية والجسدية نتيجة الإحساس بالسعادة والبهجة.
وذكرت منصة “عوافي“ نقلا عن مسؤول في مستشفى الأمل للطب النفسي في صنعاء تأكيده وجود زيادة كبيرة في عدد المرضى بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب في اليمن.
وفي سياق متصل تفيد منظمة الصحة العالمية بأن ارتفاع معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب في البلدان العربية ، ومنها اليمن، تأتي نتيجة لما تشهده المنطقة من نزاعات أسفرت عن أزمات إنسانية وموجات نزوح.
كما ألقت بظلالها على تفاصيل الحياة اليومية للفرد، وعمَّقت من اقتران المبالغة في مظاهر الاحتفال بالشعور بالذنب لدى عدد غير قليل من الأفراد، بحسب المنظمة.
الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب
المصدر : https://alttebiah.net/?p=19516