عدسات مقلدة تهدد أعين اليمنيات
الطبية|
الاستيراد العشوائي للعدسات اللاصقة التجميلية ومحاليل التعقيم الخاصة بها في اليمن، كانت السبب في تفاقم مخاطر هذه العدسات التجميلية المغشوشة والتالفة لدى نسبة كبيرة ممن يستعملنها من النساء، وفقاً لتحقيق نشره موقع “الجزيرة نت” مؤخراً.
ووفقاً للتحقيق الذي نشره موقع “الجزيرة نت”، استطلع معد التحقيق الصحفي اليمني جمال سيلان أراء 6 من استشاريي طب العيون واختصاصيي البصريات ممن يعملون في أهم مستشفيات ووحدات طب العيون بالعاصمة صنعاء، فإن معدل استقبالهم لفتيات أصبن بأضرار العدسات التجميلية المخالفة للمواصفات هو نحو 4-5 إصابات يوميا، بعضها أدى إلى إتلاف القرنية.
ووثق معدّ التحقيق عبر استطلاع ميداني سريع إصابة 12 فتاة يمنية بأضرار في العين ناجمة عن استخدام العدسات التجميلية، بين الإصابات حالتان وثقتا بتقارير طبية.
قد يهمك..نقابة ملاك صيدليات المجتمع تستنكر استغلال كارثة موت أطفال السرطان
أضرار مختلفة
وفي استطلاع إلكتروني (غير قياسي) شمل عينة من 61 فتاة يمنية في الفترة من 25 إلى 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تبيّن أن 65% منهن تعرضن لأضرار مختلفة جراء استعمال عدسات تجميلية لاصقة، 59% منهن أصبن باحمرار شديد في العين، و16.4% بتورم في العين، و36.1% فقدن النظر مؤقتا، و4.9% أصبن بأضرار في القرنية، و4.9% بأضرار كبيرة وصلت إلى الضعف الشديد والدائم في النظر.
وتظهر النتائج أيضا أن 27.9% ممن شملهن الاستطلاع دخلن المستشفى وتلقين علاجا فقط، في حين أجريت لـ1.6% منهن عمليات. وبلغت تكاليف علاج 50.8% منهن أقل من 40 ألف ريال (66.66 دولارا)، و8.2% دفعن بين 40 ألف ريال و100 ألف ريال (166.66 دولارا)، وبلغت تكلفة علاج 9.8% من العينة أكثر من 100 ألف ريال.
وتؤكد نتائج الاستطلاع شيوع مخاطر العدسات اللاصقة جراء الاستيراد العشوائي وغياب الرقابة الجمركية ثم الطبية على العينات المستوردة، وعدم وجود قوانين واضحة تنظم وتحدد الاستيراد والاختبار والبيع، أو عدم تفعيلها. ويلحظ أن كثيرا ممن يستعملن تلك العدسات يعتبرن الآثار التي تحدث لهن عادية رغم خطورتها، ولا يلجأن إلى الطبيب إلا في الحالات الخطرة، كما لا يفكرن في اللجوء إلى القضاء.
قانون غير مفعل
تتولى جهات متعددة في اليمن استيراد العدسات التجميلية ولا تخضع للتدقيق الجمركي أو الفحص والاختبار رغم وجود قوانين تفرض ذلك.
يشترط قانون التجارة الخارجية في اليمن رقم 16 لعام 2007 في المادتين 6 و7 على المستوردين الحصول على سجل تجاري، وبطاقة عضوية الغرفة التجارية، وموافقة أولية على الاستيراد تصدرها الجهات المختصة، على أن يُحدد نوع المنتج المستورد ومواصفاته، وتُرسل صورة من التصريح للمنافذ للعمل به، لكن ذلك لا يطبق عمليا.
يقول فؤاد هويدي مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة بصنعاء إن السلع التي لها تأثير مباشر على صحة الإنسان، ومن بينها العدسات، تخضع من حيث المبدأ والقانون لمسؤولية الهيئة العليا للأدوية التي تمنح الموافقة الفنية الأولية على استيرادها.
ويشير إلى إن العدسات التجميلية تدخل عبر المنافذ الجمركية بكميات صغيرة، ويهرّب ما بين 40% و50% من إجمالي ما يدخل منها سنويا إلى اليمن. ويعود ذلك -حسب قوله- لارتفاع ضريبتها الجمركية، أو لوجود وكلاء لوكلاء معتمدين لا يستطيعون استيراد العدسات مباشرة من الدولة المصدرة، فيستوردونها من مكاتب الدول المجاورة، وقد نشط هذا النوع من التجارة في السنوات الأخيرة بسبب الحرب.
ويلفت إلى أن العدسات اللاصقة التجميلية تستورد أيضا عبر الإنترنت دونما ضوابط وإجراءات أولية في غياب قانون التجارة الإلكترونية، ولأن أغلب عمليات البيع والشراء الإلكترونية يقوم بها أفراد وليست شركات، ولا تطبق المواصفات والمقاييس على العدسات رغم أنه يفترض فحصها والتثبت من صلاحيتها حماية للمستهلك.
اقرأ أيضاً..مستشفى الثورة بالبيضاء يشهد أول ولادة 3 توائم
مقلدة ومخالفة
وأشار معد التحقيق إلى أنه حاول فحص عينة من العدسات والمحاليل المعقمة التي تدخل إلى اليمن، إلا أنه لم يجد أجهزة للفحص في مختبرات الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، ولا في مختبرات الهيئة العليا للأدوية أو مختبر كلية الطب بجامعة صنعاء، لذا لجأ إلى إثبات أن العدسات التي تدخل إلى اليمن في معظمها رديئة ومقلدة استنادا إلى جملة معايير؛ أولها يتعلق بالسعر، والثاني بنسبة المياه داخلها وأبعاد المنتشر منها، والثالث بمدى احترام شروط التعبئة وحماية المستهلك.
وأكد اختصاصي البصريات رياض الأكوع أن العدسات الرديئة على عكس الأصلية تتسبّب بعد مدة قصيرة من استعمالها في احمرار والتهاب في العينين، وهو تماما ما أظهرته نتائج الاستطلاع الذي أجره تحقيق الجزيرة نت، إذ إن 59% من المشاركات في العينة أصبن فعلا باحمرار شديد في العينين، فضلا عن أضرار أخرى.
ولتأكيد عدم مطابقة العدسات التجميلية لمواصفات بطاقة البيانات التي يفترض تطبيقها على كل المنتجات، والتي تتضمن ضرورة توفر إرشادات أو تعليمات الاستخدام باللغتين العربية والإنجليزية، حسب الأمين العام المساعد للشؤون الفنية لجمعية حماية المستهلك بصنعاء الدكتور صادق شمسان، وثق معد التحقيق أن عدسات “فريش لوك” و”ذهب” و”لانس مي” تباع في العاصمة صنعاء من دون وجود أي إرشادات للاستخدام بداخلها.
إهمال ورقابة غائبة
وثق معد التحقيق تحذيرات منظمات وهيئات الغذاء والدواء العالمية ودراسات علمية في دول غربية وعربية من مخاطر العدسات التجميلية الرخيصة والمقلدة، لتسببها في أنواع عديدة من البكتيريا الخطيرة مثل “أسينتوباكتير” (Acientobacter) و”بسودوموناز” (Pseudomonas) التي تؤدي إلى التهاب مقلة العين البكتيري وقرحة القرنية جراء انتقال الميكروبات من العدسة إلى العين وجرح العدسة للقرنية.
وتلجأ معظم دول العالم إلى فرض قوانين تمنع صرف العدسات اللاصقة حتى التجميلية إلا بوصفة طبية، وتحظر بيعها في غير المحالّ المخصصة، لكن كل ذلك غير معمول به في اليمن، كما أن حملات التوعية بمخاطر العدسات المقلدة غائبة تماما.
وتباع العدسات في اليمن غالبا في محال بيع أدوات التجميل وكذلك في البقالات ومكتبات بيع الأدوات المدرسية من دون وصفة طبية. وتظهر نتائج الاستطلاع الذي أجريناه أن 90.2% من الفتيات اشترين العدسات التجميلية من دون استشارة طبيب، وأن 65.6% منهن اشترينها من محال أدوات التجميل، وذلك يزيد من مخاطر الاستخدام الخاطئ لهذه العدسات وعدم التأكد من صلاحيتها أو جودتها.
يؤكد المدير العام للشؤون القانونية بوزارة الصحة بصنعاء مطهر الغرسي أن الوزارة لم تصدر حتى الآن قانونا لتنظيم ممارسة مهنة البصريات، لذلك تباع العدسات التجميلية في اليمن من دون رقابة تذكر.
ويوضح مدير عمليات وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء نجيب العذري أن الرقابة على محالّ أدوات التجميل التي تباع فيها العدسات تقع ضمن مسؤوليتهم في الظروف العادية، لكن الكادر البشري للوزارة محدود، كما أن الظروف الاستثنائية باليمن وندرة الخبراء وأجهزة الفحص تعرقل إجراءات الرقابة.
ويشير مدير مكتب الصحة بأمانة العاصمة صنعاء مطهر المروني إلى أن مسؤولية مراقبة بيع العدسات في محالّ النظارات والبصريات من اختصاص دوائر وزارة الصحة، لكنها لم تفعّل الرقابة على مدى الصلاحية والتخزين، ولم تصدر تعميما بمنع بيعها إلا بوصفة طبية، رغم انتشار الإصابات جراء العدسات المخالفة للمواصفات.
وتبعا لكل ذلك، فقد تُرك استيراد المواد التجميلية، وبينها العدسات اللاصقة، وكذلك تجارتها وبيعها من دون تأطير أو رقابة لحماية المستهلك من مخاطر صحية لا يضعها التجار والمهربون في حساباتهم، ولا تملك المتضررات وسيلة لاسترجاع حقوقهن قضائيا في ظل الأوضاع السائدة وتشتت المسؤوليات بين أجهزة الدولة.
*الصورة الرئيسية لأنواع عديدة من العدسات التجميلية التي تباع في اليمن دون فحص أو ترخيص (الجزيرة نت)