fbpx
فلاش3 ديسمبر 2021

البكاء فرحاً

mohammed alghobasi
تشخيص
16 يناير 2023آخر تحديث : الإثنين 16 يناير 2023 - 8:20 مساءً
Ad Space
البكاء فرحاً
Ad Space
د. أكرم أمين السقاف *

البكاء فرحاً

لقد كان من أهم أسباب رفضي لعرض عملٍ مغرٍ خارج اليمن -بعد كلمة أمي (بعد ما أموت روح اتبهذل أين ما تشتي)- هو المشاركة في تدشين مشروع زراعة الكلى في المستشفى الذي أعمل به، المشروع الذي خضت معه مساراً جديداً في حياتي كجرّاح وكإنسان.

ساهمت الكثير من التجارب والقصص التي عشناها مع مرضى الزراعة وأهاليهم في المزيد من النضج العلمي والإنساني، وترسم لنا الحياة بألوان مختلفة، ومع مرور الوقت تلاشى ذلك اللوم المتكرر الذي اعتدت سماعه لعدم سفري، وأصبح عاجزاً تماماً عن الفوز بأي لحظة شك أو نزعة ندم عن بقائي هنا.

كنت يوما أمر على مرضاي ورأيت أحدهم كان قد أجرى عملية زراعة كلى، وينتج كميات كبيرة من البول، وهو الأمر الذي نطلب معه من المريض شرب كميات كبيرة من الماء ليساهم في تعويض السوائل المفقودة، لذا قلت لمريضي (اشرب كما تقدر من الماء).

قد يهمك..الصحة العالمية تحدد 5 أولويات لعالم أكثر صحة

ولأن مريضي كان له فترة طويلة يعاني من الفشل الكلوي فقد وصل لمرحلة عدم إنتاج البول كلياً، والتي معها يطلب منه الأطباء شرب كميات محدودة وقليلة من الماء لأن أي زيادة لا يستطيع الجسم التخلص منها وتتحول إلى توذم يعاني معها المريض كثيراً، وغالباً ما يحتاج إلى غسلة إضافية.

Ad Space

عندها رد المريض وعلى وجهه ملامح استغراب وشك، وفي نبرة صوته خوفاً لم أجد له تبريراً وقتها، (اشرب كما أشتي؟! )،  فأعيد كلامي (اشرب كما تقدر)، ويعيد بدوره ( كما أشتي) فأقول (كما تشتي)، بنبرة توحي أن استخدامي لمفردته يعد تنازلا لحسم ما كنت أظنه سوء فهم ولم أكن أدرك أن شتان بين ما أظنه وما يدركه، كنت أراه واجبا و كان يراه نعمة، عندها امتلأت عينيه بالدموع غير أن ملامح الخوف والشك تحولت فرحا زادني حيرة واستغرابا.

سألته بقلق: (خير أيش فيه؟ هل تعاني من حاجة؟!).

قال لي: “يا دكتور أكرم كنت أيام الغسيل أشوف القارورة الماء، وعليها آثار البرودة وأبكي، كنت أتمنى أشرب بس لما أروي، فلما أذكر ما كان يحصل لي عندما أضعف وأشرب أكثر من المسموح وما أعانيه عندها أقلع عن الفكرة وأبدأ بالبكاء والدعاء”.

اقرأ أيضاً..مخاطر الاستشارات الطبية عبر مواقع التواصل على الشباب

وبدأ يدعو لي وأنا عاجز عن إخفاء علامات الصدمة على ملامحي التي سرعان ما تبدلت إلى شعور بالرضا ظل يلازمني زمنا طويلا، أدركت تفاهة ما يصيبنا بالحزن والخوف والقلق، ورأيت عظمة ما نملكه ولا ندركه.

أصبح للماء مذاق آخر، وغدا الشرب تجربة مبهجة، ربما ليس حد البكاء فرحا، لكنها كافية لكي لا أحزن على ما فات.

محبتي لكل مرضانا الذين يمنحونا أكثر مما نستطيع منحهم.

  • استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية

Ad Space
Ad Space
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Ad Space