ارتفاع معدل الإصابة بـ الثلاسيميا في ظل الفهم الخاطئ للفحص قبل الزواج
الطبية- دعا المطري|
بملامح منهكة وجسد هزيل تحاول العشرينية علياء فاضل ،اسم مستعار، التعايش مع مرض الثلاسيميا الذي بدأت رحلة المعاناة معه منذ الطفولة، وتركت في ذاكرتها مجموعة من المواقف المحزنة.
تحرص فاضل على استكمال تعليمها الجامعي رغم أنها تعاني من عدة مضاعفات نتيجة إصابتها بالثلاسيميا، مثل الروماتزم ومرض في القلب.
وقالت في حديث لـ “المجلة الطبية” أنها تعرضت لحالة اكتئاب أكثر من مرة بسبب وضعها الصحي، مؤكدة أن الثلاسيميا أو ما يسمى ” فقر دم البحر الأبيض المتوسط” جعلها _دائما_ عرضة للإصابة بالكثير من الأمراض الجسدية والنفسية.
فاضل واحدة من ضمن عشرات الآلاف من المصابين بمرض الثلاسيميا في اليمن، فبحسب مدير المركز العلاجي لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي الدكتور مختار إسماعيل وصل حديثاً إلى المركز ما يقارب 7000 في صنعاء فقط تحديداً 6105 مرضى حيث أن البعض لم يكمل الإجراءات في المركز.
وفي تصريح سابق لرئيس الجمعية اليمنية لأصدقاء مرضى الدم بمدينة تعز ،وسط اليمن، الدكتور “خالد النهاري، قال أن الجمعية تستقبل يوميًا من 40 إلى 45 حالة مصابة بأمراض الدم الوراثية منذ بداية العام 2021.
قد يهمك..دعوات أممية عاجلة لإنقاذ حياة اليمنيين
ويعرّف الدكتور إسماعيل الثلاسيميا في حديث لـ “المجلة الطبية” بأنها أمراض وراثية تنتقل عبر الجينات من الآباء إلى الأبناء، موضحا أن هناك نوعين من المصابين الأول يحمل الجين الوراثي لكن لا تظهر عليهم الأعراض، بينما يحمل النوع الآخر الجين مع المرض.
وقال: يؤثر هذا الجين على النخاع العظمي للمصاب؛ وهو المسؤول الأول عن إنتاج خلايا الدم، والذي يتغير نشاطه بعد الإصابة، فبدل أن ينتج خلايا دم تحتوي على النسبة الطبيعية من الهيموجلوبين، ينتج خلايا دم مشوهة تكون فيها نسبة الهيموجلوبين غير طبيعية، وهذا يعرضها للتكسر وبالتالي تعيش الخلية من 7 إلى ١٠ أيام فقط بينما تعيش في الوضع الطبيعي ١٢٠ يوما، حد قوله.
ويعد الشحوب، الضعف العام، نقص النمو، آلام شديدة، تشوهات في عظام الفك في الوجهة وعظام الجمجمة، تضخم الطحال، تغير لون البول، من أبرز أعراض الإصابة، وفقا للدكتور إسماعيل، مشيرا إلى أن المريض يحتاج إلى نقل دم في المتوسط كل ثلاث أسابيع أي كل ٢١ يوما.
الفحص لا يخص الأقارب فقط
انتشر مفهوم غير سليم بين الأهالي يفيد بأن الأطفال الذين تربط أبويهم قرابة اسرية “أبناء عم” هم فقط المعرضون للإصابة بمرض الثلاسيميا، وهذا الاعتقاد غير مبني على أي حقيقة علمية.
يعاني العشريني علي إسماعيل من الإصابة بالثلاسيميا هو وشقيقه بينما تحمل شقيقتاه الجين، رغم أن والده من محافظة عمران شمال صنعاء ووالدته من محافظة تعز وسط اليمن ولا يجمع بينمها أي نوع من القرابة.
وقال إسماعيل لـ “المجلة الطبية” بأنه لا يلوم والده لأن الفحوصات لم تكن متوفرة قبل ما يقارب 35 عاما، بالإضافة إلى غياب الوعي حينها حول هذه القصية، ويوصى الجميع بضرورة عمل الفحص لأنهم مسؤولون عن معاناة أطفالهم في المستقبل، خاصة في ظل المعرفة الكاملة بعواقب المرض، وتوفر الفحص بشكل كبير.
وتتوفر اجهزة الفحص في أكثر من 40 مختبرا ومستشفى بصنعاء، وتتفاوت تكاليف الفحص بين المستشفيات والمراكز الحكومية والخاصة ولكنها لا تزيد عن ١٢ ألف ريال يمني ، 15 دولارا امريكيا.
الوعي وعذرية الفتاة
يساهم تدني مستوى الوعي المجتمعي بهذا المرض وأسباب الإصابة وطرق الوقاية منه في زيادة عدد الحالات بشكل كبير، وهنا يستشهد الدكتور إسماعيل، بقصة زواج شابة مصابة بالثلاسيميا بشاب مصاب بالأنيميا المنجلية، وكانا قد عرفا بعضهما في مركز من المراكز الصحية وقررا الزواج ولم يهتما لمن حاولوا نصحهما ومنعهما، ويقول الدكتور إسماعيل متحسرا “البنت حالياً حامل بطفل مصاب بمرض الثلاسيميا”.
ومن القضايا الشائكة في المجتمع اليمني ارتباط موضوع الفحص قبل الزواج بموضوع عذرية الفتاة وهذا ما ساهم في تعقيد تطبيق الفحص، وفقا للدكتور إسماعيل الذي افاد بان البعض يعتبر موضوع الفحص عيب، بالإضافة الى قلق البعض من النتائج التي قد توقف الزواج.
ويشاركه في الرأي رجل الدين والأمين الشرعي الشيخ جبري إبراهيم الذي أوضح أن الكثير من العادات والتقاليد وتدني مستوى الوعي في هذه الجزئية تدفع الكثير من الأهالي لرفض مجرد الحديث عن الفحص قبل الزواج، لاعتقادهم بأنه معيب في حق الفتاة وصحتها ويشكك في عذريتها.
“الإلزام” الفارق الجوهري
ارتفاع أعداد الأطفال المصابين بمرض الثلاسيمسا دفع وزارة العدل في صنعاء لإصدار تعميم في مارس 2022، موجه إلى المحاكم والأمناء الشرعيين “المسؤولين عن عقود الزواج” يحثهم على إرشاد طالبي عقود الزواج وتوعية الأسرة والمجتمع بأهمية فحص ما قبل الزواج.
التعميم لم يحمل الصفة الإلزامية وحصر الإجراء على مجرد الإرشاد فقط، ولم يشترط إجراء الفحص لإتمام عقد الزواج، ولذلك لا يلتزم الكثيرون بإجراء هذا الفحص، ولذلك يطالب كامل السلطات بإصدار قانون يلزم جميع القادمين على الزواج بإجراء الفحص.
اقرأ أيضاً..الإعلان عن أسماء الفائزين بمسابقة الكتابة عن “الصناعات الدوائية الوطنية”
وقال الأمين الشرعي ورجل الدين الشيخ إبراهيم في حديثه لـ “المجلة الطبية” : “هناك أكثر من 300 أمين شرعي في العاصمة صنعاء فقط، وهؤلاء بحاجة لبرنامج توعوي حول أهمية الفحص وكيفية إقناع الناس به”، موضحا أن الأمناء يقدمون النصح للأهالي والتوعية ولكنهم لا يلزمونهم خشية عزوف الناس عنهم وبالتالي فقدان مصدر دخل، “الناس يسعون لمن يسهل لهم عملية عقد الزواج”.
وفي نفس السياق دعا الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال وأيضاً والمنظمات المعنية بالصحة العمل على تسهيل الحصول على الفحص، مقترحا أن يقدم مجانا ليشجع الشباب على الفحص خاصة في ظل الظروف الاقتصادية غير الجيدة التي يعيشها معظم الأهالي نتيجة الصراع.
من منظور ديني
يرفض البعض إجراء الفحوصات لاعتقادات دينية تم فهمها بشكل غير سليم لها علاقة بالاعتراض على القدر، وهنا يوضح ابراهيم أن الله أمرنا بأن نحذر البينات ونأخذ بالأسباب، والمرض بينه والفحص سبب.
في ذات السياق يبين رجل الدين الشيخ عارف العدلة بأن رفع الضرر بين المسلمين واجب على جميع المسلمين، وقال في تصريح لـ “المجلة الطبية”: “واجب على الاسرتين الفحص لأجل دفع الضرر” وحث المقدمين على الزواج على إجراء الفحص، خاصة العائلات التي لها تاريخ مرضي في هذا الجانب.
تدخلات أممية
بحسب ما نشرته منظمة الصحة العالمية في موقعها على الانترنت تلقى حوالي 17,788 مواطنًا يمنيًا يعانون من مرض الثلاسيميا واضطرابات الدم الوراثية الأخرى الأدوية المنقذة للحياة في إطار برنامج الطوارئ لمنظمة الصحة العالمية الممول من البنك الإسلامي للتنمية، حتى منتصف فبراير 2022.
عدد مرضى الثلاسيميا بحسب مدير المركز العلاجي لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي الدكتور مختار إسماعيل:في صنعاء 6105 حالةبالإضافة إلى 900 مريض لم يستكملوا الإجراءاتملاحظة “يأتيها المرضى للعلاج من جميع المحافظات”الحديدة 3700 حالةحضرموت 1700 حالةعدن، من 700 إلى 800 حالةتعز 5000 حالةباقي المحافظات: 700 حالة |
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز Internews ضمن مشروع Rooted In Trust في اليمن